story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

لقجع.. صانع “النهضة” !

ص ص

في البداية، كان مجرد شاب من أبناء الهامش، يراقب مباريات فريق مدينته من مدرجات ترابية، ويحلم بعودته إلى زمن المجد الذي عاشه عابراًً في الثمانينات.

لم يكن يملك غير شهادة جامعية في الزراعة، ووظيفة متوسطة في دهاليز المالية، وبعض الحنين إلى ألوان “الحمري”، لكن الحلم كبر بسرعة، وكأن الكرة نفسها تآمرت مع الأقدار لتفتح أمامه أبواب التأثير والنفوذ، ليس فقط داخل أسوار نادي نهضة بركان، بل على امتداد المشهد الرياضي والمالي والسياسي في البلاد، ومنه إلى قاعات القرار القاري والدولي.

هذا ليس بروفايلا عاديا لرجل رياضة صعد من مدرجات الهواة إلى كواليس الفيفا، بل محاولة لفهم صعود مركّّب، تداخلت فيه العاطفة الشخصية مع الذكاء المالي، والدينامية المحلية مع الرهانات الدولية.

فوزي لقجع، الموظف القادم من باحة مقهى في بركان، تحوّّل إلى أحد أقوى الوجوه في مشهد السلطة المغربية الجديدة. صنع ناديا على مقاسه، وهيكل جامعة على إيقاعه، ودشّّن مرحلة جديدة من “الدبلوماسية الكروية” لم يكن أحد ليتخيلها قبل سنوات.

نستعرض في هذا البروفايل مسار رجل جمع بين البساطة والصرامة، بين الأرقام والعشب، بين ميزانية الدولة وميزانية النادي. رجلٌٌ لا ينام إلا وقد وقّّع على قرار، أو صادق على صفقة، أو راجع تقريرا فنيا، أو تابع مباراة لأشبال “المستديرة”.

فهل نحن أمام “رجل الدولة الجديد”؟ أم نموذج مكرّّر لأندية السلطة التي تعيد إنتاج نفسها بلغة الاحتراف؟ هل هو قصة نجاح فردي، أم فصل من فصول النفوذ المتصاعد لما يُُسمى “البرج الجديد” في هندسة الحكم؟

البداية بطموحات بسيطة

في نهاية العقد الأول من الألفية الحالية، كان من عادة أعضاء المكتب المسير لفريق نهضة بركان وبعض محبيه الأوفياء، أن يتحلقوا بشكل أسبوعي في باحة إحدى مقاهي المدينة حول رئيسهم فوزي لقجع الإطار الشاب القادم من الرباط، وهو يحدثهم مدخنا بشراهة عن طموحاته وأحلامه ومشاريعه في المنصب الذي اختاروه له، وكلفوه بمسؤوليته، بعدما لمسوا فيه عشقه اللامتناهي للنهضة، من خلال تتبعه اليومي لأحوالها رغم بعد المسافة عن العاصمة حيث يقطن.

حديثه في حلقيات المقهى عن تعشيب الملعب البلدي ذو أرضية “الحمري، وعن المداخيل المالية القارة للفريق، وعن حلم الصعود للقسم الأول ومنافسة الأندية المغربية التقليدية على الألقاب، كانت تبدو من خلال صمتهم عن التعقيب وعيونهم المشككة، أنها مجرد حماسة شاب مفرط في التفاؤل، ولم يكن أحد فيهم يتوقع أن طموحات موظف وزارة المالية في إعادة التوهج العابر لنهضة بركان خلال فترة الثمانينات ستتحقق سريعا، وستكبر الطموحات البسيطة لتتحول إلى مشروعٍ لناد محترف ومهيكل على طريقة الأندية العريقة في أوربا.

الأمر لن يقف هنا، وبل وسيكون فريق المدينة الأم هو النافذة التي ستفتح لفوزي لقجع أفقا وطنيا شاسعا في أن تلتقطه عيون السلطة في البلاد لتكلفه بالملف “السيادي” للرياضة الشعبية الأولى، عبر ترؤس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ، وإحداث ثورة إصلاحات فيها على جميع المستويات..

مجالسو الشاب فوزي في مقاهي بركان لم يتوقعوا أيضا أن مسؤولية فريق مغمور في أقسام الهواة ستنتهي به إلى اعتلاء مناصب نافذة في الأجهزة الكروية القارية والعالمية، وأيضا إلى تكليفه من طرف الدولة المغربية لقيادة دبلوماسية رياضية ناعمة في إفريقيا تظهر آثارها في كل مناسبة وحين على أجندات المغرب الخارجية في العديد من القضايا والملفات الحساسة.

