story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

مبادرة دولية من أجل إحياء الاتحاد المغاربي.. هل تكسر جدار الصمت؟

ص ص

في مبادرة جديدة مع تواصل التوتر والأزمة السياسية بين المغرب والجزائر، أعلن المركز الدولي لمبادرات الحوار فتح ملف الاتحاد المغاربي باعتباره إطاراً ممكنا لنقاش القضايا الخلافية بين الجانبين، وذلك بهدف “التفكير في حل الأزمات الراهنة، والوقاية من صراعات جديدة لا طائل منها”.

ويسعى المركز الدولي لمبادرات الحوار ومقره نيويورك، بحسب مبادرته التي عنونها بـ”من أجل إحياء المشروع المغاربي المشترك”، واطلعت عليها صحيفة “صوت المغرب”، إلى “كسر جدار الصمت التي تختبئ وراءه الأغلبية الصامتة المؤيدة للاتحاد المغاربي في ظل طغيان الصوت العالي لدعاة القطيعة”.

وقال المركز، الذي ينشط به أمميون مهتمون بقضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إنه سيوفر منصة لإنشاء لجنة متخصصة في التفكير الإيجابي بشأن المشروع المغاربي المشترك، بهدف تشخيص العوائق التي تحول دون استكماله، واقتراح حلول للمشاكل القائمة، وإطلاق مبادرات لرأب الصدع، فضلاً عن إصدار أبحاث وأوراق سياسات تساعد في فهم المعضلة المغاربية.

وستتكون هذه اللجنة، بحسب المصدر ذاته، من شخصيات مغاربية من ذوي الخبرة والتجربة، كما تتمتع بالاستقلالية الفكرية، وينتظر منها أن تحدد بتوافق أعضائها برنامج وطريقة عملها، وأجندة ومواعيد اجتماعاتها.

ويعنى المركز الدولي لمبادرات الحوار بالوساطة ومنع النزاعات وحلها وتعزيز الحوار، منذ تأسيسه على يد خبراء مُحنَّكين في مجال وساطة الأمم المتحدة، ليكون بمثابة منتدى لتوليد وتحليل واختبار الأفكار المحلية التي تُمكّن الأطراف الرئيسية في النزاعات من التوصل إلى تسوية تفاوضية.

ويعمل المركز مع خبراء في المنطقة والعالم لدعم المبادرات الدبلوماسية من المسارين الأول والثاني، بما في ذلك العمليات التي تُيسِّرها الأمم المتحدة.

ويسجل المركز، وفقاً للوثيقة ذاتها التي نشرها على موقعه الرسمي، في يونيو 2025، انتقال العلاقات المغربية الجزائرية من درجة البرود المزمن إلى درجة التجمّد، منذ إعلان الجزائر قطع علاقاتها الديبلوماسية مع المغرب في غشت 2021، مشيراً إلى أنه بعد هذا التاريخ توالت الكثير من الأحداث والوقائع التي أفضت إلى احتدام التوتّر بين الجارين، “الأمر الذي يسير بالمنطقة نحو مصير المجهول”.

ويرى المركز من سباق التسلّح الذي ينهجه البلدان، بالإضافة إلى تفشّي خطاب الكراهية في بعض وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بهدف الوقيعة بين الشعبين، الجزائري والمغربي، من شأنه أن يصعد فرضية حدوث صدام عسكريّ في المستقبل ما لم يتم احتواء الأزمة، كما يُقوّض الاستقرار وأسس السلام في المنطقة المغاربية.

وأشار إلى أن القطيعة التي تميّزت بها العلاقات المغربية الجزائرية على مدى ستة عقود أكثر منها بالاتصال، “لم تسمح بتحقيق كل إمكانيات علاقة الجوار”، لكنها أبقت مستوى التوتر بين البلدين في حدود دنيا، “وحالت دون تكرار المواجهة العسكرية المباشرة أو شبه المباشرة كما حدث في الستينات والسبعينيات”.

