story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

أسماء فرنسية وثقافة أجنبية.. تقرير: مراكز النداء تبعد موظفيها عن هويتهم المغربية

ص ص

سلّط تقرير حديث تحت عنوان “مراكز النداء في المغرب: هشاشات نيكولونيالية وأشكال جديدة للدفاع النقابي الذاتي”، (سلط) الضوء على ظروف العمل في مراكز النداء بالمغرب، كاشفًا عن ثقافة تنظيمية فريدة صيغت منذ السنوات الأولى لزرع القطاع، وما تزال تُعاد إنتاجها في الممارسات التدبيرية الراهنة، ثقافة لم تُبنَ فقط على أساس اقتصادي، بل حملت معها محاولة لإعادة تشكيل بيئة مهنية منفصلة عن النسيج الاجتماعي المحلي.

وفي هذا السياق، أشار التقرير الصادر عن المجلس المدني لمناهضة جميع أشكال التمييز بشراكة مع معهد بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى أنّ المستثمرين الأوائل في هذا المجال سعوا إلى خلق فضاء مهني مستقل، منقطع عن باقي أسواق العمل الوطنية، عبر فرض لغة مهنية محددة هي الفرنسية، إلى جانب انضباط صارم وتكيّف دائم مع مجتمع أجنبي.

كما يوضح التقرير أنّ هذا الإلزام باعتناق أنماط رمزية وثقافية جديدة استهدف تعديل الهوية الاجتماعية واللغوية للعمال، ويتجلى ذلك في الفارق بين المرجعيات الزمنية المغربية وتلك الخاصة بالزبون الفرنسي، حيث يُحرم الموظفون من الاستفادة من الأعياد الوطنية المغربية، ويُفرض عليهم تقويم أجنبي صارم، ما يساهم في إضعاف حجم الانفصال عن محيطهم.

إلى جانب ذلك، لفت المصدر إلى ما يُفرض على الموظفين من تعديل للهجتهم وتحويلها إلى نطق محايد، تفاديًا للتمييز من قبل زبائن فرنسيين يظهرون أحيانًا عنصرية علنية، مبرزا أن هذه الممارسة، التي تهدف إلى ضمان المردودية، تترافق مع محو أوسع للهوية، إذ يُطلب من العاملين في كثير من الأحيان اعتماد أسماء فرنسية أو أوروبية لتسهيل تفاعلهم مع الزبائن.

ويكشف التقرير أن هذه الأسماء المستعارة لم تبقَ محصورة في الإطار المهني، بل تسللت إلى العلاقات الداخلية بين الموظفين، حتى صارت تُستعمل في تعاملاتهم اليومية، وفي الوقت ذاته، تغيب أي إجراءات لحماية العمال من الإهانات أو العبارات العنصرية التي يتعرضون لها من العملاء.

أحد النقابيين الذين عايشوا بروز القطاع في سنوات الألفين قدّم شهادة تلخص هذه المرحلة، موضحًا أن مقابلات التوظيف كانت تُشبه في صرامتها تلك الخاصة بالمؤسسات الكبرى، غير أن هذه الصورة كانت تخفي شروطًا قاسية، من أبرزها منع ارتداء الحجاب وفرض استخدام أسماء فرنسية بدل الأسماء المغربية، ولتعويض هذا الضغط، لجأت الشركات إلى تنظيم حفلات مفتوحة بشكل دوري، في محاولة لامتصاص غضب العمال وتخفيف توترهم.

هذه الحفلات، التي كانت تشمل السهر في النوادي الليلية وتوزيع الخمر والموسيقى، عُدت وسيلة لإرضاء العمال مؤقتًا، غير أن آثارها كانت وخيمة، حيث خلّفت غيابًا واسعًا في اليوم التالي، بين شهادات طبية ودخول مستشفى أو تحقيقات شرطية.

لكن بعد عام 2011 تغيّرت الأمور جذريًا، وفق التقرير، فقد أدت الأزمة الأوروبية من جهة، وأحداث الربيع العربي من جهة أخرى، إلى تضييق الخناق على القطاع، ودفعت الموظفين إلى التعبير عن استيائهم وتأسيس النقابات للدفاع عن حقوقهم، وبذلك، برزت مقاومة واضحة لثقافة تنظيمية لم تعد قادرة على امتصاص التوترات كما في السابق.

وبيَّن التقرير أن هذه الثقافة التنظيمية لهذه المراكز لم تكن تهدف إلى دمج العمال المغاربة في المجتمع الأوروبي المستفيد من خدماتهم، “بل إلى فصلهم عن جذورهم المحلية وإعادة تشكيلهم كيد عاملة مرنة يمكن التحكم فيها”، والغاية من ذلك كانت دائمًا رفع الإنتاجية وتقليل التكاليف، وفق منطق (Outsourcing) “الذي يعتمد على استغلال الوظائف دون دمج حقيقي للعاملين”.