story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

رئيس الحكومة وسؤال السنة المرجعية وصدقية الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية (2\2)

ص ص

بعد أن أبرزت في مقال سابق التحايل الكبير الذي اعتمده رئيس الحكومة باختياره 2020 كسنة مرجعية لمقارنة حصيلة حكومته في المجال الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وما يؤدي إليه هذا الاختيار الخاطئ دستوريا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا من تغليط للرأي العام بهدف إبراز إنجازات معينة والنفخ فيها، سأتطرق في هذا المقال للملاحظات التي تستدعيها بعض الأرقام والمؤشرات التي قدمها رئيس الحكومة في معرض جوابه خلال جلسة المساءلة الشهرية ليوم الثلاثاء 15 يوليوز الجاري بمجلس المستشارين، في موضوع “الحصيلة الاقتصادية والمالية وأثرها على دينامية الاستثمار والتشغيل ببلادنا”. وتتلخص أهم الملاحظات فيما يلي:

أولا- تُفَنِّدُ الأرقام والمؤشرات الاقتصادية والمالية الرسمية المحققة خلال السنة المرجعية التي على رئيس الحكومة أن يقارن بها حصيلته الاقتصادية والمالية، وهي سنة 2021 وليست سنة 2020، ادعاءات رئيس الحكومة وحرصه على تسويد الوضعية المرجعية التي انطلقت منها حكومته، إذ تشهد الأرقام الرسمية المحققة سنة 2021 على العكس، وتثبت بما لا يدع مجالا للشك على أن الحكومة الحالية ورثت وضعا ومسارا إيجابيا على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي، إذ أن معدل النمو المحقق سنة 2021 بلغ 8,2%، بعد انكماش بلغ 7,2% سنة 2020، وهو أعلى معدل يحقق منذ سنة 1997، وتقلص عجز الميزانية من 7,1 % إلى 5,9% من الناتج الداخلي الإجمالي، وتراجعت نسبة مديونية الخزينة من 72,2% إلى 68,9% من الناتج الداخلي الإجمالي، وتم احتواء تفاقم العجز الجاري لميزان الأداءات في 2,3% من الناتج الداخلي الإجمالي، وارتفع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 26,3 إلى 31,9 مليار درهم، وتحسنت الأصول الاحتياطية الرسمية من العملة الصعبة لتبلغ 330,8 مليار درهم، أي ما يناهز 6 أشهر من واردات السلع والخدمات، وهذا ما يدل بوضوح على أن الاقتصاد الوطني والمالية العمومية وبعد أن عاشت سنة صعبة واستثنائية خلال 2020، عادا وبسرعة إلى التعافي سنة 2021 وتم تسجيل كل هذه النتائج الإيجابية والمحفزة.

ثانيا- أخطأ رئيس الحكومة وهو يؤكد في معرض جوابه بأن ميثاق الاستثمار ظل يراوح مكانه منذ 20 سنة، وهذه مغالطة كبيرة باعتبار أن القانون-الإطار رقم 18.95 بمثابة ميثاق للاستثمارات الصادر في نونبر 1995، والذي وصفه رئيس الحكومة بهذا الوصف المعيب وغير المسؤول شكل في وقته تحولا نوعيا في مجال دعم وتشجيع الاستثمار ببلادنا، ومكن منذ ذلك الحين، من تحقيق نقلة حقيقية -كما وكيفا- في مجال الاستثمار، وهو ما يؤكده حجم ونوعية الاستثمارات التي شهدتها بلادنا منذ ذلك الحين ولاسيما في السنوات الأخيرة والتي واكبت مختلف الاستراتيجيات القطاعية والمشاريع الكبرى، وهو ما شهد به رئيس الحكومة نفسه في معرض جوابه بأنه تمت المصادقة على 386 مشروعا استثماريا خلال العشر سنوات التي سبقت تعيين هذه الحكومة (بين 2012 و2021)، أي بمعدل 39 مشروعا في السنة. كما أن رئيس الحكومة تجاهل وهو ينسب لنفسه ميثاق الاستثمار الجديد موضوع القانون-الإطار رقم 03.22، أن يعترف أن هذا الميثاق جاء نتيجة عمل جاد وطويل استمر لسنوات من التشاور والإعداد في عهد الحكومتين السابقتين، وأنه استفاد من هذا العمل والتراكم ووجد نصا قانونيا جاهزا لا ينتظر سوى أن يعرض على المسطرة التشريعية وهو ما كان.