طفل بركاني

بيت”السي لقجع” المعلم المعروف في مدرسة المسيرة، والواقع بحي بايون بمدينة بركان، كان يعيش في مساء 23 من شهر يوليوز من عام 1970 حدث ازدياد الإبن الأصغر فوزي من ضمن أربعة ذكور شكلوا أسرة بسيطة يسهر عليها أب ينحذر من قرية تزاغين زكزل، وأم ربة بيت تذهب أصولها إلى قرية تافوغالت الجبلية القريبة من بركان.

سار فوزي على خطى إخوته في التفوق الدراسي والحصول على نقاط عالية في مسارهم، فإثنان منهم تابعا دراستهما وحصلا على شهادات عليا في العاصمة الفرنسية باريس داخل جامعتي السوربون ودوفين. أما الأخ الثالث فهو حاصل على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة محمد الخامس بالرباط.. البيئة المحفزة على الدراسة جعلت فوزي ينال شهادة الباكالويا علوم تجريبية بتفوق من ثانوية أبي الخير ببركان سنة 1988.

هذا الإهتمام الدراسي لم يمنع فوزي لقجع طيلة سنوات طفولته في أن يعشق كرة القدم وعوالمها الجذابة.. يقول الإعلامي مصطفى برجال إبن مدينة بركان لمجلة “لسان المغرب” عن هذه الفترة من حياة لقجع:” القليل من يعرف أن فوزي لقجع كان في طفولته شغوفا بكرة القدم، وأكثر من ذلك مارسها، وكان لاعبا في صفوف الفئات العمرية لفريق النهضة البركانية، وكان من الممكن أن يصنع له اسما في عالم الكرة كلاعب، بأن يضمن مستقبله عن طريق ممارستها، وفي الوقت الذي كان العديد من مجايليه الشباب يتركون الدراسة من أجل الكرة، وإن على مستويات أدنى، تحت شعار “إلى ماجابها القلم يجيبها القدم”، كان لفوزي رأي آخر، قاوم جاذبية المستديرة، وتفرغ للتحصيل العلمي والدراسي ونجح فيه”.

أما لحسن مرزاق، رئيس فضاء المولودية للثقافة والرياضة، وصديق لقجع فيقول عنه: “كلا، لم يمارس الكرة بالمعنى المتعارف عليه وهو الانتماء ثم المرور بالفئات السنية وهكذا.. ولكنه ظل يعشق النهضة البركانية، ويشجعها، ويساعدها، وكذلك الشأن مع المولودية الوجدية التي عشقها. وشجعها في بداياته”.

الرباط بيئة الطموح

بقاء شاب متفوق في المسار الدراسي داخل مدينة هامشية كان يهدد باغتيال طموحات فوزي لقجع في الحصول على منصب مهني يرتقي به اجتماعيا مثل إخوته الثلاثة، فكان عليه أن “ينزل” إلى العاصمة الرباط ليحصل على دبلوم مهندس فلاحي من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة. كما سيحصل بعدها على دبلوم المدرسة الوطنية للإدارة بالدار البيضاء. مما سيؤهله، لاحقا، للعودة الى الرباط للإشتغال في المفتشية العامة لوزارة المالية، ثم الإنتقال لشغل منصب رئيس شعبة المجالات الإدارية سنة 2000 لمدة ثلاث سنوات، وبعدها منصب مدير ميزانية الدولة التابعة لوزارة المالية بعد أن قضى سبع سنوات في قسم الزراعة والمقاصة. واستمر في الوزارة المذكورة، حتى عين في يناير 2010 مديرا لميزانية الدولة التابعة لوزارة المالية، إضافة إلى شغله منصب رئيس الجمعية الوطنية لمفتشي المالية.

الطموح المهني لفوزي لقجع لم يكن ليحقق كل هذا النجاح السريع في الرباط، لولا وجود شخص نافذ من عائلته القريبة وهو خاله عمر لهبيل، المسؤول المركزي في شركة “سوجيطا” الفلاحية، والذي يقول مصدر ل”لسان المغرب” رفض الكشف عن هويته، أنه كان أول من فتح لإبن شقيقته الباب نحو كل المناصب المهمة التي تولاها فوزي في وزارتي الفلاحة والمالية، ومنحته الفرصة ليظهر فيها كفاءته المهنية في تدبير كل المسؤوليات التي تم تكليفه بها.

