خبير: الأزمة السياسية في فرنسا لن تؤثر على العلاقات بين الرباط وباريس- حوار

تشهد فرنسا أزمة سياسية غير مسبوقة منذ ستينيات القرن الماضي، عقب سحب مجلس النواب الثقة، مرة أخرى، عن حكومة فرانسوا بايرو، التي نُصبت قبل تسعة أشهر فقط، حيث صوّت 364 نائبا لصالح الإقالة مقابل 194 داعماً للحكومة، وهي المرة الثانية التي تسقط فيها الجمعية العمومية، الحكومة الفرنسية داخل أجل سنة، بعد نفس القرار الذي اتخذ ضد حكومة ميشال بارنييه، التي سقطت في دجنبر الماضي، حينما تقدم تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة” اليساري بملتمس سحب الثقة عنها.
ولم تكن التجربة القصيرة لحكومة بايرو مفاجئة في نهايتها، جراء الصعوبات الكبيرة التي واجهتها في تنزيل سياساتها منذ البداية، نتيجة غياب أغلبية برلمانية مريحة ودعم غير كافٍ من الأحزاب الرئيسة، ما جعلها حكومة أقلية في مواجهة معارضة قوية وتحديات مستمرة.
وفي هذا السياق، أعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عين، يوم الثلاثاء 09 شتنبر 2025، وزير القوات المسلحة، سيباستيان ليكورنو، رئيسا جديدا للوزراء، في محاولة لحل معضلة سياسية استعصت عليه لأكثر من عام، في برلمان منقسم إلى ثلاثة معسكرات هي تحالف اليسار واليمين الوسط واليمين المتطرف، منذ حل الجمعية الوطنية في يونيو 2024.
وعلى ضوء هذه الأزمة، طرحت صحيفة “صوت المغرب” أسئلة حول دلالات حجب الثقة وأسبابها، وكذلك انعكاساتها على العلاقات الفرنسية المغربية على المحلل السياسي، والخبير في العلاقات المغربية الفرنسية عمر المرابط.
وفي ما يلي نص الحوار:
- ما دلالات حجب البرلمان الفرنسي ثقته عن الحكومة؟
ج: دلالة حجب الجمعية الوطنية الفرنسية الثقة عن الحكومة واضحة جدًا، فهي تعكس أن الحكومة لا تمتلك الأغلبية داخل البرلمان، وأنها حكومة أقلية منذ أن قرر الرئيس ماكرون حل الجمعية الوطنية العام الماضي بعد خسارته في الانتخابات، في محاولة منه لتعزيز موقعه.
هذه الحكومة كانت بالفعل معرضة للسقوط منذ البداية، لأن الوزير الأول فرانسوا بايرو لم يتمكن من تحقيق توازن بين القوى السياسية المختلفة، ولم يستطع إرضاء لا اليمين المتطرف ولا الحزب الاشتراكي، وهما قوتان أساسيتان في البرلمان.
يضاف إلى ذلك، سياسات الحكومة المرتبطة بالبرنامج التقشفي مثل تمديد سن التقاعد أو الإجراءات الموجهة لدعم المستثمرين، والتي كانت محل جدل كبير، ما زاد من صعوبة توسيع التحالفات البرلمانية، وبالتالي، فسقوط الحكومة لم يكن مفاجئًا، بل كان نتيجة طبيعية لعجزها عن بناء أغلبية مستقرة، ولانقسام البرلمان حول السياسات الأساسية للرئيس ماكرون.
- ما أبرز الأسباب التي دفعت النواب إلى الإقدام على هذه الخطوة للمرة الثانية في ظرف عام واحد؟
ج: السبب الأساسي يعود إلى عدم وجود أغلبية برلمانية صلبة، وعدم قدرة الوزير الأول على توسيع الكتلة المركزية، أو ما يسمى بالـ”بلوك سنترال”، ليشمل القوى السياسية الأخرى، هذه الكتلة كان من المفترض أن تكون الضمانة لاستمرار الحكومة، لكن بسبب التزامات بايرو غير المحققة وبعض التعهدات التي لم يحترمها، خاصة مع اليمين المتطرف والحزب الاشتراكي، فقدت الحكومة الدعم المطلوب.