ويعتبر المركز أن تطبيع النظام المغربي مع إسرائيل وانخراطه في اتفاقيات أمنية وعسكرية شكّل بدوره تطوراً خطيراً في اتجاه تأجيج العلاقة ما بين البلدين. وبغض النظر عن الأسباب التي سيقت لتبرير هذا التصعيد والدفوع التي قدمت لرفضه، “من الواضح أنّ هذا الفصل الجديد في الأزمة القديمة بين البلدين يضعهما أمام سيناريوهات أغلبها غير محمود العواقب، وقد يكون أفضلها في الوقت الراهن هو احتواء التوتّرات القائمة، بما فيه خفض منسوب الخطب التحريضية والعدائية الصادرة عن جهات متعدّدة من البلدين الجارين”، في أفق تهيئة الظروف لانفراج جديد يقود إلى المصالحة، بحسب وثيقة المبادرة.

ويعد حلم بناء الاتحاد المغاربي أبعد الويم من أي وقت مضى، بحسب المركز الدولي لمبادرات الحوار، إذ أنه “لا يمكن تصور أي تقدم في هذا المشروع الاستراتيجي، الذي أسس له رواد معارك التحرير والاستقلال في البلدان المغاربية، من دون ترميم العلاقة بين أكبر وزنين ديموغرافيين واقتصاديين وسياسيين في المنطقة”.

وقال المركز إن “الواقع أن الطبيعة المعقدة للعلاقات المغربية الجزائرية ظلت العقبة الرئيسة أمام بناء الاتحاد المغاربي”. كما تنوعت عناوين التأزم في تلك العلاقة بدءاً من التاريخ المعقد بين الجارين، مروراً بالتنافس على الريادة الإقليمية، وصولاً إلى إبقاء الحدود مغلقة لربع قرن فيما يشبه العقاب الجماعي للمواطنين الذي يسكنون على جانبي الحدود.

غير أن العنوان الأبرز لتسمم العلاقات الجزائرية المغربية، يضيف المركز “كان ولا يزال قضية الصحراء الغربية”. إذ فشلت الأطراف في حلها ضمن العائلة المغاربية، وتمت إحالتها على أنظار الأمم المتحدة “لتبقى في أروقتها لأزيد من أربعة عقود دون حل”. ويرى المركز أن هذه القضية “تظل اليوم محور التجاذب الرئيس بين البلدين، وأهم عقبة أمام استكمال المشروع المغاربي، خاصة في ظل ميل الطرفين إلى التركيز على ما يفرقهما بدل ما يجمعهما”.

أما باقي الدول المغاربية “فتتابع بمزيج من الإحباط والعجز حالة الارتهان التي تتسبب فيها الشقيقتان الكبريان لمشروع بناء الاتحاد المغاربي”. يقول المركز، مشيراً إلى أن الدول الثلاث الأخرى، تونس وليبيا وموريتانيا، اختارت في غالب الأحيان النأي بنفسها قدر المستطاع عن خلافات البلدين، “واستكانت إلى قناعتها بعدم القدرة على تحريك المياه الراكدة بينهما”، فضلاً عن “تدخلها في العقد الأخير في دوامة مشاكلها الداخلية العويصة، وخاصة ليبيا التي تتلمس طريقاً وعراً للخروج من الحرب الأهلية، وتونس التي تعاني من إغلاق قوس التحوّل الديمقراطي”.

ورغم قتامة الصورة المغاربية، يرى المركز الدولي لمبادرات الحوار أنها لا تخلو من نقاط ضوء. إذ أن الغالبية العظمى لأبناء المنطقة “لم يتخلوا عن حلم الأجداد والآباء في توحيد الصف المغاربي”. كما أن الخلافات السياسية المزمنة ظلت إلى حد كبير مقتصرة على الأنظمة والقيادات السياسية، ولم تؤثر في المستويات الشعبية “على الرغم من ظهور مؤشرات خطيرة في الآونة الأخيرة على تنامي خطاب الكراهية وانتشاره عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي”.

