مشروع قانون التعليم العالي.. أكاديمي يحذر من ضرب استقلالية الجامعة

يتواصل النقاش في الأوساط الأكاديمية والنقابية حول مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بإصلاح التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وسط مخاوف من أن يكون هذا القانون خطوة نحو تفكيك الجامعة العمومية وتقويض مكتسباتها.
وتشدد عدد من الهيئات النقابية، بما فيها النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، إلى جانب أساتذة باحثين وطلبة، على أن المشروع يشكل تهديداً للاستقلالية الأكاديمية وضربا لمجانية التعليم.
في هذا الصدد، توقف محمد الناجي، عضو النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، في حديث مع صحيفة صوت المغرب، عند أبرز المخاطر التي ينطوي عليها مشروع القانون. وقال إن هذا الأخير “يضع الجامعة المغربية على مفترق طرق تاريخي وخطير”، مشيراً إلى أن القانون “محاولة منهجية لتفكيك الجامعة العمومية المغربية وقيمها ومكتسباتها التاريخية”.
وأكد الناجي أن نقابته “ليست ضد الإصلاح”، مضيفاً بالقول: “بل على العكس من ذلك، نحن دائماً قوة اقتراحية من أجل جامعة أكثر أداء وديمقراطية وانفتاحاً على محيطها”. لكنه شدد على أن الإصلاح لا يمكن أن يتم “ضد الجامعيين أو بدونهم”.
واعتبر أن مشروع القانون 59.24 يشكل في شكله ومضمونه “تراجعاً خطيراً وانتكاسة قانونية وحقوقية غير مسبوقة لا يمكن قبولها”.
وقال محمد الناجي، الأستاذ الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، إن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار “اختارت نهجاً أحادياً منعزلاً وإقصائياً، في انتهاك صارخ لمبادئ الديمقراطية التشاركية والحوار الاجتماعي”. وعبّر عن رفضه لهذه المنهجية التي تم بها إعداد المشروع وتقديمه.
وأشار المتحدث إلى أن الحوار الاجتماعي ليس خياراً، بل التزام وأساس كل سياسة عمومية ناجحة، معتبراً أن تجاهله من قبل الوزارة “غير مقبول، وهو تجاهل للممثلين الشرعيين للأساتذة الباحثين”.
كما عدّ قرار إخضاع المشروع للمسطرة التشريعية بشكل مفاجئ وفي عز العطلة الصيفية “مناورة تهدف إلى تجنب نقاش عمومي واسع وهادئ”، لافتاً إلى أن هذا السلوك “يعزز القناعة بأن الوزارة واعية بالطابع التراجعي لمشروعها وتسعى لتجنب المواجهة الديمقراطية”.
وأكد أن هذا النهج يكسر الثقة بين الهيئة التدريسية والوزارة الوصية، من خلال رؤية سلطوية “لا يُعتبر فيها الجامعيون شركاء في بناء مستقبل الجامعة، بل عوائق يتم تجاوزها”.
ضرب استقلالية الجامعة
ويرى الناجي أن “أخطر ما في المشروع هو إنشاء مجلس الأمناء”، مشيراً إلى أنه، تحت هذه التسمية الإدارية الحديثة، يختبئ في الواقع “انقلاب مؤسسي حقيقي”. إذ أن هذا المجلس، الذي سيصبح الجهاز التقريري الأعلى في الجامعة، سيتكون – بحسب قوله – من أغلبية ساحقة من الأعضاء المعينين من خارج الجامعة.
ويتشكل مجلس الأمناء، علاوة على رئيسه، من ممثلي السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتعليم العالي والمالية، إلى جانب الأمينين الدائمين لأكاديمية المملكة وأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات أو من ينوب عنهما.
كما يضم المجلس – الذي سيُحدث لأول مرة بموجب القانون – والي الجهة أو من يمثله، ورئيس مجلسها، بالإضافة إلى شخصيتين تمثلان المحيط الاقتصادي والاجتماعي، وشخصيتين أخريين مشهود لهما بالكفاءة في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي من داخل أو خارج المملكة.