على سبيل المثال، بايرو أنشأ لجنة لإعادة صياغة قانون التقاعد، لكنه وضع شروطًا مسبقة لأعمالها، ما جعل النقابات ترى أن النتائج ستكون فارغة من المحتوى، فرفضت التعاون، وأدى هذا إلى فشل اللجنة.
كذلك، تصريحات بايرو حول الضرورة الملحة لتخفيض الدين العام بمبلغ 44 مليار يورو، وأهمية تقليص الإنفاق العام، أعطت لدى الرأي العام انطباعًا أن الرئيس ماكرون هو المسؤول الرئيسي عن المشاكل الاقتصادية الحالية، وليس الحكومة فقط.
كل هذه العوامل، بالإضافة إلى رغبة بعض الأحزاب مثل اليمين المتطرف وحزب فرنسا الأبية في إجراء انتخابات سابقة لأوانها، جعلت الحكومة عاجزة عن مواجهة التحديات، وعرضتها للسقوط في ظل الانقسام الحاد داخل البرلمان.
- كيف يمكن قراءة هذه الأزمة في السياق السياسي الفرنسي الحالي؟
ج: هذه الأزمة تكشف تحولًا مهمًا في المشهد السياسي الفرنسي، فقد أصبح اليمين المتطرف القوة السياسية الأولى في البلاد، بعد أن كسر ماكرون التوازن التقليدي بين اليمين واليسار، الرئيس أخذ من اليمين ومن اليسار، ما أضعف الأحزاب التقليدية، وأدى إلى صعود قوة ثالثة قوية في البرلمان، هي اليمين المتطرف، الذي بات له حساب سياسي مؤثر.
هذه الجهات المختلفة جعلت أي حكومة أقلية عرضة للسقوط، خصوصًا إذا لم تستطع توسيع تحالفاتها بشكل موضوعي، إذ أن الأزمات المستمرة بين الحكومة وأحزاب المعارضة تشير إلى أن السيناريو الحالي سيستمر ما لم يتمكن الرئيس من إعادة تشكيل التحالفات أو التوصل إلى توافق سياسي أوسع.
- ما انعكاسات هذه الأزمة على العلاقات الفرنسية-المغربية؟
ج: بالنسبة للمغرب، الأهم هو استقرار تحالف اليمين والوسط في الحكم، لأن معظم الأحزاب غير اليسارية متفقة على دعم الاعتراف بمغربية الصحراء، لكن وصول الحزب الاشتراكي أو اليسار المتشدد إلى السلطة قد يؤدي إلى بعض التغييرات في هذا الملف.
ومع ذلك، في ظل الجمهورية الخامسة الفرنسية، تبقى السياسة الخارجية بيد الرئيس الفرنسي، ومن هذا المنطلق، طالما ماكرون في الحكم، لن تتغير المواقف الرسمية تجاه المغرب، بما في ذلك اختيار وزير الخارجية الذي سيكون تابعًا لرؤية الرئيس، وهو ما يحافظ على استقرار العلاقات بين البلدين.
كما أن المسائل السيادية عادة لا تشهد تغييرات جوهرية، وأي رئيس فرنسي قادم، حتى لو أتى من اليسار، لن يتراجع بشكل واضح عن مثل هذه المواقف، وإلا فسيخلق أزمة دبلوماسية مع المغرب، وفي الممارسة العملية، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، قد يتجنب الدعم الصريح أو المساندة المباشرة، لكنه في الوقت نفسه لن يتراجع عن الاعتراف بمغربية الصحراء.
علاوة على أن الواقع السياسي الداخلي الفرنسي يدعم هذا الاستقرار، بحيث أن أكثر من ثلثي الفرنسيين يصوتون لأحزاب يمينية، بينما بعض أحزاب اليسار المتعاطفة مع المغرب تظل ملتزمة بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، معتبرة أن هذا الاعتراف مسألة موضوعية يجب الحفاظ عليها.
ويشار إلى أن سيباستيان ليكورنو، الذي خلف فرنسوا بايرو بات خامس رئيس وزراء منذ بداية الولاية الرئاسية الثانية لإيمانويل ماكرون في العام 2022.