story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

المرزوقي: الحسن الثاني برأ الحشاد.. والطيران الحربي المغربي خسر الكثير باعتقاله – حوار

ص ص

ترجل عن صهوة الحياة، مساء السبت 13 شتنبر 2025، النقيب الطيار صالح حشاد، أحد أعلام الطيران الحربي في المغرب وأحد القلائل الذين نجوا من جحيم معتقل تزمامارت، عن عمر ناهز 87 عاماً.

وتمثل حياة حشاد انعكاساً لتاريخ المغرب الحديث، إذ جمع بين المجد العسكري في مطلع الاستقلال، حين كان من أوائل الطيارين الذين أسسوا سلاح الجو المغربي، وبين تجربة السجن الطويلة التي جعلته شاهداً على أكثر فصول التاريخ السياسي المغربي فداحة.

حيث كانت مسيرته مزيجاً من التحليق في سماء المجد العسكري إلى السقوط المفاجئ في دهاليز المؤامرات والانقلابات التي تورط فيها العديدون دون علم مسبق منهم، قبل أن يُسجنوا ل 18 عاماً في تازمامارت إثر تورطهم في محاولة انقلاب 1972.

وفي هذا الحوار، أجرت صحيفة “صوت المغرب” لقاءً مع رفيقه في هذه المحنة، الضابط أحمد المرزوقي، صاحب كتاب تزمامارت… الزنزانة رقم 10، ليحدثنا عن حياة القبطان صالح حشاد، وظروف اعتقاله في سجن تازمامارت، إلى جانب الطرائف والمواقف الإنسانية التي ميزت شخصيته داخل الزنازين.

وفيما يلي نص الحوار:

تحدث لنا عن صديقك القبطان صلاح حشاد؟

كان القبطان صلاح الشاد واحداً من أبرز ضباط سلاح الطيران المغربي، وقد عُرف بكفاءة ومهارة استثنائية في مجال الطيران، أبان عنها سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو في مختلف الدول الأوروبية التي تدرّب فيها.

ولو خصصنا يوماً كاملاً للحديث عن مناقبه وخبرته لما كفانا ذلك، ويكفي أن نورد حادثة واحدة تلخص حنكته، ففي إحدى القواعد الجوية الأمريكية، وأثناء فترة التدريب، اختير من بين جميع الطلاب ليقود تجربة طائرة متقدمة، وذلك لكفاءته وثقة المدربين فيه.

وبالصدفة هبّت عاصفة جوية عنيفة وغير متوقعة، حتى ظن الجميع أنه سقط بالطائرة ولقي حتفه، غير أن المفاجأة كانت كبيرة حين عادت طائرته تحلّق فوق القاعدة قبل أن يهبط بها سالمة وسط هتافات وتصفيق الطيارين، وقد حصل على أوسمة عديدة اعترافاً بمهارته العالية.

كيف وجد القبطان حشاد نفسه في قلب أحداث انقلاب 1972؟

مع الأسف، كان حضوره يوم محاولة الانقلاب مصادفة بحتة، إذ لم يُخبر ولم يشارك في أي تخطيط، بل صعد بطائرته غير المسلحة كعادته لمرافقة الطائرة الملكية، وبعد وقوع الأحداث، نزل بطائرته وانصرف إلى حال سبيله.

وفي المحاكمة، ورد أن الملك الحسن الثاني قال فيه كلمة تكفي لتبرئته، حيث قال فيه “حشاد ابن عائلة فهو لم يستهدفني”، لكن ذلك لم يكن كافيا لتبرئته وسُجن في تازمامارت، حيث قضى سنوات طويلة.

ولو لم يعتقل لاستفاد منه الطيران الحربي المغربي ولكان تعلم منه العشرات من جيل الطيارين في تاريخ المغرب.

كيف ساهم صلاح حشاد في تخفيف معاناة المعتقلين داخل تزمامارت؟

داخل السجن، كان صلاح الشاد شخصية محورية، ليس فقط بصفته طياراً ماهراً، بل أيضاً بإنسانيته وتواضعه وابتسامته الدائمة وروحه المرحة.

فقد كان يخفف عن رفاقه بأحاديثه ونكاته، وكان من بين القلة الذين فكروا بعمق في كيفية الحفاظ على الأمل في ظروف شبه مستحيلة.

وبفضل مهارته ولباقته وقوة إقناعه، استطاع أن يربط خط تواصل مع أحد الحراس، وهو ما أتاح له أن ينقل أخباراً إلى أسرته وزوجته الممرضة عايدة حشاد ويصف لها الظروف القاسية التي كان يعيشها ورفاقه داخل المعتقل السري.

وكانت زوجته، الدكتورة عايدة حشاد، صيدلية في القنيطرة، وقد بذلت قصارى جهدها لدعمنا، وكانت ترسل له الدواء وتساندنا وتدعمنا.

كما عمل صلاح الشاد على ربط الاتصال بين زوجته وبعض عائلات المعتقلين الآخرين، ومن بينهم أسرة القبطان غلول، ما جعل دوره داخل السجن يتجاوز الصمود الفردي إلى بناء جسور دعم وتواصل بين الداخل والخارج.

ما المواقف التي جعلت من صلاح حشاد شخصية بارزة بين السجناء؟

القبطان صلاح الشاد، كان أول من خطر بباله فكرة كسر العزلة بوسائل بسيطة، حيث كان بارعاً في ما نسميه “البريكولاج” أي مهارات الإصلاح اليدوي، وكان أول من اخترع إبرة إذ كان يأخذ سلكاً معدنياً ويمده من طرف إلى آخر ثم يثقبه بأي أداة متاحة.