ويتم تعيين هؤلاء الأربعة من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي باقتراح من رئيس المجلس. كما يضم في عضويته أيضاً أستاذاً للتعليم العالي يُنتخب من قبل الأساتذة الباحثين الأعضاء بمجلس الجامعة، وممثلاً عن الأطر الإدارية والتقنية يُنتخب من طرفهم.
ويلفت الناجي إلى أن تمثيلية الأساتذة الباحثين والموظفين المنتخبين من طرف زملائهم اختُزلت في حضور “رمزي هامشي” و”أقلية لتزيين المشهد”.
كما نبه إلى أن مجلس الأمناء سوف يستحوذ على جميع الصلاحيات الاستراتيجية مثل المصادقة على الميزانية، والاستراتيجيات متعددة السنوات، وبرامج التنمية، في الوقت الذي سيفرغ فيه مجلس الجامعة الحالي – المنتخب والممثل للمجتمع الجامعي – من محتواه ليقتصر على “دور استشاري بسيط”، إذ أن رئيس الجامعة المنتخب لن يحضر اجتماعات المجلس الجديد “إلا بصفة استشارية، دون حق التصويت”.
ونصت المادة 32 من مشروع القانون على أن مجلس الأمناء يجتمع بدعوة من رئيسه مرتين على الأقل في السنة، تخصصان لتقديم وتقييم، وعند الاقتضاء، تحيين استراتيجية تطوير الجامعة، فضلاً عن عرض حصيلة منجزات السنة المنصرمة وقوائمها التركيبية وبرنامج عمل السنة الموالية وتقييمها.
وخوّلت المادة 34 للمجلس ذاته “المصادقة على الإستراتيجية متعددة السنوات وتطويرها”، و”تقييم حصيلة أنشطة الجامعة خلال السنة المنصرمة”، إلى جانب “المصادقة على برنامج عمل السنة الموالية”.
كما يمكنه “تتبع تنفيذ العقود-البرامج المبرمة مع الدولة”، و”الموافقة على اتفاقيات إحداث الأقطاب الجامعية والانضمام إليها”، و”إبداء الرأي في إحداث أو تغيير أو دمج أو حذف مؤسسة جامعية أو فرع للجامعة بالخارج”، و”إبداء الرأي في مقترحات تعيين رؤساء المؤسسات التابعة للجامعة”.
ويشدد المسؤول النقابي على أن هذا المستجد سيكون بمثابة نهاية استقلالية الجامعة، “وهو مبدأ معترف به عالمياً كشرط أساسي للحرية الأكاديمية والإبداع الفكري”. وأضاف: “نحن نشهد محاولة فرض وصاية مباشرة من الإدارة والمصالح الخاصة على الجامعة، وإخضاعها لأجندات سياسية واقتصادية غريبة عن مهمتها الأساسية في إنتاج ونشر المعرفة”.
تهديد لمجانية التعليم
ومن ناحية أخرى، يرى محمد الناجي، المسؤول النقابي في النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي أن مشروع القانون “سيفتح الباب على مصراعيه أمام تسليع وخوصصة التعليم العالي”، من خلال تشجيع تنويع مصادر التمويل عبر إنشاء مؤسسات جامعية وشراكات مع القطاع الخاص “المحكوم بمنطق الربح وحده، مما سيؤدي إلى الانسحاب التدريجي للدولة”.
ويعتبر الناجي أن هذا النموذج الاقتصادي “يهدد مباشرة مبدأ مجانية التعليم”، الذي يعد مكسباً اجتماعياً أساسياً لملايين الأسر المغربية، مشيراً إلى أنه سوف يحدث جامعة بسرعتين “شُعب ‘مربحة’ محجوزة لمن يستطيع الدفع، وشُعب تُعتبر ‘غير مربحة’، كالعلوم الإنسانية والاجتماعية أو البحث الأساسي، سوف تُهمّش”، وهو ما يجعل من الجامعة “آلة لإعادة إنتاج وتعميق الشقوق الاجتماعية بدلاً من أن تكون أداة لديمقراطية المعرفة وتقليص التفاوتات”.
