في حاجة إلى جهاز مراقبة المسؤولية!

طلعت علينا بعد ظهر يوم الخميس 21 غشت 2025 مختلف المواقع الإلكترونية بخبر نسبته لمصدر مطلع وموثوق من رئاسة الحكومة يفيد أنه وأمام الجدل المتصاعد حول الجهاز الذي وضعته الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية لمراقبة الدراجات النارية، بادر رئيس الحكومة إلى الاتصال بوزير النقل واللوجستيك، وأعطى تعليماته بالتوقيف الفوري للعمل بهذا الجهاز.
لتُصدر مساء نفس اليوم و زارة النقل واللوجستيك بلاغا صحفيا يعلن أنها قررت إرجاء العمل بمضامين المذكرة الموجهة من طرف الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية إلى المديرية العامة للأمن الوطني، بتاريخ 6 غشت 2025، بخصوص عملية مراقبة مطابقة الدراجات النارية باستعمال جهاز قياس السرعة، ومنح المهلة الكافية لمالكي هذه الدراجات لتمكينهم من التأكد من مطابقة دراجاتهم لمعايير المصادقة، وتحديد هذه المهلة بعد المشاورات الموَسَّعَة مع كافة الفاعلين والمتدخلين المعنيين، ومواصلة عمليات التوعية والتحسيس عبر مختلف الوسائط التواصلية السمعية البصرية والرقمية والميدانية من أجل ضمان انخراط الفئات المستهدفة.
تدخل رئيس الحكومة عبر تسريب صحفي وبلاغ وزارة النقل واللوجستيك الطويل والمفصل، والنقاش الذي تبعهما، يثبت مرة أخرى أن هذه الحكومة لا تقدر الأمور حق قدرها ولا تنتبه للآثار السلبية لبعض القرارات التي تتخذها، ولا لطريقة تنزيلها، ولا لكيفية معالجة الاحتجاجات التي قد تنبعث بعد تنزيلها.
إذ المنطق كان يقتضي أن تقوم الحكومة بتحديد مُهْلة كافية لتطبيق هذا القرار، والتشاور الواسع لتحديد هذه المهلة، والقيام بحملة موسعة للتوعية والتحسيس بطريقة قبلية واستباقية وقبل الشروع في المراقبة وحجز الدراجات، لا سيما وأن هذه الدرَّاجات تمتلكها على العموم فئات ذات وضعية اقتصادية واجتماعية هشة، ويتعلق الأمر لديها بوسيلة أساسية وحيوية يستعملها أصحابها في طلب الرزق وليست أداة ترفيه أو أداة تكميلية يمكن الاستغناء عنها بين عشية وضحاها.
ثم إن الحكومة وعوض أن تعالج وتتعامل مع الملاحظات والاحتجاجات التي أثارها تطبيق هذا القرار بنضج ومسؤولية ومؤسساتية تأخذ بعين الاعتبار النقاش وتحافظ في نفس الوقت على هِيبَة المؤسسات المصدرة للقرار والمنفذة له، إلا أنها اختارت التسريبات الصحفية والتموقعات الحزبية، حيث سرب رئيس الحكومة خبرا مفاده أنه تدخل وأعطى تعليماته للوقف الفوري للقرار، ولتنتشر بعد ذلك العناوين الموجهة والمثيرة والمهللة التي تنتصر لرئيس الحكومة على حساب وزيره في النقل واللوجستيك، قبل أن يصدر فيما بعد هذا الأخير، مساء نفس اليوم، بلاغا صحفيا مفصلا في الموضوع.
في المحصلة، يبقى الخاسر الأكبر الأول لهذا المسلسل بسبب سوء تدبير وضعف تقدير المسؤولية حق قدرها والتعامل برقي وحياد من طرف رئيس الحكومة هو المواطن الضعيف الذي وجد نفسه بين عشية وضحاها ضحية قرار مفاجئ يحرمه من وسيلة عيشه، ثم إن الخاسر الآخر والأهم هي المؤسسات التي تفقد هيبتها وتقديرها في عيون المواطنين وهم يلاحظون أنها أصبحت مجالا للتسابق والتنافس الانتخابي على حساب مصلحة المواطن ومكانة المؤسسات الرسمية، حيث وكما سجل أحد الصحفيين المحترمين فان أحزاب الحكومة أصبحوا يراقبون بعضهم البعض، ويريدون تسجيل نقط على بعضهم البعض، لكن النتيجة في نظري أن رئيس الحكومة سجل هدفا ضد مرماه وضد مؤسسة رئاسة الحكومة، وهو يسرب خبر إعطائه تعليمات عوض أن يعتمد قرارا وتواصلا مؤسساتيا لائقا ومحترما يراعي المؤسسات أولاً وأساساً، والذي كان سيستفيد منه بالتبع رئيس الحكومة ووزير النقل والحكومة ككل، لكونها ستكون قد استمعت إلى الاحتجاجات المشروعة وعالجت الأمور بطريقة مؤسساتية كحكومة متضامنة، عوض هذه الطريقة غير المهنية والتي خسر معها الجميع رغم ما قد يبدو من ربح زائف ومؤقت وزائل.