حقوقيون: الحكومة تُشرعن الفساد وتُفرغ مبدأ المحاسبة من مضمونه

اعتبر حقوقيون أن تفشي الفساد في المغرب لا يشكل فقط تهديدًا للحكامة الجيدة والمؤسسات، بل ينعكس بشكل مباشر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للمواطنين، مبرزين أن استمرار هذا الوضع يعمق الفجوة الاجتماعية ويقوّض أسس دولة الحق والقانون.
وجاء ذلك خلال ندوة تحت عنوان “واقع الحقوق والحريات وأهمية العمل الوحدوي للحركة الحقوقية والديمقراطية في مواجهة الاستبداد والفساد والتطبيع”، السبت 3 ماي 2025 بالرباط, نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في إطار أنشطتها الإعدادية للمؤتمر الوطني الرابع عشر.
“الفساد النسقي”
وفي هذا السياق قال عضو المكتب التنفيذي للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرانسي المغرب) محمد قطاية، إن المغرب يعيش منذ أزيد من عقدين في وضعية ما أسماه بـ”الفساد النسقي المزمن”، مشددًا على أن غياب الإرادة السياسية الفعلية في التصدي لهذه الآفة جعلها تتغلغل في مختلف مفاصل الدولة، وتنعكس سلبًا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، بل وعلى مسار الديمقراطية نفسه.
وأوضح قطاية أن “تجميد” تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ساهم بشكل مباشر في تراجع المغرب على مستوى مؤشر إدراك الفساد، لكون هذا المؤشر يرتبط عضوياً بوضعية الحريات العامة ودولة الحق والقانون، مضيفًا أنه كلما ترسخت الديمقراطية الحقيقية، كلما تراجع تأثير الفساد، والعكس صحيح.
واعتبر المتحدث أن ما زاد الطين بلة هو شروع الحكومة الحالية في “استدامة الفساد بشكل معلن، من خلال السماح بتبديد المال العام دون محاسبة، في انتهاك صارخ لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة ولمقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب”.
وانتقد الفاعل الحقوقي كذلك ما وصفه بـ”التواطؤ مع الإثراء غير المشروع”، مشيرًا إلى أن وزير العدل تصدى لمحاولات تجريمه بدعوى حماية قرينة البراءة، معتبراً أن الغرض من استخدام هذه القرينة “هو حماية السياسيين والمسؤولين، على حساب المواطنين”، وهو ما يعد حسب تعبيره تجلياً آخر للفساد المقنن.
وندد محمد قطاية بما اعتبره استخفافاً بالمؤسسات الدستورية، من خلال إضعاف مؤسسات الرقابة والنزاهة والتشكيك في تقاريرها أو تجاهلها، في مسعى لإفراغها من أي فعالية أو دور رقابي حقيقي، مشيرا في نفس السياق إلى “أن مبدأ تضارب المصالح غدر في ولاية هذه الحكومة وانتهك صراحة”.
تحديات المنظمات الحقوقية
من جانبها، أفادت عضو منظمة العفو الدولية – فرع المغرب، وفاء أكوزول، بأن دور الحركة الحقوقية أساسي في بناء دولة الحق والقانون، من خلال ما تقوم به من أدوار متعددة تتمثل في الدفاع عن الحقوق والحريات، والعمل باستقلالية وحياد تامّيْن عن الحكومات والأحزاب والنقابات، إلى جانب الانخراط في شراكات إقليمية ودولية ترتكز على احترام حقوق الإنسان.
وأكدت أكوزول، في سياق حديثها عن التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني، على أهمية الاعتراف القانوني بهذه المنظمات، وتمكينها من صفة المنفعة العامة، ومنحها وضعية المراقب داخل الهيئات التشريعية والمؤسسات العمومية، وكذا تمتيعها بحق الترافع أمام القضاء والانتصاب كمطالب بالحق المدني في قضايا الفساد والانتهاكات الجسيمة، باعتبار أن عمل المنظمات الحقوقية مكفول قانونًا ويجب حمايته لا التضييق عليه.
وشددت المتحدثة على ضرورة صلابة البنية الداخلية للحركات الحقوقية، وذلك باعتماد ديمقراطية داخلية، وتحديد واضح للمهام، والعمل وفق رؤية استراتيجية قابلة للتقييم والمراجعة، بدل الاستمرار في الاشتغال بشكل عفوي أو بردود أفعال غير منظمة.
وأشارت الفاعلة الحقوقية إلى أن الشفافية والمساءلة الداخلية تساهم في تعزيز الثقة مع الشركاء والعموم، وتمكّن من الانخراط في تحالفات عابرة للحدود، داعية في السياق ذاته إلى تأمين موارد مالية قارة ومستدامة لضمان استقلالية القرار الحقوقي، خصوصًا في ظل التراجع العالمي لدعم الجمعيات.
ولفتت إلى ضرورة بناء علاقة قائمة على الثقة المتبادلة مع السلطات، واحترام استقلالية المجتمع المدني وحقه في التنظيم، مبرزة أن القضاء النزيه والمستقل يشكل دعامة أساسية في مسار بناء دولة الحق والقانون.
ودعت وفاء أكوزول في ختام مداخلتها إلى اعتماد استراتيجية إعلامية قوية قادرة على تبسيط الرسائل الحقوقية وجعلها أكثر قربًا من الناس للتأثير الإيجابي في وعيهم وتعاطفهم.