story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

خبراء: تراجع الشعور بالانتماء لدى الشباب مرتبط بالأوضاع الحقوقية والاجتماعية بالمغرب

ص ص

كشف تقرير دولي حديث عن مؤشرات مقلقة بشأن مستوى الشعور بالمعنى والانتماء لدى الشباب المغربي، حيث سجل المغرب أحد أدنى معدلات المعنوية بين الدول التي شملها المسح، بمعدل لا يتجاوز 7.79 من أصل 10 نقاط.

هذا الرقم أثار تساؤلات جدية حول مدى ارتباط الأجيال الصاعدة بوطنهم وشعورهم بالهوية والانتماء المجتمعي، في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية وحقوقية معقدة، حيث يحذر خبراء في علم الاجتماع وحقوق الإنسان من تفاقم هذا الشعور بالاغتراب الوطني.

وأكد هؤلاء الخبراء على أن غياب السياسات العمومية الفعالة، وتراجع الحريات، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والتعليمية تُعد من أبرز أسباب هذا التراجع، داعين إلى إصلاحات شاملة تعيد الاعتبار للتربية على المواطنة، وتُعزز الروابط بين الشباب ووطنهم.

أرقام “صادمة ومقلقة”

وفي السياق أكد محمد الزهاري، الرئيس الأسبق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن فقدان الشعور بالانتماء للوطن لدى فئات واسعة من الشباب المغربي “يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتدهور الوضع الحقوقي العام في البلاد، وخصوصًا ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مقدمتها الحق في السكن، والحق في الشغل، والحق في التعليم، والحق في الصحة”.

وأوضح الزهاري، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن التضييق المستمر على حرية الرأي والتعبير يمثل أحد الأسباب الجوهرية لهذا الشعور بالاغتراب الوطني، مشيرًا إلى أن “العديد من الشباب يتعرضون للملاحقة أو المضايقات الإدارية والقضائية فقط بسبب تعبيرهم عن آرائهم، سواء حول السياسات العمومية، أو موقفهم من التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو انتقاد بعض المسؤولين الحكوميين أو الترابيين”.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن هذه المتابعات تطال أحيانًا حتى أفراد أسر هؤلاء الشباب، “ما يعمق من الإحساس بانعدام الأمان ويعزز الرغبة في الهجرة كخيار للنجاة الفردية”.

وأشار الزهاري إلى أن أرقام التقرير، جاءت “صادمة ومقلقة”، خاصة بعد أن تم ترتيب المغرب خلف دول مثل كينيا والجزائر والهند والبيرو، قائلا “ لقد كنا نعتقد، أن المغرب قد يكون متقدمًا على هذه الدول بشكل طفيف أو متوسط، إلا أن الواقع جاء ليكذّب هذا الاعتقاد ويكشف عن خلل عميق”.

وسجّل الحقوقي أن “غياب السياسات العمومية الفعالة” لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية له تأثير مباشر على تراجع الشعور بالانتماء، مستشهدًا بحادثة الهجرة الجماعية نحو مدينة سبتة المحتلة قبل أشهر، معتبرا أن هذه الحادثة “تُجسّد عمليًا التدهور الحاد في علاقة الشباب بوطنهم، وفقدانهم الثقة في المستقبل”.

وبخصوص المؤشرات الاقتصادية، نبه الزهاري إلى أن معدلات البطالة بلغت “مستويات مقلقة”، مستدلًا بتصريح حديث للمندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، الذي أكد أن نسبة البطالة تصل إلى 25%، ما يعني أن ربع السكان النشطين لا يتوفرون على عمل، في حين أن نسبة كبيرة منهم من الشباب “الذين يشعرون بالعجز واليأس، وانقطاع الأمل في تحقيق ذواتهم داخل وطنهم”.

وفي ما يتعلق بظروف السكن، أكد الزهاري أن الإحصائيات الرسمية أظهرت ارتفاع نسبة المساكن المكونة من غرفة أو غرفتين، وتراجع تلك التي تتوفر على ثلاث غرف، وهو ما لا يستجيب، حسب تعبيره، “لأبسط شروط العيش الكريم داخل الأسر المغربية، خاصة بالنسبة للأسر التي تضم أطفالًا من الجنسين”.

و دعا محمد الزهاري إلى إعادة النظر في المنظومة التعليمية، وضرورة دعم برامج تنمية الحس الوطني لدى الأطفال والشباب، مشددًا على أهمية إحياء دور الجمعيات الوطنية الجادة، التي كانت تنظم المخيمات الصيفية، واللقاءات التكوينية، والورشات التربوية، والتي قال إنها “كانت تغرس في نفوس الناشئة حب الوطن، وتُحصِّنهم من الشعور بالغربة داخل وطنهم”.

“اختفاء” مادة التربية الوطنية

من جانبه، حذّر الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، علي الشعباني، من تراجع مشاعر الانتماء الوطني لدى فئة واسعة من الشباب المغربي، معتبراً أن “ضعف هذا الانتماء يهدد بتفكك المجتمعات ويجعل الدول عاجزة عن لعب أي دور أو الدخول في منافسة حقيقية مع دول أخرى”.

وأوضح الشعباني، في حديثه مع صحيفة “صوت المغرب”، أن الاعتقاد بالانتماء إلى الوطن وإلى مجتمعه يُعد مبدأً أساسياً في بناء أي مجتمع مستقر، مبرزا أنه “حينما يغيب هذا الشعور، فإن مصير ذلك البلد يصبح عرضة للخراب والانهيار”.

وسجّل الباحث بأسف اختفاء مادة “التربية الوطنية” من المناهج الدراسية، والتي كانت تدرّس في المدارس الابتدائية المغربية وتُعطى أهمية بالغة، حيث كانت تهدف إلى “غرس مبادئ حب الوطن في نفوس التلاميذ، وتعزيز شعور الفخر بالهوية الوطنية وبمكونات الثقافة المغربية، من لغة ودين وحضارة وتقاليد”.

وأشار الشعباني إلى أن غياب مثل هذه المواد التعليمية التي كانت تغرس قيم الانتماء، “ترك فراغاً كبيراً استغلته وسائل التواصل الاجتماعي، التي صارت تبث محتويات تُضعف ارتباط الشباب بوطنهم وتستهدف رموزه الثقافية والدينية والحضارية، من خلال حملات ممنهجة ومؤثرة”.

وقال الباحث إن “هذا الواقع أدى إلى بروز فئات من الشباب لا تفتخر بانتمائها، ولا تدافع عن وطنها، بل تنخرط أحياناً في حملات هدامة تحت شعارات الحقوق والحريات، بينما في جوهرها تساهم في تفكيك الانتماء الوطني”.

وتوقف الشعباني عند ظاهرة الرغبة المتزايدة لدى الشباب في الهجرة، ورفضهم لكل ما يرمز إلى الوطن، واصفاً هذه النزعة بـ”المقلقة”، إذ أن البعض “لم يعد يرى في بلده مستقبلاً أو أملاً، بل يتشبث بأوهام الهجرة دون إدراك للمخاطر المحتملة في المجتمعات التي يطمحون للوصول إليها”.

وخلص الشعباني إلى أن “حب الوطن من الإيمان، وإذا ضعف هذا الحب، ضعفت معه الرغبة في العيش فيه، واشتد النفور من ثقافته وتاريخه”، داعياً إلى إعادة النظر في دور المؤسسات التربوية والإعلامية والثقافية في ترسيخ قيم الانتماء الوطني لدى الأجيال الصاعدة.