إقرار وزاري يثير غضب متصرفين تربويين بسبب “إقصائهم” من الترقية

أثار اعتراف رسمي صادر عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بوجود ما وصف بـ”انحراف خطير” عن القوانين المنظمة للترقية بالاختيار، موجة غضب عارمة في صفوف المتصرفين التربويين، بعدما أقر الجواب البرلماني بـ”إقصاء عدد كبير من أطر هذا الجسم الإداري من حقهم في الترقية برسم سنوات 2021 و2022 و2023″.
وأقر وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة في جواب كتابي عن سؤال للمستشار البرلماني خالد السطي عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، (أقر) بأن ترقية المتصرفين التربويين في الدرجة عن طريق الاختيار طرحت عدة إشكالات تنظيمية بين فئتين من أطر الإدارة التربوية.
وأضاف أن ولوج إطار المتصرف التربوي تم فتحه أمام فئتين اثنتين، الأولى تتعلق بخريجي سلك تكوين أطر الإدارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والثانية تهم أطر الإدارة التربوية الذين تم إدماجهم بناءً على المادة 5 من المرسوم الخاص بالنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.
وفي هذا السياق، اعتبر التنسيق الوطني للمتصرفين التربويين ضحايا الترقيات في بيان له، إن إقرار الوزارة بأن اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء “ارتأت” تقسيم المناصب المالية المخصصة للترقية إلى فئتين، “يستند على معيار تمييزي دون أي أساس قانوني أو تنظيمي”، ملفتا إلى أن “هذا الإجراء فيه خرق سافر للمبدأ الدستوري القائم على المساواة بين الموظفين، وانحراف عن الدور الاستشاري للجنة، الذي تحول إلى قرار تنفيذي جائر حرم العديد من المستحقين من الترقية”.
“جواب صادم“
وفي السياق، أكد زهير العمراني، عضو القيادة الجماعية للتنسيق الوطني للمتصرفين التربويين ضحايا الترقيات، أن جواب وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، كان “صادمًا بكل المقاييس”، لما تضمّنه من “اعتراف ضمني بالخروقات التي شابت ترقية المتصرفين التربويين في السنوات الأخيرة”.
وأوضح العمراني، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”, أن مضمون الجواب الوزاري مثّل “تأكيدًا رسميًا لما ظل المتضررون ينادون به، من أن عملية الترقية طالتها اختلالات جسيمة ومخالفة صريحة للقانون”، مشيرًا إلى أن الوزارة واللجان الثنائية وبعض النقابات تتحمل المسؤولية، من خلال الصمت أو التواطؤ غير المباشر، “إذ لولا الضوء الأخضر الذي منحته بعض النقابات، لما أقدمت الوزارة على تنفيذ هذه الإجراءات التي وصفها بـ”التمييزيّة”.
وأضاف أن هذا السلوك هو ما شجع الوزارة على تكرار نفس “الخروقات” في ترقيات سنتي 2022 و2023، بعد تمريرها لأول مرة سنة 2021، معتبراً أن ما حدث يعد “سابقة خطيرة تهدد نُزاهة المنظومة التربوية برمتها”.
وفي هذا السياق، أعلن العمراني أن التنسيق الوطني ماضٍ بثبات في معركته النضالية حتى انتزاع كافة الحقوق المشروعة للمتصرفين التربويين، وعلى رأسها، ترقية استثنائية تعوّض الضرر الحاصل عن الإقصاء من الترقية خلال سنوات 2021 و2022 و2023، مع التأكيد على ضرورة احترام العتبة الدنيا في كل سنة.
وشدد على ضرورة منح ثلاث سنوات اعتبارية لهذه الفئة، أسوةً بفئات أخرى داخل القطاع استفادت من هذا الإجراء سابقًا، واسترجاع المبالغ المالية المقتطعة من رواتب المتصرفين بعد إدماجهم في الإطار، والتي تم اقتطاعها دون وجه حق، سواء في ظل النظام الأساسي القديم أو في النظام الجديد، مطالبًا بتفعيل المادة 89 من النظام الأساسي الجديد لضمان إرجاع هذه المستحقات المغتصبة.
وشدّد المتحدث على أن هذه المطالب لا ترتبط بأي امتيازات، بل هي حقوق قانونية مشروعة، تم تثبيتها بالحُجّة القانونية والقضائية، مضيفًا أن “المعركة لم تكن عفوية أو ظرفية، بل انطلقت منذ فترة طويلة، وشملت محطات نضالية متعددة، من وقفات احتجاجية وصياغة بيانات استنكارية، إلى طرق أبواب الأحزاب السياسية، والفرق البرلمانية، والنقابات، ومجلس المستشارين، ومؤسسة الوسيط”.