نجاحات فوزي لقجع المهنية، وكفاءته التدبيرية، جعلت منه بروفايلا مناسبا تبحث عنه دوائر القرار في أعلى هرم الدولة، وهكذا وفي أكتوبر 2021 عيّنه الملك محمد السادس وزيرا منتدبا لدى وزيرة الاقتصاد والمالية مكلفا بالميزانية بالنظر لخبرته الطويلة في مديريتها وتمرسه في عالم الأرقام ونصيب القطاعات وتعقيدات ميدان لا يتقن فك طلاسمه إلا القلة القليلة من المسؤولين.

عشق نهضة بركان

رغم أن فوزي لقجع رحل لدواع دراسية ومهنية إلى الإقامة في الرباط، فهو لم ينس فريق مدينته الأم الذي مارس في فئاته الصغرى وكان يحلم يوما أن يصبح لاعبا في صفوفه. إذ ظل يتعقب أخباره ونتائجه ويستغل أي فرصة للسفر الى المدن القريبة من الرباط التي كان تأتي إليها النهضة ليتابع مبارياتها من المدرجات.

يحكي الإعلامي مصطفى برجال واقعة مثيرة حدثت لفوزي لقجع في تلك الفترة: “عندما كان الفريق يمارس بالقسم الوطني الثالث بداية هذا القرن، كان لقجع يحضر خفية لمتابعة مباريات الفريق نواحي فاس ومكناس والرباط، عندما كان لقجع موظفا بوزارة المالية، ولم يكتشفوا أمره إلا بعد تدخله لدى مصالح الدرك الملكي بمنطقة هامشية، ذات ليلة بعد نهاية “دموية” لإحدى المباريات انتهت بهم في مخفر الدرك من أجل إنجاز محاضر استماع لبعض أفراد الفريق، حيث تفاجأ اللاعبون بشاب مؤازر لهم، قدم نفسه لهم بأنه من أصول بركانية، ويقطن بالرباط” ..

وأضاف برجال: “وفي مباراة للنهضة البركانية ضد وداد صفرو بالبهاليل حضر فوزي لقجع رفقة الحارس الدولي السابق عبد القادر البرازي رحمه الله، وبادر هذا الأخير إلى تقديمه للاعبي الفريق كواحد من أبناء بركان المقيمين بالرباط، كل هذا حدث خلال موسم 2001/ 2002، ومن ثم انطلق دعمه للفريق وتشجيعه له، وكان يرافق الفريق في كل تنقلاته، وأول منحة قدمها لقجع للاعبي الفريق قدرت بـ300 درهم لكل فرد من أفراد النهضة، وفي المباريات الأخيرة من ذلك الموسم، كان يتكلف بمصاريف التنقل كما أنه أهدى للاعبي الفريق بذلة رياضية كاملة، وتلك الصورة الشهيرة لفوزي لقجع مع فريق النهضة على ملعب بأرضية متربة (الحمري)، كانت ببنسودة باسم الجولة الأخيرة من بطولة ذلك الموسم، حيث كان الفريق قد ضمن سلفا تأهله للعب مقابلات السد، وفي مباراتي السد ضد اتحاد تواركة، لقجع هو الذي أشرف على الفريق تقنيا، رغم حضور المدرب محمد كريمي، ليحقق رفقة الفريق الصعود للقسم الوطني الثاني، منذ ذلك الوقت الذي كان لقجع يبلغ فيه من العمر 31 سنة فقط، وكان مجرد موظف بسيط بوزارة المالية، وهو بجانب الفريق سواء داخل التسيير أو خارجه، ولم يبخل بدعمه المادي والمعنوي للفريق بغض النظر عمن كان يترأسه”.

الرئاسة وبداية المشروع

في عام 2009، وفي خضم بحث محبي نهضة بركان عمن يأخذ بيد الفريق الذي تخلى عنه الجميع، حتى كاد أن ينزل إلى الأقسام الشرفية، طلع ذلك الشاب الطموح الموظف في وزارة المالية بالرباط، ليتطوع لمهمة رئاسة النادي واختيار من سيساعده في حلم إعادة نهضة بوسحابة والعمراوي والإخوة البرازي في الثمانينات.

وكان أول ما قام به هو “تطهير محيط الفريق من المسيرين الفاشلين واستقطاب مجموعة من شباب المدينة ذوي الكفاءة في مجالات مختلفة لتكوينهم لينوبوا عنه أثناء غيابه ” يقول مصدر مقرب من النادي ل”لسان المغرب”. كان تخصص فوزي لقجع في الأرقام والميزانيات والتدبير الإداري دور حاسم في انطلاق مشروع إعادة الفريق إلى الأضواء، حيث توجه إلى استقطاب دعم مؤسسات الإقليم وأيضا أبناء المدينة الميسورين في المغرب والخارج، واعتمد الصرامة في التدبير المالي للميزانية السنوية للفريق، والحكامة في النفقات وموازنتها مع المداخيل.

بعد ثلاث مواسم فقط، انتشل لقجع ومساعدوه الفريق من غياهب أقسام الهواة وأوصلوه إلى مقارعة كبار الأندية الوطنية ابتداء من موسم 2012-2013، الذي أنهاه سابعا. وقد أصبح النادي يتوفر على قاعدة صلبة للإنطلاق في مشروع احترافي منتج، كان أهم ما تم القيام به في هذه “الفترة التأسيسية” هو التوفر على ملعب بمواصفات عصرية بعد إصلاح جذري للملعب البلدي، وبناء مقر حديث وهيكلة جديدة للإدارة، وانتهاءا ببناء مركز تكوين خاص واستقطاب أطر على درجة عالية من الكفاءة.

الصعود السريع لنهضة بركان من أقسام الهواة إلى قسم الأضواء، وتحوله من حالة الفقر والخصاص إلى الإستقرار المالي والتوفر على بنية تحتية خاصة، لازال محل نقاش إلى اليوم.. فبينما يرى البعض أن يدا سلطوية ما دفعت إلى إحياء نهضة بركان وتمكينه من دعم عمومي مبالغ فيه، ومن “دوباج سري” على جميع المستويات تم حقنه به ليصبح على ما هو عليه، يرى البعض الآخر أن هذه المزاعم لا أساس لها من الواقع، مفسرين الطفرة التي حدثت في مسار نهضة بركان كانت بفضل كفاءة فوزي لقجع التدبيرية وشغفه بفريق مدينته الأم.

حيث يرى الباحث المغربي في السياسات الرياضية الدكتور منصف اليازغي أن “نموذج نهضة بركان متفرّد لا يمكن إسقاطه على أي تجربة أخرى”، مضيفا أن: “لقجع بدأ مع الفريق من الهواة، وهناك صور في ملاعب تُرابية تثبت ذلك عندما كان موظفا عاديا في وزارة المالية، وكان له علاقة وطيدة مع الفريق، وشيء عادٍ أن يكون لأي منا ارتباط بفريق مسقط رأسه، ويساعده بشكل أو بآخر”.

لقجع واتهامات استغلال النفوذ

كان نجاح نهضة بركان في الفوز بلقب البطولة الوطنية لأول مرة في تاريخه خلال الموسم الحالي، وإضافته إلى سجل إنجازاته الكبيرة التي نجح في تحقيقها منذ سنة 2018، بمثابة الوصول إلى قمة الأهداف التي سعى إليها مشروع فوزي لقجع الذي انطلق في عام 2009، حيث كانت البداية بلقب كأس العرش في 2018 والذي حققه مرتين بعدها في 2021 و2022 وكان مفتاح دخوله للبطولات القارية عبر بوابة كأس الكونفيدرالية الأفريقية التي توج فيها بثلاثة ألقاب سنوات 2020 و2022 و2025، وعادل الرقم القياسي الإفريقي الذي كان في حوزة النادي الصفاقسي التونسي، بينما خسر المباراة النهائية في 2019 ثم 2024 ضد الزمالك المصري.

هذه الإنجازات والألقاب بقدر ما يراها الكثيرون ثمرة مشروع احترافي جاد، وتخطيط على المدى الطويل، بقدر ما يرى آخرون أن نهضة بركان وألقابها ليست سوى تكرار لنموذج أندية السلطة الشهيرة في فترة حكم الملك الحسن الثاني التي انتهت قوتها بذهاب الوجوه القوية التي كانت على رأسها، ويعتقدون أنه لولا وجود نفوذ فوزي لقجع في دواليب الدولة، و”سيطرته على جهاز التحكيم”، وجلب أموال دعم “غامضة” لفريقه، وإضعاف الأندية المنافسة، لما حققت نهضة بركان شيئا.

عضو بالمكتب المسير لنهضة بركان رفض الكشف عن هويته، يرد على هذه الإتهامات ل”لسان المغرب” متسائلا: “أين كان هؤلاء عندما كانت أنديتهم تفوز بالألقاب، وتتمتع بأموال مشبوهة تخصصها لتعاقدات بأجور خيالية؟”. ويضيف:”نهضة بركان تجني ثمار مشروعها الذي انطلق قبل 15 سنة، والطريقة الإحترافية التي نسير بها النادي، ومنتوجنا الكروي المهيكل هو الذي يجلب لنا عقود الرعاية والإشهار بالإضافة إلى مساهمات الأثرياء من أبناء مدينة بركان في الخارج، أما أموال الدعم العمومي فكل الأندية في المغرب تستفيذ منها وليست نهضة بركان لوحدها”.. ويختم نفس المصدر حديثه قائلا: ” لو كانت نهضة بركان تستغل الوضع الإعتباري لفوزي لقجع في الدولة، لما بقيت عشر سنوات منذ توليه رئاسة الجامعة، حتى تفوز بأول لقب للبطولة في تاريخها”.

رئاسة جامعة كرة القدم

كان مقررا أن يدخل فوزي لقجع إلى الجامعة الملكية لكرة القدم عضوا في لجنة الهواة، باسم فريقه نهضة بركان على عهد الرئيس على الفاسي الفهري غير أن رفضه لمنصب هامشي أجل ذلك الدخول، هذا التأجيل لم يكن سوى مقدمة لمسار مختلف، حيث سيُنتخب في سنة 2013 رئيسًا للجامعة، مطلقًا بذلك فصلًا جديدًا في مسيرته، سيكون نقطة التحول في تاريخ كرة القدم الوطنية.

هناك شبه إجماع بأن كرة القدم المغربية شهدت على عهده قفزة نوعية سواء تعلق الأمر بتدبيرها، أو بمأسستها أو بتعزيز بنياتها وتحقيق نوع من النضج المؤسساتي الذي كانت تفتقر إليه. صحيح أن بوادر الإصلاح بدأت في عهد الفاسي الفهري، غير أن فوزي لقجع هو من أعطى لهذه المشاريع دفعة قوية ووتيرة أسرع، ليحوّل الجامعة إلى مؤسسة حديثة تواكب التحديات الرياضية محليًا وقاريًا.

هو رجل التفاصيل بامتياز، يقول عنه الإعلامي مصطفى برجال: “هذا الرجل يعشق عمله بقوة وشغف. ومن يعرفونه في الرباط يؤكدون لك ذلك. تجده في مكتبه بوزارة المالية حتى وقت متأخر، ومنه يلتحق مباشرة بمكتبه بمركب محمد السادس بالمعمورة ليواصل متابعة شؤون المستديرة، ولا ينتهي الأمر عند ذلك الحد، بل يواصل متابعته لكل صغيرة وكبيرة لها علاقة بكرة القدم ولا ينسى أسرته فهو مرضي الوالدين، ولا العمل الاجتماعي الذي يفضل أن يكون في سرية تامة وبعيدا عن الأضواء”.

نتائج المنتخب الوطني الأول لكرة القدم ساعدت بدورها في تسريع وتيرة العمل على عهد لقجع في رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فتحقيق المنتخبات الوطنية للكثير من الألقاب والإنجازات والصورة المبهرة التي إصبح عليها إسم المغرب كرويا على المستوى القاري والعالمي، تعزز مكانة الرجل، وتدفع السلطات العليا إلى تجديد الثقة فيه، وتكلفه بملفات أكبر لها علاقة بكرة القدم وبديبلوماسيتها الناعمة.

بملامحه الصارمة وقصة شعره العسكرية ونظارته الدقيقة، يُعطي لقجع انطباعا بأنه “رجل المختبرات” الذي يحرص على التدقيق في كل شيء، فيما يوحي جسمه الرياضي – رغم ما تُخفيه ملامح الجلوس الطويل في المكاتب – بشخص لا يكلّ ولا يملّ من العمل. يتحدث بطلاقة بالعربية والفرنسية، ولا يتردد في استخدام عبارات حادة حين يتطلب الأمر وضوحًا مباشرًا.