كنت أسأله دائماً: كيف تمكنت من ثقب السلك؟ فيجيبني ضاحكاً: “سرّ المهنة… لا يمكن أن أبوح به لأحد”.

وكان أيضاً أول من استطاع أن يدخل أشعة الشمس إلى زنازيننا، حيث حدث أن التقط القبطان صلاح الشاد بالصدفة قطعة صغيرة من ورق لامع فحوّلها بمهارته إلى مرآة.

فقد صنع قطعة من عجين الخبز وغرس فيها ورق الألمنيوم، ثم بدأ يجمع كل ما يقع بين يديه من خيوط وأسلاك، إلى أن تمكن من تشكيل أداة تعكس ضوء الشمس، ما جعل أشعة الشمس تنعكس على أرضية زنزانته.

ثم طور الفكرة لاحقاً، حتى طلب من أسرته مرآة صغيرة، وبفضلها نجح في إدخال ضوء الشمس إلى زنزانته المظلمة، وقد استفاد باقي السجناء أيضاً من هذه المبادرة، التي قد تبدو للبعض بسيطة أو هزلية، لكنها في جحيم تازمامارت كانت حدثاً عظيماً يبعث على الحياة.

ما هي الطرائف التي تتذكرها عن صلاح حشاد خلال فترة السجن؟

وفي سياق آخر، عندما جُلب ستة عشر سجيناً أفريقياً إلى العنبر الثاني للمعتقل، قام الحراس بجعل اثنين في زنزانة واحدة.

وكان بجوار زنزانة صلاح حشاد القبطان عبد الحميد بندورو، رجل قوي البنية، لكنه فقد عقله نتيجة المعاناة في سجن تزمامارت، وكان صوته جهوريًا عندما يغضب، لذا كان الجميع يتجنب استفزازه.

وكان من عادة حشاد أن يحكي لرفاقه أحلامه دائماً، وفي إحدى الليالي طرق على الجدار لينادي عبد الحميد ليقص عليه حلمه.

نظرًا لضعف سمع عبد الحميد، كرر حشاد النداء قائلاً: “سي حميد! سي حميد! حلمت الليلة حلماً غريباً…”، ثم بدأ يصف له كلبًا مخيفًا: “كان ضخم الجثة، بعينين حمراوين، وأسنان يقطر منها الدم…”.

وعندما أنهى السرد، ظل ينتظر تعليق عبد الحميد على الحلم، لكنه لم يتلقَ أي رد، وعند تكرار النداء، اضطر عبد الحميد أن يدعي بأنه سمع كل شيء رغم أنه لم يسمع شيئًا.

فسأله حشاد: “ما رأيك فيها؟” فرد عبد الحميد: “الله يحقق لك هذه الرؤيا”، فانفجر الجميع ضاحكين من الموقف الذي قد يبدو الآن ليس بمضحك لكن في ذلك الوقت كان يمثل طرفة نادرة.

كيف تأثرت عائلة صلاح حشاد باعتقاله في تزمامارت؟

تأثرت كثيرا، لدرجة أن ابنته هدى حشاد، التي ورثت ذكاء والدها واجتهاده، قامت بشيء عجيب، فقد كان الملك الحسن الثاني يستقبل الطلاب الذين يحققون معدلات مرتفعة في البكالوريا، وكانت هدى من بين هؤلاء المتفوقين، إذ اجتهدت ليلاً ونهاراً وتمكنت من الحصول على أعلى معدل، مما أهلها للقاء الملك شخصياً.

وخلال اللقاء، طلبت هدى من الملك أن يطلق سراح والدها، فقال لها الملك: “من هو والدك؟” فأجابت: “والدي هو صلاح حشاد”، عندها التفت الملك إلى أحد المسؤولين العسكريين وسأله “بغضب” عن مصير معتقلي تزمامارت، متحققاً مما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة.

كانت هذه التجربة من أهم الأحداث في حياة هدى حشاد، إذ أظهرت تعلقها بوالديها، وقدرتها على مواجهة التحديات بعزم وذكاء.

عند خروجه من السجن، كيف قضى صالح باقي حياته؟

عندما خرجنا من السجن، كان كل واحد منا قد مر بظروف صعبة جدًا، وكانت صحتنا في حالة هشة للغاية.

كنت أرى كيف يعاني الآخرون، وكيف اضطر بعضنا لإجراء أربع عمليات جراحية، ورغم ذلك ظل تعويض هيئة الإصلاح والمناصفة متأخراً، من 1991 إلى 2000.

ورغم كل هذه المعاناة، كان صالح صابراً، يتحمل الألم بقوة وشجاعة، حتى أثناء العمليات الجراحية، وخاصة عملية القلب المفتوح التي خضع لها، وأظهر شجاعة وصبراً كبيرين، ولم يشتكِ أبداً من التعب أو الألم.

أخبرتني زوجته أنه كان يعاني من عدة أمراض، ومع ذلك استطاع أن يكتب روايته عن أحداث تزمامارت، محاولاً إيصال صوت سنوات الرصاص التي عاشها المغرب، وتوثيق معاناته ومعاناة الآخرين.

وقبل وفاته نتيجة جلطة دماغية ألمّت به، كان صالح محبوباً لدى الجميع، ومثالاً للثبات والصبر، ويمثل أيقونة بالنسبة لنا لما تحلى به من شجاعة وإصرار على نقل تجربة سنوات الرصاص.