بعد 22 سنة من التفجيرات الإرهابية.. سيدي مومن يواجه واقع “التهميش” المستمر

بحلول الذكرى الثانية والعشرين لأحداث 16 ماي 2003، لا يزال حي سيدي مومن بالدار البيضاء يحمل جرحًا غائرًا ويمثل ذكرى أليمة في الذاكرة الجماعية للمغاربة، ففي كل مرة تُستحضر فيها تلك التفجيرات الأليمة، يعود الحديث مجددًا إلى هذا الحي الذي خرج منه منفذو الهجمات، وتحديدًا من “كاريان طوما”، الذي كان رمزًا للتهميش والفقر وغياب العدالة المجالية، ومؤشرًا واضحًا على الخلل التنموي الذي طال أحياء الهامش في كبريات المدن المغربية.
ومنذ وقوع تلك الأحداث، أُطلقت العديد من المبادرات لمحاربة أسباب التطرف، من خلال مشاريع لإعادة الإيواء، وبرامج اجتماعية وثقافية تستهدف الشباب، حيث سعت الدولة والفاعلون المدنيون إلى انتشال الحي من العزلة وتحويله إلى فضاء للأمل بدل اليأس، إلا أن التحديات ما تزال مطروحة بقوة، خاصة مع استمرار مظاهر الهشاشة والفقر والبطالة.
وفي هذا الصدد، كشف تقرير تشخيصي تشاركي أعدته رابطة جمعيات سيدي مومن، أن منطقة سيدي مومن بالدار البيضاء تواجه جملة من الإشكاليات التنموية والاجتماعية التي “تعيق تحسين جودة حياة السكان”، حيث أشار إلى أن المنطقة “تعاني من نقص حاد في البنية التحتية، وضعف الخدمات الصحية، وتدهور الأوضاع الأمنية والبيئية، إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة”.
وبحسب التقرير الذي اطلعت عليه صحيفة “صوت المغرب”، بلغ عدد سكان المنطقة 551,118 نسمة موزعين على مساحة لا تتعدى 32 كيلومترًا مربعًا، ما يجعلها من أكثر مقاطعات الدار البيضاء كثافة واكتظاظًا سكانيًا.
وعلى مستوى التشغيل، سجل التقرير أن نسبة البطالة بلغت 18.6%، خاصة في صفوف حاملي الشهادات، مشيرًا إلى “ضعف التكوين المهني” في عدد من المجالات المطلوبة، فضلًا عن “محدودية فرص الشغ”ل، و”انتشار الاقتصاد غير المهيكل الذي يفتقر إلى مقومات الاستقرار” ويؤثر سلبًا على الاقتصاد المحلي.
كما أبرز المصدر ذاته، أن معدل الأمية في سيدي مومن يصل إلى 13.3%، في حين يبلغ معدل انتشار الإعاقة 3.8%، وسط “غياب شبه تام” لسياسات الإدماج المهني والاجتماعي لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، “ما يزيد من هشاشة أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية”.
وفيما يخص البنية التحتية، أشار ذات التقرير، إلى “غياب حافلات عمومية تربط سيدي مومن بأحياء عين السبع وعين الشق، وتُسهل الوصول إلى الكليات والمناطق الصناعية”. كما تم تسجيل “ضعف في الإنارة العمومية، إضافة إلى نظام صرف صحي غير كافٍ لاستيعاب مياه الأمطار، ما يؤدي إلى فيضانات متكررة بعدد من الأحياء”.
أما على المستوى الصحي، فقد بيّن التقرير أن المراكز الصحية تعاني من “نقص حاد” في الأدوية الأساسية مثل الأنسولين، فضلاً عن “غياب مجانية عدد من الخدمات الطبية، وتقييد أوقات استقبال المرضى، مما لا يتناسب مع كثافة السكان وحجم الطلب على العلاج”.
