تقرير يقترح شراكة مغربية صينية أوروبية لبناء بنية صناعية خضراء

قال معهد أبحاث السياسات الإفريقية إن المغرب يمكن أن يكون شريكاً استراتيجياً قيماً لكل من الصين والاتحاد الأوروبي، نظراً لتمتعه بثروة من “المعادن الانتقالية الخضراء” التي تعتبر حيوية بتقنيات الطاقة النظيفة.
واقترحت المؤسسة البحثية الإفريقية، في تقرير حديث، إطاراً ثلاثياً للتعوان في المغرب وتحقيق المنفعة المتبادلة، تقدم من خلاله الصين السرعة والمعرفة الصناعية، بينما يضمن الاتحاد الأوروبي المعايير العالية والشراكات التنموية الطويلة الأجل وبناء القدرات.
وفي المقابل، يسعى المغرب إلى الاستفادة من هذه الشراكات الاقتصادية والثروات المعدنية الهائلة لترسيخ مكانته كمركز للطاقة الخضراء.
خارطة طريق
ويقترح معهد أبحاث السياسات الإفريقية خارطة طريق سياسية مكونة من خمس خطوات لدعم طموح المغرب في هذا المجال، بدءاً من إنشاء فريق عمل مشترك بين المغرب والاتحاد الأوروبي والصين.
ويتوقع أن يعمل هذا الفريق، بعد إنشائه بمبادرة من المغرب، وتحت إشراف وزارة الانتقال الطاقي “كآلية تنسيق محايدة لمواءمة أولويات الاستثمار، وتبادل المعلومات حول مشاريع البنية التحتية، وتعزيز الحوار بين الجهات المعنية من الحكومة والقطاعين الصناعي والمالي”.
وسيتمكن المغرب من خلال مأسسة التعاون بهذه الطريقة من بناء الثقة وتشجيع التقارب بشأن الأهداف المشتركة.
أما الخطوة الثانية فتتعلق بإنشاء مناطق صناعية عالمية للاستثمار ونقل التكنولوجيا، يقترح التقرير أن يتم إحداثها بالقرب من مراكز رئيسية مثل مدينة طنجة التقنية، لجذب الاستثمارات المشتركة من الشركات الصينية والأوروبية في مجال معالجة المعادن وتصنيع التكنولوجيا النظيفة.
وينبغي أن تقدم هذه المناطق، بحسب التقرير ذاته، حوافز تفضيلية، بما في ذلك المزايا الضريبية والوصول إلى البنية التحتية، للتحالفات التي تلتزم بمشاركة مغربية فعّالة في رأس المال، والمشتريات المحلية، ونقل التكنولوجيا من خلال برامج تدريبية ميدانية.
كما يتوقع من المغرب أن يُطوّر ميثاق استدامة لمواءمة معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وتعزيز ثقة المستثمرين والمصداقية البيئية.
أما الخطوة الرابعة فهي إطلاق ممر للتجارة العالمية في شمال غرب إفريقيا، يربط موانئ المغرب ومناطقه الصناعية وبنيته التحتية اللوجستية بالدول الغنية بالمعادن مثل غينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأوضح المعهد أن ذلك ينبغي أن يتم باستخدام الأدوات السياسية المتاحة في إطار اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية، مثل قواعد المنشأ المنسقة، وتسهيلات الجمارك، وبروتوكلات الاستثمار.
ويشير المعهد إلى أنه من شأن هذا الممر أن يتيح المجال لتكوين تكتلات صناعية عبر الحدود، ويعزز سلاسل القيمة الإقليمية، ويقلل الاعتماد على عمليات المعالجة خارج القارة.
واقترح التقرير كخطوة خامسة سنّ قانون للتمكين من إنشاء معهد للمهارات الخضراء، ومن شأن هذه الخطوة أن تلزم المستثمرين الأجانب بتوظيف نسلة دنيا من العاملة المغربية الماهرة، والحصول على حصة محددة من المعدات والخدمات من الموردين المحليين.