ثالثا- تراجع رئيس الحكومة واعترف للمرة الأولى وبعد طول إنكار أن معدل المغاربة المشمولين بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض انتقل من 42,2% قبل إطلاق هذا الورش إلى 88% حاليا، ويشكل هذا التصريح تراجعا صريحا لرئيس الحكومة عن تصريح سابق له في مجلس المستشارين بتاريخ 27 ماي 2025، حين أكد بأنه على مستوى تعميم التغطية الصحية الإجبارية “باتت هذه المنظومة تشمل حاليا عموم الأسر المغربية”، وظل ينفي لشهور حقيقة إقصاء أزيد من 8,5 مليون من المواطنين والمواطنات من التغطية الصحية، والتي سبق ونبهناه لها عدة مرات منذ نهاية سنة 2022، وأكدتها عدة تقارير لمؤسسات رسمية.

وهنا ينبغي تسجيل هذا التراجع الرسمي لرئيس الحكومة والذي يعترف بتصريحه الجديد هذا أن 12% من المغاربة ما زالوا خارج التغطية الصحية، وإن كانت هذه النسبة غير صحيحة لأنها لا تأخذ في الحسبان عددا من المسجلين الذين لا يستفيدون من التغطية الصحية لكون حقوقهم مغلقة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

وهذا يعني أن رئيس الحكومة فشل، ونحن في شهر يوليو 2025، في تحقيق هدف توسيع التغطية الصحية بحلول نهاية سنة 2022 كما نص على ذلك القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، وهو ما يوجب عليه بعد هذا التراجع والاعتراف المبادرة إلى معالجة هذا الإقصاء والعمل على التنزيل السليم للقانون الإطار لإدماج واستفادة كل المغاربة من التغطية الصحية دون استثناء.

ومن جهة أخرى، فإن رئيس الحكومة وهو يتراجع ويعترف مجبرا، لكنه مع ذلك لم يستسلم إذ وفي محاولة منه لإبراز أنه أحرز تقدما في هذا المجال بعد اعترافه بفشله في تحقيق التعميم والوفاء بالتزامه الرابع ضمن الالتزامات العشر للحكومة خلال الفترة 2021 – 2026، وهو تفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة ووعده في البرنامج الحكومي بتكريس “الحكومة السنة الأولى للولاية في المقام الأول لإنجاح ورش تعميم التغطية الصحية الإجبارية”، فإنه لجأ مرة أخرى إلى التحايل بشأن الوضعية المرجعية، حيث صرح أن نسبة المشمولين بالتغطية الصحية قبل بداية ورش تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض هي 42,2%، وهذا غير صحيح نهائيا لأن رئيس الحكومة أغفل عمدا أن يحتسب عدد المستفيدين سابقا من نظام المساعدة الطبية “راميد” ضمن هذه النسبة، وهو تضليل وسعي إلى إبراز تقدم مزيف، إذ أن النسبة الحقيقية للمستفيدين من التغطية الصحية قبل إطلاق ورش التعميم في دجنبر 2022 هو 76%.

رابعا- اعترف رئيس الحكومة -من حيث يدري أو لا يدري- بأنه حَرَمَ 50.205 أرملة يَعُلْنَ يتامى وكُنَّ تستفدن في السابق من برنامج الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشاشة، حيث أكد في معرض جوابه بأن أزيد من 420.000 أرملة يستفدن حاليا من الدعم الاجتماعي المباشر، منها ما يقارب 340.000 أرملة بدون أطفال لم تكن تستفيد في السابق من الدعم، وهو ما يفيد – بحساب بسيط – أن عدد الأرامل اللواتي يحتضن يتامى ويستفدن حاليا من الدعم الاجتماعي المباشر لا يبلغ سوى 80.000 أرملة، وهو ما يعني – بحساب بسيط أيضا – أنه حَرَمَ 50.205 أرملة كُنَّ تستفدن سابقا، وذلك باعتبار أنه وإلى غاية 13 شتنبر 2023، استفادت 130.205 أرملة وما يفوق 220.000 يتيما من برنامج الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشاشة، كما تثبت ذلك الصفحة 53 من مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2024 والصفحة 36 من تقرير حول الحسابات الخصوصية للخزينة المرافق لنفس المشروع.

