الجمهور المحسوب علينا
عاد الدفئ الجماهيري إلى مدرجات مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، وعادت معه التيفوهات الجميلة واللوحات البديعة للجمهور، والتي لا يمكن لعاقل أن ينفي عنها مساهمتها الكبيرة في الوهج العالمي الذي تصنع به صورة المغرب في الخارج، خصوصا عند الحديث عن الشغف بكرة القدم.
لكن أليس من العبث أن نُطَبع مع فرجة المدرجات ونعتبرها هدفا في حد ذاته، عوضا عما يجري فوق أرضية الملعب وآداء اللاعبين؟
أليس من يَدْعُون على من أغلق “دونور” للإصلاح، بجملة “ما نسمحوش اللي حرمنا من هاذ التيفوهات الجميلة” يؤسسون لمفاهيم غريبة في كرة القدم والرياضة بصفة عامة، بقلب المسلمات الطبيعية التي تقول أن الناس يأتون إلى الملاعب لمشاهدة إبداع اللاعبين فوق الملعب وليس العكس؟
فما الجدوى من التيفوهات الأنيقة إذا كانت تتزامن مع رداءة فضيعة للمباريات ومستوى تقني هزيل، ورياضة يمارسها لاعبو البطولة الوطنية تشبه كرة القدم (على رأي صديقنا الصريح وحيد خاليلوزيتش)؟
ثم ماذا يعني الإبداع في تشجيع أندية غارقة في الهواية والفساد وسوء التسيير وغياب الحكامة؟
وأيضا ما معنى أن نصنع كل هذه الفرجة المبهرة في المدرجات، ثم نخرج بعدها إلى الشارع العام لخوض معارك التخريب وتكسير الممتلكات العامة والخاصة، وتقاذف الحجارة والعصي وإشهار السكاكين ضد جمهور الفريق المنافس، وزعزعة الأمن العام ونهدد سلامة المواطنين ؟
لا أقصد جمهور فريق بعينه، ولكن ذلك الذي شاهدناه خلال مبارتي الرجاء البيضاوي ضد حسنية أݣادير، والوداد البيضاوي ضد الجيش الملكي، لا يمكن لجميع التيفوهات الأنيقة أن تغطي على بشاعة “حروب” المغول والتتار التي تتسبب لنا فيها مباريات البطولة الوطنية.
أما الجملة الخشبية “الفئة المحسوبة على جمهور الفريق الفلاني” التي يرددها المسالمون العاقلون من الجمهور نفسه أو من طرف بعض الإعلاميين “الملونين”، دائما للتبرأ من الأعمال الهمجية لجمهور فريقهم، فأعتقد أنها لا تعني شيئا سوى محاولة تزويق واقع بشع يتطلب الكثير من الصراحة لعلاجه.. فجمهور كرة القدم الوطنية بصفة عامة ازداد تعصبه خلال العقدين الأخيرين، وهامش العشق “الترفيهي” للأندية و”الشدان” الأبيض أصبح ضيقا جيدا وأصحابه أصبحوا معدودون على رؤوس الأصابع، والذي لا يمارس اليوم العنف بالحجارة والسكاكين والتكسير والتخريب، يمارسه بالألفاظ عبر استعمال المصطلحات “الحربية” ومهاجمة جمهور الفريق المنافس بتعابير قدحية وتحريضية قد تصل إلى السب والشتم والنعت بأوصاف مهينة.
هؤلاء الذين يكسرون ويخربون ويتواجهون في الشوارع على هامش مباريات كرة القدم ليسوا “فئة محسوبة على جمهور الفريق الفلاني”، بل هم ببساطة وبدون مساحيق الكلام، جمهور أندية كرة القدم المحسوب على مجتمعنا المعطوب، الذي يجد في التشجيع الرياضي وسيلة لإفراغ مكبوتاته الإجتماعية والإقتصادية، وتصريفا لأحقاد لا ذنب للرياضة فيها.
الأمر لم يعد يسمح بمزيد من المواقف “الفئوية” دفاعا عن جمهور هذا النادي أو ذاك، أو بمحاولات إدعاء أن الجمهور الآخر هو البادئ بالإعتداء أو الإستفزاز، بل على جميع من لا ترضيه هذه السلوكات الهمجية مهما كان مصدرها، أن يدعم أي قرار صارم للدولة يحد من هذه الظاهرة المشينة، وأولها المنع الكلي لتنقل الجماهير بدون استثناء، وتطبيق عقوبات مختلفة في حق آباء وآولياء القاصرين الذين يتم ضبطهم بمفردهم في الملاعب، واعتماد البطاقة الوطنية في حجز التذاكر، ووضع لوائح للممنوعين من دخول الملاعب بناء على سوابق العنف، والصرامة في عدم السماح بإدخال الشهب الإصطناعية إلى المدرجات، وأي شيء من شأنه أن يتحول إلى سلاح أبيض أو مقذوف يهدد السير العادي للمباريات.
السكوت عن عنف جمهور فريقك المفضل، والإدعاء أنهم فقط “براهش” أو محسوبون عليك، هو نوع من المشاركة في الشغب بشكل من الأشكال، ومحاولة إلصاق أحداث العنف والتخريب بجمهور الفريق المنافس، هو تشجيع على استمرار وتطور الشغب، ولو حاولت تغطيته بأروع التيفوهات والشعارات.