ويشدد المركز على أنه بالإضافة إلى العناصر الثقافية والنفسية التي تجعل مشروع الاتحاد المغاربي سهل التملك من قبل الشعوب، “تفرض تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية جمة نفسها على المنطقة، وتجعل من هذا الاتحاد ضرورة حيوية وليس فقط إشارة وفاء لأجيال المقاومة والاستقلال”.

ويشير إلى أن منطقة الساحل التي تحيط بالمنطقة جنوباً باتت ساحة لكل الأنشطة المزعزعة للاستقرار من إرهاب، وتهريب للسلاح، واتجار بالبشر وهجرة غير شرعية، وغيرها. كما أصبحت ليبيا ساحة للأجندات والمصالح الخارجية المتنافسة في غياب أي تنسيق مغاربي. في حين يمكن مجابهة الإكراهات الاقتصادية التي تواجهها الدول المغاربية منفردة كالبطالة والأمن الغذائي والمائي والطاقي، ومنافسة التكتلات الإقليمية وتراجع قيمة العملات وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، “بشكل أفضل جماعياً بالنظر إلى الإمكانات التي يمكن أن تجنيها هذه الدول من تطوير شراكتها الاقتصادية”.

ويسجل المركز أن البلدان المغاربية “ضيعت فرصاً لا تعد ولا تحصى لتحقيق الاستفادة القصوى من الطبيعة التكاملية لاقتصاداتها”، مشيراً إلى أنها “أهدرت من السنوات والثروات ما هو ملك للأجيال المغاربية وليس للساسة العاجزين عن تبني منطق تصالحي، والخروج من حلقة الصراع المفرغة”.

وتظل المنطقة المغاربية إلى اليوم “أقل الأقاليم الجغرافية اندماجاً في العالم”، بحسب المركز، الذي أحال للنظر إلى الإنجازات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجموعات الجغرافية التابعة للاتحاد الإفريقي “للوقوف على حجم التأخر وفداحة الهدر في المنطقة المغاربية”.

وفي سياق متصل، دعا تقرير حديث، نُشر على مجلة السياسة الدولية والمجتمع، الاتحادَ الأوروبي إلى رعاية مبادرات حوار بين المغرب والجزائر، تضم شخصيات مغربية وجزائرية، لتقريب وجهات النظر بين البلدين، وألا يكتفي بإدماج مفهوم “علاقات حسن الجوار” في مشاركاته الدبلوماسية.

وقال التقرير الذي نشرته المجلة التابعة لمؤسسة “فريدريش إيبرت” في بروكسيل إنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يفكر خارج الصندوق، ويروّج للتعاون الفني القائم على المكاسب المشتركة. ويرعى مبادرات حوار تدريجية تشمل مواطنين مغاربة وجزائريين من المجتمع المدني، والأوساط الأكاديمية، وقطاعات الأعمال.

وأوضح أن مثل هذه المبادرات من شأنها المساهمة في بناء الثقة، مما يمهد الطريق تدريجياً لإجراء محادثات رسمية، لإنهاء الخلاف وسوء الفهم بين البلدين، داعياً إلى الاستلهام من تجارب سابقة في منطقة المتوسط، حيث تمكنت أطراف متنازعة من التعاون في قضايا عملية تعود بالنفع على شعوبها، حتى وإن كانت لا تعترف رسمياً ببعضها البعض.

التقرير الذي أعده إيمانويل كوهين-هادريا عضو المجلس التنفيذي لمنظمة “دبلوميدز”، وهي مجموعة سياساتية عبر متوسطية تدعو إلى الحوار والتعاون وتسهل المحادثات السرية في المنطقة، أشار إلى أن التعاون بين المغرب والجزائر “يتطلب اتباع قنوات سرية ومنخفضة الظهور، كما يمكن أيضاً للمنظمات الإقليمية مثل ‘الاتحاد من أجل المتوسط’ أن تلعب دورًاً مهماً في تسهيل التعاون الفني”.