خامسا- كذب رئيس الحكومة وهو يصرح أنه وجد أمامه أوضاعا اجتماعية صعبة كان معها الحوار الاجتماعي مجمدا لعدة سنوات، وهنا يكفي للسيد رئيس الحكومة أن يعود إلى أرشيف رئاسة الحكومة ليكتشف عدم صحة ما يدعيه وليطلع على جولات الحوار الاجتماعي خلال الولايتين الحكومتين السابقتين وقبلهما، والموثقة بالصوت والصورة، وكذا الزيادات المقررة والاتفاقيات الموقعة، والتي كان آخرها اتفاق 25 أبريل 2019، ولينعش ذاكرته لاسيما وأنه كان يحضر جولات الحوار الاجتماعي إلى جانب رؤساء الحكومة السابقين.

سادسا- واصل رئيس الحكومة كعادته نسب الإصلاحات السابقة وعائداتها الإيجابية لنفسه وإلصاق فشله وعجزه بمن سبقه، وهو يصرح بأن الحكومة عملت على استعادة توازنات المالية العمومية عبر إصلاحات هيكلية همت على الخصوص إصلاح المنظومة الجبائية، من خلال تنزيل تدابير القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي، وأنه بفضل هذه الإصلاحات، وبوتيرة أفضل مما كان متوقعا، انتقلت المداخيل الجبائية إلى حوالي 300 مليار درهم سنة 2024، بزيادة بلغت حوالي 100 مليار درهم مقارنة بسنة 2020. كما عرفت الموارد العادية تحسنا كبيرا خلال نفس الفترة، بزيادة فاقت 143 مليار درهم، وأن هذه المنجزات، مكنت من تقليص عجز الميزانية نسبة للناتج الداخلي الخام إلى 5,4% سنة 2022 و4,3% سنة 2023 و3,8% سنة 2024. وتطور معدل المديونية نسبة للناتج الداخلي الخام من 71,4% سنة 2022 إلى 68,7% سنة 2023 و67,7% سنة 2024.

وبهذا الخصوص، لقد أغفل رئيس الحكومة أن يذكر بأن القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي هو نتيجة عمل من سبقه وحصيلة التراكم الكبير المحقق في هذا المجال، والذي كان موضوع المناظرة الوطنية الثانية حول الإصلاح الجبائي في أبريل 2013، التي جاءت بعد المناظرة الوطنية الأولى في نونبر 1999، وتلتهما المناظرة الوطنية الأخيرة حول الجبايات والتي نظمت سنة 2019، والتي صدر بناء على توصياتها بالجريدة الرسمية في 26 يوليو 2021 القانون الإطار رقم 69.19 المتعلق بالإصلاح الجبائي، وبالتالي لا فضل له فيه إلا أنه يقوم بتنزيله ويستفيد من عائداته دون أي يعترف بفضل من سبقه، بل وينسب لنفسه كعادته فضل هذا التطور.

كما تجنب رئيس الحكومة أن يُفَصِّلَ بشأن التطور الكبير للموارد العادية وأن يبين بكل شفافية ومسؤولية مصدرها والذي يعود أساسا إلى تفويت الحكومة بشكل غير مسبوق لمجموعة من الأصول العقارية والمرافق العمومية، فيما سمي بالتمويلات المبتكرة، حيث بلغ مجموع ما جنته الحكومة من هذا التفويت خلال سنوات 2022 و2023 و2024 ما مجموعه 85,8 مليار درهم.

ثم إن رئيس الحكومة أغفل الأسباب الموضوعية لتراجع عجز الميزانية ومعدل المديونية نسبة للناتج الداخلي الخام، والتي تعود أساسا إلى عاملين اثنين: هما التطور الكبير للموارد الجبائية بفضل الإصلاح الجبائي والموارد العادية الكبيرة مما سمي بالتمويلات المبتكرة، وكذا أساسا بفضل مراجعة المندوبية السامية للتخطيط لمعدل النمو ولحجم الناتج الداخلي الخام برسم سنوات 2023 و2024، إذ لولا هذه المراجعة لكانت وفق الأرقام الرسمية التي كانت تقدمها الحكومة نفسها في السابق، أي قبل هذه المراجعة، نسبة المديونية إلى الناتج الداخلي الخام 69,5% سنة 2023 (عوض 68,7% بعد المراجعة)، و70,1% سنة 2024 (عوض 67,7% بعد المراجعة).

كل هذه الاعتبارات تثير تساؤلات كبيرة ومقلقة حول مدى استعادة واستدامة توازنات المالية العمومية والقدرة على استمرار تمويل برامج الحماية الاجتماعية، في ظل اعتماد الحكومة بشكل كبير وغير مسبوق على تمويلات غير مستدامة من مثل التمويلات المبتكرة، وعدم وجود أي سياسة حكومية إرادية لادخار جزء من فائض الموارد الضريبية بالنظر لتطورها الظرفي بنسب كبيرة لا تتناسب مع معدلات النمو وتطور الاستهلاك، والتي لا يمكن لها أن تستمر بنفس النسب إلى ما لا نهاية، وكذا في غياب أي إرادة وسياسة حكومية في مجال ترشيد النفقات العمومية.

وفي المُحَصِّلة، فإن مرور رئيس الحكومة الأخير أمام مجلس المستشارين في موضوع مرتب ومكرر وفضلا عن أنه لم يأت بجديد يذكر باستثناء استغلاله لمراجعة المندوبية السامية للتخطيط في يونيو الماضي لمعدل النمو لسنة 2023 و2024 ولآثار هذه المراجعة على نسب عجز الميزانية ومعدل المديونية، فإنه تجنب معدلات البطالة المرتفعة والتي بلغت في عهده 13% سنة 2023 و13,4% سنة 2024، وهي نسب لم تسجل منذ سنة 2000، واكتفى بالتذكير بخارطة الطريق الحكومية في مجال التشغيل التي اعتمدتها في 26 فبراير 2025، أي بعد تأخر دام أزيد من ثلاث سنوات من تنصيب الحكومة في أكتوبر 2021، وإعلانه بشكل مفاجئ وغير مقبول دستوريا عن أهداف جديدة تتجاوز الولاية الحكومية الحالية حين وعد “بعكس المنحى التصاعدي للبطالة وتقليصه بشكل ملموس إلى 9% وإحداث 1,45 مليون منصب شغل في أفق سنة 2030″، متناسيا الالتزامات العشر للحكومة خلال الفترة 2021 – 2026، وخصوصا الالتزام الثاني بإحداث مليون منصب شغل صاف على الأقل خلال الخمس سنوات من الولاية الحكومية الحالية، والالتزام الثالث برفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20%.

وختاما، تثبت الملاحظات المثارة أعلاه أن رئيس الحكومة وهو يستفيد من ريع وعائد الإصلاحات السابقة ومن عمل الحكومات التي سبقته في اعتماد إصلاحات هيكلية أفادت الاقتصاد الوطني وعززت المالية العمومية من مثل إصدار القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي، والقانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية، وإعداد القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار، فإنه وبالإضافة إلى إنكار وتبخيس عمل من سبقه فإنه يعتمد التحايل باختيار مؤشرات وسنوات دون غيرها في محاولة لتضخيم التقدم الحاصل وحجب التأخر المسجل والعجز عن القيام بإصلاحات جديدة، كما أنها تظهر فشله في تنزيل جزء من هذه القوانين من مثل الإقصاء الكبير الحاصل على مستوى تعميم التغطية الصحية، والدعم الاجتماعي المباشر بالرغم من أنه يصرح أن لا مجال للتراجع على المكتسبات المحققة، وكذا الفشل الذريع في معالجة معضلة البطالة التي تفاقمت في عهده وتأخره الكبير في إقرار السياسة المناسبة لمعالجة هذا الوضع، وذلك بالرغم من تعهده في المحور الثاني من البرنامج الحكومي بمواكبة تحول الاقتصاد الوطني من أجل خلق فرص شغل للجميع، وبجعل التشغيل المحور الأساسي لكل السياسات العمومية في الميدان الاقتصادي.