story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

من أيت بوكماز إلى أوربيع.. موجة اجتجاجات متواصلة ضد التهميش في بني ملال

ص ص

يعيش المغرب هذه الأسابيع على وقع موجة جديدة من الاحتجاجات الاجتماعية، تحديدًا في جهة بني ملال خنيفرة، بدأت بمسيرة آيت بوكماز مطلع يوليوز الماضي، وكان آخر صورها مسيرة نظمتها ساكنة أوربيع في اتجاه بني ملال يوم الإثنين الماضي.

وتلفت مطالب احتجاجات أوربيع الانتباه إلى “التهميش والإقصاء” الذي يعانيه حيهم، رغم كونه تابعًا للمجال الحضري، وذلك في سياق ما تعتبره الساكنة “تجاهلًا مستمرًا” لمطالبها من قبل السلطات المحلية والمجالس المنتخبة.

وقد سبقت مسيرة أوربيع مسيرة أخرى لساكنة دواوير “أكودي نلخير”، وقبلها مسيرة “آيت بوكماز” نحو بني ملال، ما يعكس تصاعد موجة الغضب في أقاليم الجهة، في صفوف المواطنين الذين يعانون من التهميش وغياب التجاوب الفعلي مع مطالبهم.

تعبير عن التهميش

وقال أحمد الهايج، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، المكلف بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن هذه الموجة من الاحتجاجات تعبر عن “الإقصاء والتهميش” الذي تعرفه مناطق عدة في المغرب، مشيرًا إلى أن هذا الواقع تفاقم مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة، الناتجة عن الغلاء الفاحش وضعف القدرة الشرائية والتضخم.

ومع الجفاف وشح الموارد المائية أيضًا، تتفاقم معاناة الساكنة، خصوصًا مع محدودية الموارد المتوفرة لديها.

ويرى الهايج أن هذه المناطق، “التي كانت مهمشة بفعل الخيارات السياسية”، أصبحت ساكنتها اليوم تشعر بمزيد من التهميش، بعدما باتت منفتحة على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والهواتف النقالة، والقنوات الفضائية، مما جعلها تدرك حجم الإقصاء الذي تعانيه مقارنة بما يجري حولها، فضلًا عن احتضانها فئة من المتعلمين الذين يعرفون كيف يحتجون ويعبرون عن مطالبهم.

وقال: “هذه المناطق لم تعد قادرة على تحمّل الواقع الذي تعيشه”، وهذا ما دفعها إلى الاحتجاج، مع المحافظة على طابعها السلمي، وفي إطار القانون، من خلال تنظيم مسيرات واعتصامات، والمطالبة بفتح حوار، متوقعًا استمرار هذه التحركات.

وأضاف أن حتى الحواضر “أصبحت خدماتها الاجتماعية في وضعية سيئة جدًا، ولم تعد تتيح الولوج إليها كما كان في الماضي”، بما في ذلك المستشفيات والمدارس التي “أصبحت في حالة يُرثى لها”.

وتساءل: “فما بالك بهذه المناطق التي نتحدث فيها عن غياب الضروريات، وإن وُجدت، فهي إما معطلة أو في حالة كارثية”، سواء تعلق الأمر بالمستوصفات أو الطرق الصالحة للاستعمال، “كما أن شركات الماء والكهرباء غير موجودة فعليًا”.

وأبرز الرئيس الأسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن هذه الاحتجاجات تؤكد أن وعود الحكومة وإنجازاتها “مجرد كلام”، مشيرًا إلى أن المغرب يسير في “اتجاه غير محدد”، وهو ما اعتبره “أزمة حقيقية ومركبة، بين ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي”.

وأمام هذا الواقع، لا يبدو أن الدولة تقدم “أي حلول حقيقية أو حتى رؤية استشرافية واضحة لتحسين أوضاع المناطق المهمشة وتنميتها، أو لتحسين أوضاع المواطنين بصفة عامة”، يقول الهايج.

تجاهل حكومي

ويشير إلى أن الحكومة تتجاهل هذه الاحتجاجات، رغم استمرارها، موضحًا أن ذلك يعود إلى كونها “لم تأت من الشعب، ولا تعبّر عن إرادته أو طموحاته”.

ويرى الهايج أن ما وصفها بـ”اللعبة السياسية” في المغرب تُدار في مستويات أعلى، “وقد يتم اصطناعها من خلال تقديم حزب وتأخير آخر، فنلعب لعبة المعارضة والأغلبية”، في حين أن السياسات الكبرى، يضيف، “تُرسم في غرف مغلقة، وبعيدة عن هموم ومشاكل المواطنين”.

ولفت إلى أن عددًا من الوجوه الحكومية اليوم منشغلون بتنمية ثرواتها، ولا يهمهم ما يجري في هذه المنطقة أو تلك، بينما “يُترك الجواب على المشاكل للقائد أو العامل، مع الاستعانة بالعصا لإسكات الاحتجاجات، كما حدث في تجربة الريف أو جرادة”.

وشدد الهايج على أن الحكومة، ولا حتى البرلمان الذي أتى بها، “لا يُعبرون عن هموم المواطنين، وهم يعرفون أنه لا يوجد من يحاسبهم. وأصبح الفساد شيئًا طبيعيًا بالنسبة إليهم”.

وأشار إلى أن هذا الواقع “يُبيّن أننا لسنا أمام حكومة مسؤولة ومنتخبة فعليًا وخاضعة للرقابة الشعبية، ولا حكومة تُساءل عن السياسات التي تقوم بها”. وأوضح أنه توجد حكومة في الواجهة، بينما من يُدبر السياسات الفعلية والاختيارات الكبرى للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد “يوجد في موقع آخر، محصن من المساءلة”.

تفاوتات مجالية واجتماعية

وفي خطابه الأخير، قال الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى 26 لعيد العرش، إنه “لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين”. وأضاف أنه بعد الإنجازات التي حققها المغرب طيلة السنوات الماضية “يبقى هدفنا أن تشمل ثمار التنمية كل المواطنين في جميع المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء”.

وتابع الملك أنه لهذه الغاية “وجّهنا الحكومة إلى إعداد جيل جديد من التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية”.

في هذا السياق، يقول أحمد الهايج إن المغرب “لا يسير بسرعتين فقط، بل بعدة سرعات”.

وأوضح أنه بالإضافة إلى السرعتين المتعلقتين بالتفاوتات المجالية والمناطقية، “هناك سرعة أخرى تتعلق بالطبقات الاجتماعية”، مشيرًا إلى أنها “تتسع باستمرار”.

وقال إن هناك فئة قليلة محظوظة تزداد ازدهارًا وتطورًا، بينما تعاني الفئة الكبرى من المواطنين. وأضاف أن “القاعدى السفلى من هذه الفئة لا تستطيع حتى تأمين وجبة غذاء يومية”.

ويرى الهايج أن هذه التفاوتات “مسؤولة عنها سياسات الدولة واختياراتها”، إذ إنها “تسمح بجذب الاستثمارات أو إطلاق التنمية، وغالبًا ما تُوجَّه في اتجاه مناطق معروفة بالاستقرار الاقتصادي”.

وأكد أن السرعتين في الجانب المجالي تقابلهما سرعات أخرى على مستوى التفاوتات الاجتماعية، مشيرًا إلى أنها “تُبيّن غياب رؤية تضع في صلب أهدافها الإنسان المغربي أينما كان، وليس فقط في الحواضر والمراكز الاقتصادية والعمرانية”.