وأشار إلى أن أبرز محطات هذا المسار النضالي كانت اللجوء إلى المحاكم الإدارية، والتي أنصفت المتضررين في عدة ملفات، وأصدرت أحكامًا نهائية ابتدائية واستئنافية تؤكد سلامة دفوعاتهم، وتعزز شرعية مطالبهم، مؤكدًا أن هذه الأحكام أضفت قوة قانونية متينة على الملف.
وفي غضون ذلك، أدان البيان ما وصفه بـ”الخروقات القانونية” التي ارتكبتها الوزارة، وعلى رأسها تجاهل مقتضيات النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية والمذكرات الوزارية المنظمة للترقية خلال السنوات المعنية. وحمل التنسيق الوزارة المسؤولية الكاملة عن هذا الإقصاء الممنهج، الذي اعتمد على معايير غير مشروعة تضرب في العمق مبدأي الاستحقاق وتكافؤ الفرص.
ونادى التنسيق بضرورة جبر الضرر الذي لحق بالمتصرفين التربويين من خلال إقرار ترقية استثنائية فورية لجميع الضحايا، بأثر مالي وإداري رجعي، ومنح ثلاث سنوات اعتبارية للمتصرفين التربويين الذين كانوا يزاولون مهامهم بالإسناد سابقا، تعويضا عن “قرصنة أقدميتهم”، داعيا إلى إرجاع كافة المبالغ المالية المقتطعة من أجور المتضررين بشكل غير قانوني، وتطبيق الأحكام القضائية النهائية الصادرة عن المحاكم الإدارية لصالحهم.
وحمل البيان النقابات التعليمية مسؤولية ما وصفه بـ “الصمت المريب” إزاء هذه القضية، مطالبا إياها بموقف واضح وصريح خلال الاجتماع المرتقب مع الوزير في الأول من غشت 2025.
ودعا التنسيق الوطني جميع المتضررين إلى التعبئة الشاملة للانخراط في الأشكال الاحتجاجية التصعيدية التي سيتم تنظيمها في شهر شتنبر المقبل، مؤكدا أن معركة الإنصاف ستستمر بكل الوسائل القانونية والنضالية المتاحة حتى استرداد كافة الحقوق، لأن العدالة الإدارية لا تسقط بالتقادم.
الترقي بين الفئتين
وأقر وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، بأن ترقية المتصرفين التربويين في الدرجة عن طريق الاختيار طرحت عدة إشكالات تنظيمية بين فئتين من أطر الإدارة التربوية.
وجاء هذا الإقرار في جواب مكتوب وجّهه الوزير إلى المستشار البرلماني خالد السطي عن الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، بخصوص مآل ترقية هذه الفئة، موضحًا أن ولوج إطار المتصرف التربوي تم فتحه أمام فئتين اثنتين، الأولى تتعلق بخريجي سلك تكوين أطر الإدارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والثانية تهم أطر الإدارة التربوية الذين تم إدماجهم بناءً على المادة 5 من المرسوم الخاص بالنظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.
وفي ما يخص عملية الترقية عن طريق الاختيار، والتي تم تنظيمها لأول مرة سنة 2021، أشار الوزير إلى أن اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة ناقشت هذا الملف بكافة عناصره، وقررت تقسيم إمكانيات الترقي بين الفئتين المعنيتين، بهدف إحداث نوع من التوازن، وهو التوجه الذي تم اعتماده أيضًا في سنتي 2022 و2023.
وأكد الوزير أنه ابتداءً من سنة 2024، ستخضع الترقية في الدرجة عن طريق الاختيار إلى المعايير المنصوص عليها في المادة 53 من المرسوم رقم 2.24.140 الصادر بتاريخ 23 فبراير 2024، مضيفًا أن هذه المعايير سيتم تفعيلها عبر مشروع قرار تنظيمي يتضمن نماذج بطاقات التنقيط واستمارات وتقارير التقييم، وكذا الشبكات المعتمدة لتحديد مؤشرات وعناصر تقييم الأداء المهني.
وختم الوزير تصريحه بالتأكيد على أن إعداد هذا المشروع سيتم في إطار مقاربة تشاركية بين الوزارة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية.