الرميد: نجاح قانون العقوبات البديلة رهين بحسن تنفيذه من طرف المؤسسات المعنية

يرى المحامي والوزير السابق، المصطفى الرميد، أن تحقيق الغايات السامية من تشريع قانون العقوبات البديلة، الذي دخل حيز التنفيذ يوم الجمعة 22 شغت 2025، رهين بحسن تنفيذه من طرف المؤسسات المعنية به، والتي تتمثل في قضاء الحكم، والنيابة العامة، ثم قاضي تنفيد العقوبة، إضافة إلى إدارة السجون.
وأوضح الرميد في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع “فايسبوك”، أن “قضاء الحكم ينبغي أن يتحلى بما يجب من استيعاب جيد لمقاصد هذا القانون، ومعه النيابة العامة التي يتعين عليها أن لا تطعن في الحكم الصادر بهذه العقوبة إلا لأسباب استثنائية جدا، مبرزا أن أي طعن من جانب النيابة العامة يؤدي لامحالة إلى تأجيل تنفيذ الحكم القاضي بالعقوبة البديلة إلى غاية صيرورة المقرر القضائي الصادر بها حائزا لقوة الشيء المقضي به، وهو ما لا يتلاءم مع طبيعة هذه العقوبة، خاصة إذا تعلق الأمر بمعتقل”.
“ويضاف إل هاتين المؤسستين، مؤسسة قاضي تنفيد العقوبة، الذي ستصبح له أدوار حاسمة في الإشراف على تنفيد مقتضيات هذا القانون، فضلا عن إدارة السجون، التي ستجسد رأس الرمح في تنفيذه مباشرة أو بالتفويض لمؤسسة عمومية أو خاصة”، يقول المتحدث ذاته.
ولفت وزير العدل والحريات السابق، إلى أن القوانين مهما كانت جيدة، فإن جودتها تتبخر إذا لم تجد مواردا بشرية مؤهلة ومحفزة ونزيهة، تسهر على التنفيذ الصارم لمقتضيات هذا القانون، “بحيث لا يكون وسيلة للتهرب من العقاب، خاصة فيما يهم عقوبة العمل للمنفعة العامة”، مشيرا إلى أنه “قد تقع تواطئات بيروقراطية، تجعل من هذه العقوبة مجرد حبر على ورق، كما يقع بالنسبة لتوقيع الحاضر من بعض الموظفين، نيابة عن الغائبين منهم”.
وتابع المحامي بهيئة الدار البيضاء، أن التنفيذ الجيد، سيبقى رهينا بالإمكانات المادية والبشرية التي ستكون رهن إشارة المؤسسات المعنية، “وبالأخص منها قاضي تنفيذ العقوبة، والإدارة المكلفة بالسجون وإعادة الادماج”، مذكرا في نفس السياق، بأن تطبيق المراقبة القضائية المنصوص عليها في المادة 161من قانون المسطرة الجنائية لا تعتمد حاليا بشكل واسع، سواء من قبل النيابة العامة، أو قضاء التحقيق، أو قضاء الحكم، “وهو ما يلاحظ أيضا بالنسبة لعقوبة الإقامة الإجبارية التي هي عقوبة جنائية أصلية لا يحكم بها عادة”.
ودعا في هذا الباب، إلى إطلاق حملة تحسيسية وتكوينية مكثفة، “تضمن مستوى معقولا من التنفيد المطلوب”، متسائلا من جهة، عن “عدم اعتماد المراقبة الإلكترونية”، ضمن إجراءات المراقبة القضائية بقرار من النيابة العامة، أو قضاء التحقيق، عند الاقتضاء، ومن جهة أخرى عن “مدى ملاءمة الإبقاء على العقوبة الموقوفة التنفيذ بعد اعتماد العقوبات البديلة؟”.
وقال المصطفى الرميد إن القاضي سيكون أمام امتحانات متعددة، “فهو من جهة، ينبغي بعد البت في مدى ثبوت الجريمة من عدمه، الحكم إما بعقوبة حبسية نافذة دون عقوبة بديلة، أو عقوبة حبسية ومعها عقوبة بديلة، أو عقوبة حبسية موقوفة”، متسائلا: “اليس في هذا إثقالا على القضاء، وتحميله مسؤوليات مضاعفة، من شأنها أن تثير في مواجهته ردود فعل متباينة ، خاصة وأن نصف الناس أعداء للقاضي، هذا إن عدل؟”.
وفي نفس السياق، دعا المصدر إلى التفكير الجيد في “مدى جدوى الإبقاء على عقوبة الحبس الموقوف”، خاصة وأن هذه العقوبة، أصبحت مجردة عن الماهية الملموسة، مؤكدا أنها “أضحت مجرد عقوبة معنوية، حيث تم تجريدها من معناها الأصلي، والذي يجعل منها عقوبة نافذة في حالة ارتكاب الجريمة داخل أجل 5 سنوات”، وأوضح أن مرحلة التنفيذ ستكون جديرة بإتاحة الفرصة لنقاش موضوعي مفيد للجواب على هذا السؤال وغيره.
وخلص الوزير السابق، في هذا الجانب، إلى أن هذا القانون يتضمن الكثير من التفاصيل، ويثير العديد من التساؤلات، “لكنه في النهاية قانون مهم في مسار استكمال إصلاح المنظومة الجنائية، التي ما زالت في حاجة إلى مراجعة عميقة، خاصة على صعيد القانون الجنائي، الذي تم للأسف، سحب مشروع تعديله وتتميمه، دون وجه حق، من قبل الحكومة الحالية”.
ومن جانب آخر، أشار الوزير السابق إلى أن العقوبات البديلة يجري بها العمل، في أغلب الدول الاوربية، فضلا عن بعض الدول العربية، منذ سنوات عديدة، وذلك تبعا لتوصيات المؤسسات المختصة بالامم المتحدة، وكذا المؤتمرات المتخصصة، مذكرا أنه “سبق للمناظرة الوطنية المنعقدة بمكناس حول السياسةالجنائية سنة2003 أن أوصت بذلك، كما أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة تضمن عدة توصيات بهذا الشأن، غير أن الأهم من ذلك، هو النص على ذلك في الخطاب الملكي السامي ليوم 30 غشت 2009”.
وكشف أنه سبق إنجاز تعديل بذلك في ماتضمنه مشروع القانون الجنائي الذي تمت إحالته على مجلس النواب سنة 2016، وقامت الحكومة الحالية بسحبه، وإعداد مشروع القانون عدد 43.22، بعد أن أضافت إليه ما كان مضمنا بمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية المنجزة سنة 2015، “وأوقعت عليها بعض التعديلات، ونسبته إليها دون وجه حق”.
ولذلك، يقول الرميد، إن العقوبات البديلة، “هي أولا، بديلة فقط للعقوبات السالبة للحرية، التي تهم العقوبات ذات الطبيعة الجنحية دون الجنائية، وهي ثانيا، تطبق في حدود ماتنطق به المحكمة من عقوبة حبسية، تقل عن خمس سنوات، وهي ثالثا، لاتطبق في حالة عود المتهم الى ارتكاب الجريمة. وهي رابعا، لاتهم ثمان جرائم مستثناة من العقوبات البديلة، من مثل الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والغرهاب، وغسل الأموال، والاختلاس و الغدر والرشوة وتبديد الأموال العمومية …”.
وفي هذا الاطار، أكد أن القانون العقوبات البديلة “لم يكن موفقا في استثناء جرائم الإرهاب من تطبيق العقوبات البديلة، لأنه مسثتنى بحكم طبيعة عقوباته الجنائية، باستثناء الفصل 218.2 الذي يتعلق بالإشادة بالأفعال الإرهابية، ويقتصر على عقوبة الحبس من سنتين إلى ست سنوات”.
وذكر أن المحكمة المختصة بالإرهاب يمكن أن تقف على إشادة لا تكتسي خطورة من حيث نتائجها، وقد تتعلق بتهور لفظي، فتحكم على المتهم بالحبس بأقل من خمس سنوات، “يمكن أن تستبدل بذم الإرهاب، بأشكال مختلفة…”، مبرزا أن ذلك “سيكون أفضل للمجتمع من الحبس، خاصة في حالة إبداء الندم وإعلان الاعتذار”.
وضرب في هذا الباب مثالا، بالنسبة لجرائم الغدر الواردة في الفصل243 ومايليه من القانون الجنائي، وكذلك ما ورد بشأن جريمتي التبديد و الاختلاس، المنصوص عليهما في الفصل241 من القانون الجنائي.
وأضاف أنه “كان يمكن أن تكون عقوبة هاتين الجريمتين، كما الحال بالنسبة لجريمة الغدر، محل استبدال بعقوبة مالية مضاعفة، مرات عديدة، فالحكم مثلا على شخص بسنتين حبسا نافدا، إذا تم استبداله بعقوبة الغرامة اليومية ب500 درهم، عن كل يوم، فستكون القيمة الواجب أداؤها 365 ألف درهم، أما إذا كانت الغرامة اليومية بمقدار 1000درهم عن كل يوم، فستكون القيمة بمقدار: 730 الف درهم، وهكذا دواليك”، متسائلا: “فما بالك إذا كانت العقوبة أربع سنوات حبسا نافدا، حيث ستكون المبالغ مضاعفة”.
وفي المقابل، يلاحظ أن الاتجار في المخدرات سيخضع لمقتضيات العقوبات البديلة على عكس الاتجار الدولي، “وكان ينبغي استثناؤه أيضا، مثل الاتجار في المؤثرات العقلية، نظرا لخطورة هذه الجريمة”.
وشدد المتحدث على أنه “لاشيء يبرر عدم إيراد جريمة الاتجار في المخدرات ضمن الجرائم المستثناة، إذ أنها خطيرة جدا على أمن المجتمع، وصحة الأفراد، مع العلم، أن جريمة استهلاك المخدرات التي تعج السجون بمرتكبيها ستخضع بدورها للعقوبات البديلة”، لافتا إلى أن العقوبات البديلة لاتطبق إلا إذا قبل المحكوم عليه تنفيدها داخل آجال محددة.
وقد أثنى الرميد بالمناسبة على وزير العدل لتمسكه بمقتضى الفصل 35.14 الذي ينص صراحة على أنه “لايمكن الحكم بعقوبة الغرامة اليومية، إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود صلح، أو تنازل، صادر عن الضحية أو ذويه، أو قيام المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة، وهو ما من شأنه أن يعزز العدالة التصالحية التي تعتبر أسمى صور العدالة المنصفة”.