يقول فوزي لقجع في العديد من تصريحاته الإعلامية إن: “كرة القدم هي شغف شخصي أستريح فيه من ضغوطات عملي في وزارة المالية”.. لكن رغم هذه النجاحات الكبيرة التي يحققها في مشروع هيكلة كرة القدم المغربية، فهناك ملفات داخلها لازالت مستعصية على الإصلاح والتي يتلقى لقجع بسببها الكثير من الإنتقادات، وأبرزها ورش هيكلة الأندية الوطنية، حيث يشير الكثير من خصوم رئيس الجامعة إلى عدم إيلاء أهمية كبيرة لتحويل هذه الأندية إلى شركات رياضية، وإلى الرفع من مستوى البطولة الوطنية، وتوجهه إلى “تزويق الواجهة بالعناية بالمنتخبات الوطنية التي يترأس لجنتها رغم أنه رجل إدارة وليس تقنيا حتى يتولى المهمة التي يزاولها بكثير من الغموض والإستفراد بالقرارات” يقول إطار وطني درب سابقا العديد من الأندية المغربية ل”لسان المغرب”.

الكاف والفيفا

شكل انتخاب فوزي لقجع في 16 مارس 2017 لعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي لكرة القدم لحظة فارقة في إعادة تموقع المغرب داخل هياكل القرار الكروي القاري. لم يكن فوز لقجع في الجمعية العمومية المنعقدة في أديس أبابا مجرد مكسب انتخابي عابر، بل كان تجليًا لتحول أعمق في مقاربة المغرب لعلاقته بالكاف، من موقع المراقب والمهمش إلى فاعل مركزي يصوغ السياسات ويشارك في توجيه مسارات الإصلاح.

انتصاره الساحق على محمد روراوة، أحد أقدم رموز الكاف، بـ41 صوتًا مقابل 7 فقط، لم يكن ليتحقق لولا مسار دبلوماسي مكثف انطلق قبل فترة من التصويت، وارتكز على استثمار المغرب في علاقاته الثنائية مع الاتحادات الوطنية الإفريقية، فضلًا عن تقديم لقجع كرجل دولة بخلفية مالية وإدارية قوية، قادر على تجديد روح المؤسسة الإفريقية وتحريرها من إرث البيروقراطية التي طبعها خلال فترة عيسى حياتو.

هذا التحول جاء أيضًا في سياق سياسي رياضي أوسع، تجلى في إزاحة حياتو من رئاسة الكاف بعد 29 سنة من التحكم شبه المطلق، وصعود الملغاشي أحمد أحمد، بدعم مغربي قوي، في لحظة اختار فيها المغرب أن يمر من منطق الشكوى إلى منطق التأثير. وقد كان لقجع أحد أبرز أدوات هذا التحول، ليس فقط بمنصبه التنفيذي، بل أيضًا عبر ترؤسه لاحقًا للجنتين استراتيجيتين داخل الكاف: اللجنة المالية ولجنة الأندية والمسابقات، وهو ما مكنه من النفاذ إلى قلب آلة الإنتاج التنظيمي والمالي، وإعادة ضبط أولويات الكاف وفق مقاربة إصلاحية تعيد الاعتبار للنجاعة والشفافية.

نجاح لقجع في فرض اسمه داخل الكاف مهّد الطريق أمامه للولوج إلى الفيفا، حيث أصبح عضوًا في مجلسها التنفيذي، في موقع لم يكن من الممكن تصوره قبل سنوات قليلة. هذا الصعود التدريجي والمتزن يعكس ليس فقط طموح الرجل، بل أيضًا استثمارًا سياسيًا مدروسًا من الدولة المغربية في قطاع كرة القدم كأداة استراتيجية للتموقع الدولي، وامتداد ناعم للنفوذ الدبلوماسي خارج إطاره الكلاسيكي.

فوزي لقجع، في النهاية، ليس مجرد تقني أو إداري في مؤسسة رياضية، بل نموذج لنسخة جديدة من رجال الدولة الذين يتقاطع في مسارهم الشخصي، الجانب الرياضي مع المالي، والدبلوماسي، في أفق مشروع أوسع يسعى لإعادة تموقع المغرب كقوة ناعمة داخل إفريقيا والعالم. من هنا، فإن فهم صعوده داخل الكاف والفيفا لا يستقيم دون استحضار هذا الإطار الاستراتيجي الأوسع الذي يجعل من الكرة وسيلة، لا غاية، في معركة المكانة والنفوذ.