story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دولي |

تحقيق يكشف استهدافا إسرائيليا ممنهجا لمدنيي غزة أثناء طلب الغذاء

ص ص

كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تحقيق جديد بعنوان “مخطط قاتل: الفلسطينيون يواجهون إطلاق نار عشوائي في مواقع توزيع الطعام”، عن استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين بنيران منسقة أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء في قطاع غزة المحاصر، مؤكدة وقوع مئات الشهداء والجرحى خلال محاولاتهم الوصول إلى مواقع توزيع المساعدات التي تديرها “مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)”.

تغيير نظام توزيع المساعدات

وذكر التحقيق أنه في ماي 2025، ألغت إسرائيل نظام توزيع المساعدات الذي كانت تقوده الأمم المتحدة، وحلّت محله “مؤسسة غزة الإنسانية” التي تعمل تحت إشراف السلطات الإسرائيلية، وهي الخطوة التي أثارت انتقادات حقوقية كبيرة، حيث وصفها مراقبون بأنها نموذج مسلح يعكس انحيازاً واضحاً.

ومع بدء عمل المؤسسة الجديدة، يضيف التحقيق، أن تقارير يومية بدأت تصل من غزة عن تعرض المدنيين لإطلاق نار وقصف وتدافع أثناء محاولتهم الحصول على الغذاء، مما أسفر عن استشهاد ما يقرب من 1400 فلسطيني، كما تأزمت الأوضاع بشكل خطير حول مواقع توزيع المساعدات التابعة لـ “GHF”، التي تقع جميعها في مناطق أُعلنت من قبل الجيش الإسرائيلي كمناطق إخلاء، ما يجعل الوصول إليها محفوفاً بالمخاطر.

وأعقب هذا التحول جدل محتدم حول المسؤولية عن هذه الوفيات والإصابات، حيث اتهم صحافيون وشهود عيان فلسطينيون وعاملون في المجال الإنساني الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على المدنيين، بينما أنكرت إسرائيل ومؤسسة غزة الإنسانية هذه الاتهامات وشككت في الأرقام.

لكن التحقيق أكد بشكل قاطع صحة هذه المعطيات، حيث جمعت الصحيفة أدلة متعددة وقاطعة تثبت أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار بشكل متكرر على الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات الغذائية، كما أظهرت مدى تدهور الأوضاع الإنسانية منذ سيطرة “مؤسسة غزة الإنسانية” على التوزيع.

وفي هذا السياق، أوضحت مانيشا جانغولي، مراسلة التحقيقات ورئيسة فريق الطب الشرعي البصري في “الغارديان”، أن “إسرائيل فرضت حصاراً على غزة استمر 11 أسبوعاً عقب إغلاق نظام توزيع المساعدات الأممي، وخلال هذه الفترة، تعرض أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع لحرمان شبه كامل من الغذاء، ما أدى إلى تدهور الأوضاع بشكل كبير”.

كما تشير إلى أن مؤسسة غزة الإنسانية التي تم إنشاؤها خلال الحصار أصبحت الجهة الوحيدة المصرح لها بالعمل داخل القطاع، فيما تم رفض دخول منظمات إغاثة دولية مخضرمة مثل “أوكسفام”، مضيفة أن عمل هذه المؤسسة محصور في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، وهو أمر يخالف المعايير الدولية التي تشترط تقديم المساعدات بشكل مستقل ونزيه مع توفير وصول آمن للمدنيين.

أدلة وشهادات

وتوضح جانغولي أن جميع مواقع توزيع الغذاء التابعة لـ “GHF” تقع في مناطق أعلنتها القوات الإسرائيلية كأماكن للإخلاء، وهو ما يجبر الفلسطينيين على الدخول إلى مناطق خطرة للحصول على المساعدات، بالإضافة إلى وجود تقارير وأدلة مصورة تثبت إطلاق الجيش الإسرائيلي النار على المدنيين قرب أو أثناء توجههم إلى هذه المواقع.

وبخصوص الأدلة التي جمعتها، أوضحت المتحدثة أنها بدأت بمراجعة فيديوهات نشرها فلسطينيون على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر محاولاتهم الوصول إلى الغذاء قرب مواقع “GHF”، حيث يُسمع فيها صوت إطلاق نار بالرشاشات.

وأكد خبير أسلحة للصحيفة أن هذه الأصوات تنتمي إلى رشاشات إسرائيلية، حيث أن رشاشات حماس تُستخدم غالباً في المناسبات ولا تتطابق أنماط إطلاق النار المسموعة.

كما تحدثت جانغولي مع أطباء في مستشفى ناصر بخان يونس ومستشفى ميداني تديره اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذين أبلغوا عن زيادة حادة وغير مسبوقة في عدد الإصابات الناتجة عن الرصاص خلال أيام توزيع الطعام، وقد أكد أحد الجراحين أن جميع المرضى الذين أصيبوا بنيران في هذه الفترة أكدوا تعرضهم لإطلاق نار من القوات الإسرائيلية.

ولتقوية الاستنتاج، طلبت جانغولي صوراً للرصاصات المستخرجة من الجرحى، حيث تبين أن رصاصتين تم تحديد قياساتهما بدقة، إحداهما تتطابق مع عيار الرصاص المستخدم من طرف الجيش الإسرائيلي، والأخرى تطابق أعيرة تستخدمها قوات إسرائيلية، لافتة إلى أن إطلاق النار المسجل كان بالرشاشات وليس بالقنص، ما يدعم، بحسبها، فرضية استهداف الجيش الإسرائيلي.

كما راجعت جانغولي فيديو محدداً يظهر إطلاق النار في محيط مواقع التوزيع ويُرى فيه الرصاص يصيب الأرض قرب المدنيين.

إضافة إلى ذلك، لفت التحقيق إلى شهادة من البروفيسور نيك ماينارد، جراح مستشفى أكسفورد، الذي زار غزة عدة مرات منذ 2010، وحضر إلى مستشفى ناصر أثناء الحرب الحالية، حيث لاحظ استهداف أجزاء معينة من الجسم لأشخاص في أيام محددة، ومنها إصابة أربعة فتيان مراهقين في الخصيتين في ليلة واحدة، ونمط إصابات في الرقبة والرأس والذراعين في أيام أخرى، ما يؤكد وفق التحقيق أن الاستهداف مقصود ومدروس.

نفي وتشكيك بالإحصائيات

بعدما قدّمت جانغولي نتائج التحقيق للجيش الإسرائيلي، أفاد المصدر ذاته بأن جيش الاحتلال “نفى بشكل قاطع استهداف المدنيين والقاصرين عمدًا”، مؤكّدًا “وجود أوامر صارمة تمنع ذلك”، كما اعترف بإطلاق “طلقات تحذيرية”، غير أن خبراء الأسلحة الذين استشارتهم جانغولي أكدوا أن ما جرى لا ينسجم مع هذه التبريرات، خاصة وأن الضحايا كانوا مدنيين يحاولون جمع الطعام.

أما رد “مؤسسة غزة الإنسانية” فكان متشدداً، وفق التحقيق، إذ “اتهمت جانغولي بمساعدة حماس، ووصفت الإحصائيات التي استخدمتها بأنها تطابق إحصائيات وزارة الصحة في غزة ووصفتها بأنها مزيفة ومبالغ فيها، رغم أن تحليلها استند إلى بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة ومقابلات مع أطباء محليين”.