وبخصوص الجانب الأمني، سجل التقرير “غياب دوريات أمنية منتظمة داخل الأحياء، وانتشار مظاهر الإدمان والعنف، والتجول بالكلاب أمام المؤسسات التعليمية”، مشيرًا إلى أن “ضعف الإنارة العمومية يزيد من حدة المخاطر المتعلقة بالسرقة والاعتداءات، خاصة في الأزقة والمناطق المعزولة”.
وسلط المصدر الضوء أيضًا على “التدهور البيئي” بالمنطقة، حيث لوحظ “انتشار النفايات في غير أماكنها المخصصة، وتلوث الهواء الناتج عن أنشطة الحرف الملوثة داخل الأحياء كالصباغة والحدادة، إضافة إلى تدهور وضعية المساحات الخضراء من حيث النظافة والصيانة”.
ولا تختلف الصورة كثيرًا على المستوى الثقافي، حيث سجل التقرير “غيابا شبه كلي” للبنيات التحتية الثقافية مثل دور الشباب والمسارح وفضاءات تعلم الرسم والموسيقى، مع “غياب فضاءات مخصصة للنساء، ما يُكرس العزلة الثقافية ويحد من المشاركة المجتمعية للساكنة، خاصة في صفوف الشباب والنساء”.
وفي غضون ذلك، شدد التقرير على ضرورة إشراك فعاليات المجتمع المدني باعتبارها فاعلًا محوريًا في التنمية المحلية، مؤكدًا على أهمية تنظيم لقاءات تشاورية مع الساكنة لصياغة تصورات واقعية لتحسين جودة المرافق والفضاءات العمومية، بما يعزز من المشاركة المواطِنة ويحقق التنمية المستدامة في المنطقة.
وعلى ضوء هذه المعطيات، أكد عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن “فاجعة 16 ماي شكلت لحظة حاسمة كشفت أن التهميش يولّد اليأس، واليأس يفتح الطريق أمام التطرف، وهو ما دفع بالدولة ومجموعة من المؤسسات العمومية والمنتخبة للإعلان عن برامج تنموية شاملة تهدف إلى إعادة الاعتبار للمنطقة، عبر النهوض بالتعليم، والصحة، والسكن، والبنيات التحتية، والثقافة، والشغل”.
وبعد مرور سنوات، أكد تشيكيطو في حديثه مع صحيفة “صوت المغرب” أن “الحصيلة تبدو متباينة، حيث تم بالفعل تنفيذ بعض المشاريع المهمة كإعادة هيكلة السكن العشوائي، وفتح مراكز ثقافية، وإنشاء بعض المرافق الاجتماعية، غير أن العمق الحقوقي لعملية الإدماج ظل محدوداً، بسبب غياب رؤية استراتيجية تضع الإنسان في صلب التنمية، وتربط بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمن الإنساني”.
وفي هذا الإطار، شدد المتحدث على أن الحق في التنمية هو حق شامل وغير قابل للتجزئة، معتبرا أن أي مبادرة حقيقية في سيدي مومن أو غيرها من الأحياء المهمشة يجب أن تقوم على مرتكزات تُشرك الساكنة المحلية في بلورة المشاريع، لا أن تفرض عليهم حلولاً فوقية.
كما دعا الفاعل الحقوقي، إلى ضرورة ربط التنمية المحلية بتوزيع عادل للثروات والخدمات، ودمقرطة الثقافة والتعليم النوعي باعتبارهما الحصن الأول ضد الانغلاق والتطرف، فضلا عن المساءلة والشفافية بشأن مصير الاعتمادات المالية المخصصة للمنطقة، وتقييم أثر البرامج المعلنة، مع التركيز على الشباب من خلال دعم التشغيل الذاتي، وتكوينات مهنية فعالة، ومراكز للإبداع الرياضي والثقافي.
وفي سياق ذلك، أكد تشيكيطو أن “منطقة سيدي مومن ليست مجرد نقطة جغرافية تضررت من الإرهاب، بل مرآة لواقع فئات واسعة في المغرب ما زالت تنتظر الإنصاف والكرامة والتنمية المستدامة”، مشددا على أنه بدون مقاربة حقوقية شاملة، ستظل كل المجهودات التنموية المبذولة محدودة الأثر وعرضة للتراجع.