ويعد مشروع القانون الجديد بمثابة هجوم مباشر على حقوق وكرامة الأستاذ الباحث، “بإقصائه من هيئات القرار، وتهميشه وتجريده من دوره المحوري في حكامة المؤسسة”، بحسب الناجي الذي يرى أن “هذا التهميش يندرج في سياق أوسع من عدم احترام الوزارة لالتزاماتها بخصوص ملفات حيوية وشرعية”، من بينها ملف أصحاب دكتوراه الدولة (الدكتوراه الفرنسية)، وفتح الترقيات لسنوات 2023 و2024 و2025، وإصلاح أنظمة التقاعد.
وأضاف أن الطلبة أيضاً “لم يسلموا من هذا الهجوم”، وذلك من خلال محاولة وصفها الناجي بـ”المقلقة” لحذف المادة 72 من القانون 01.00، التي تضمن وجود مجالس ومكاتب الطلبة، من أجل استبدالها بمقتضيات لا تسمح سوى بإنشاء “نوادٍ” ثقافية أو رياضية تحت رقابة إدارية صارمة. واعتبر الناجي هذه الخطوة “محاولة واضحة لـ’تكميم أفواه’ الطلبة، وتفكيك أي شكل من أشكال التنظيم المستقل القادر على الدفاع عن حقوقهم”.
جبهة للدفاع عن الجامعة
وفي هذا الإطار، أشار الناجي إلى أن النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، “ترفض رفضاً قاطعاً وكاملاً مشروع القانون 59.24”. موضحا أن المطالب الأساسية لنقابته تتمثل في “السحب الفوري وغير المشروط لمشروع القانون من المسار التشريعي، لأنه “غير قابل للتعديل باعتبار أن فلسفته ذاتها معيبة”.
كما دعا إلى فتح حوار اجتماعي حقيقي وفوري ومسؤول، لصياغة قانون إطار جديد بطريقة تشاركية يستجيب للتحديات الحقيقية للجامعة المغربية ويحظى بإجماع وطني، وإلى تنفيذ الوزارة جميع التزاماتها السابقة بخصوص الملفات العالقة للأساتذة الباحثين، “باعتباره شرطاً مسبقاً لاستعادة الثقة وإثبات إرادة حقيقية للحوار”.
وأشار إلى أن النقابة “لن تكتفي بالتصريحات”، موضحاً أن المجلس الوطني اعتمد خطة احتجاجية تصاعدية حازمة. وقال إن الخطوة الأولى هي دعوة جميع الأساتذة الباحثين وكل الهياكل البيداغوجية إلى تعليق وتجميد كل مشاركة والتزام في الإصلاح البيداغوجي الذي تقوده الوزارة بشكل أحادي، إلى حين توفر شروط حوار حقيقي.
وأضاف أن المكتب الوطني تلقى تفويضاً واضحاً لتنفيذ المراحل التالية من خطة العمل، والتي ستشمل أشكال احتجاج غير مسبوقة، مؤكداً أنه “لن يتم استثناء أي وسيلة مشروعة لإسماع صوتنا، بما في ذلك الإضرابات الوطنية والاعتصامات والمسيرات”.
وختم المتحدث بدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية موحدة، قائلاً: “إن المعركة من أجل الجامعة العمومية ليست معركة الجامعيين وحدهم، بل معركة المجتمع المغربي بأسره”. ووجّه نداءً إلى جميع القوى الحية في البلاد – الأحزاب السياسية الديمقراطية، والنقابات، ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، وجمعيات المجتمع المدني، والتنظيمات الطلابية – للانضمام إلى هذه الجبهة الوطنية الواسعة للدفاع عن جامعة عمومية مجانية، مستقلة وديمقراطية.