وينبغي إنشاء معهد المهارات الخضراء، بحسب التقرير ذاته، بتمويل من عائدات المعادن والشراكات بين القطاعين العام والخاص، لتدريب العمال على تقنيات التعدين والتكرير، وإعادة التدوير والبطاريات المتقدمة، وضمان توفير كوادر ماهرة لهذا القطاع.
ويستند مقترج التعاون الثلاثي إلى مقابلات مع 26 خبيراً من مختلف مجالات السياسة والبحث والتنفيذ لوضع توصيات ملموسة للتعاون الثلاثي في قطاع التعدين العالمي في المغرب.
ولن يقتصر دور هذا التعاون على تعزيز القاعدة الصناعية المغربية فحسب، بل “سيُمثّل أيضاً نموذجاً تجريبياً للحوكمة الشاملة ومتعددة الأقطاب، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين”، بحسب التقرير ذاته.
وإلى جانب الخطوات الخمس ضمن خارطة الطريق، حدد الخبراء خمس مجالات أساسية للتنسيق الثلاثي، وهي التمويل، و نقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والتعاون مع القطاع الخاص، والتعلم المتبادل للسياسات.
تحديات أمام التعاون
كما توقف التقرير عند أبرز المصالح للأطراف الثلاث، ونقاط القوة الاستراتيجية لكل طرف، إضافة إلى نقاط التوتر بين المغرب والصين والاتحاد الأوروبي في سياق المعادن الانتقالية الخضراء.
فمن أبرز نقاط التوتر بالنسبة إلى المغرب، في هذا الصدد، أشار التقرير إلى قلقه بشأن اعتماد الصين على تصدير المواد الخام ونقل التكنولوجيا المحدود في المشاريع التي تقودها، إضافة إلى بطء وتيرة التوافق التنظيمي مع الاتحاد الأوروبي والتحديات في تلبية متطلبات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية الصارمة وإمكانية التتبع.
أما بالنسبة إلى الصين فتتعلق مخاوفها بالتنافس الجيوسياسي مع الاتحاد الأوروبي ونماذج سلسلة التوريد المتضاربة، فضلاً عن كون تصور نموذ الاستثمار الاستخراجي لدى المغرب يفتقر إلى الاحتفاظ بالقيمة المحلية، بحسب التقرير.
في حين يرتبط التوتر بالنسبة للاتحاد الأوروبي بالمنافسة الاستراتيجية مع الصين وانعدام الثقة في سلاسل التوريد الحيوية، إلى جانب التوتر بين توقعاته التنظيمية بخصوص المغرب، وحاجة هذا الأخير إلى سياسات صناعية مرنة وموجهة نحو النمو.
ويخلص التقرير، الذي أعده كل من الباحث في مركز أبحاث الطاقة بالمملكة المتحدة، ستيفن دواه أجيمان، والباحث في قيم العلوم البيئية بجامعة إيموري الأمريكية، هرماس أبودو، إلى أن الموقع الاستراتيجي للمغرب وثرواته المعدنية “يمثل فرصة فريدة لرسم ملامح مستقبل التصنيع المستدام” من خلال التعاون المتوازن مع كلٍّ من الصين والاتحاد الأوروبي.
ورغم تعمّق التعاون الثنائي في السنوات الأخيرة، إلا أن النهج المُجزّأ “يُهدد بتعزيز ديناميكيات الاستخراج وتفويت فرص التحول الهيكلي”. ويلفت التقرير إلى أن تعاوناً ثلاثياً يرتكز على الاستثمار المُشترك، وتبادل التكنولوجيا، والاتساق التنظيمي، من شأنه أن يُمكّن المغرب من ترسيخ قاعدته الصناعية، واستقطاب رأس مال عالي الجودة، والمساهمة بشكلٍ فعّال في تحقيق أهداف المناخ العالمية.
وقد تصبح قدرة المغرب في الوساطة وعلى التنسيق والقيادة، بحسب معهد السياسات الإفريقية، إحدى أهمّ أصوله الاستراتيجية مع اشتداد المنافسة العالمية على الموارد.