story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

بين أرباح أخنوش وخسائر إيلون ماسك

ص ص

أحد الثرِيَّيْن (مع فارق هائل في الثروة) يخسر عندما دخل تدبير الشأن العام ولو بصفة “موظف حكومي خاص”، والآخر يربح باستمرار ولو بوظيفة رئيس حكومة. الكلام عن إيلون ماسك الذي يدير هيئة/ وزارة كفاءة الحكومة في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعن رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش.

شغل ماسك مسؤوليةً في الإدارة الأمريكية بضعة شهور فتضررت أعماله، خاصة أيقونة استثماراته شركة تسلا للسيارات الكهربائية، بينما الآخر وزيرٌ للفلاحة منذ 15 أكتوبر 2007 (حكومة عباس الفاسي. من يتذكّر؟!!) إلى 10 شتنبر 2021، ثم رئيسا للحكومة من يومها إلى الآن، أي أنه قضى 17 سنة ونصف في الحكومات (بين وزير ورئيس حكومة)، ولا يزداد إلا غنى. اللهم لا حسد.

ماسك أخبر ( الثلاثاء 22 أبريل 2025) مستثمرين معه، عقب إعلان شركة صناعة السيارات الكهربائية نتائجَ فاقت توقعات وول ستريت المتدنية، أنه سيقلّص عمله مع الرئيس ترامب إلى يوم أو يومين في الأسبوع، بعدما أثارت أساليبه في خفض التكاليف ردود أفعال غاضبة من الرأي العام وقلق المستثمرين أنفسهم.

وللمعلومة، ماسك، أغنى رجل في العالم (342 مليار دولار)، هو “موظف حكومي خاص”، وهو تصنيف يُمنح للموظفين الفيدراليين المؤقتين الذين يُفترض أن يعملوا 130 يوما فقط في السنة.

الرجل الذي “دخل طولاً وعرضاً” في الوكالات الحكومية ووزارات، حلّا وتقليصاً لقدراتها التشغيلية، وطردا للموظفين، كما أوقف برامج فيدرالية ودولية، وفكّك منظمات من أدوات “القوة الناعمة” لأمريكا في العالم، يجد نفسه، بعد 100 يوم فقط، عرضةً للخسائر كرجل أعمال، إذ أن تقلّده وظيفة رسمية كانت له تبعات على استثماراته وشركاته. مثلا، هذا الأسبوع أعلنت تسلا انخفاض أرباحها الفصلية بنسبة 71% لتصل إلى 409 ملايين دولار. كما تراجعت إيرادات الشركة بنسبة 9% لتصل إلى 19.3 مليار دولار خلال الفترة من يناير (شهر دخول ترامب البيت الأبيض) إلى مارس.

هذه النتائج المخيبة لتسلا التي تكافح لبيع سياراتها نتيجةٌ لغضب المستهلكين بشأن دور ماسك في إدارة ترامب، كما أنّ دعمه العلني لسياسيين يمينيين متطرفين في أوروبا أدى إلى نفور بعض المشترين المحتملين في القارة العجوز. واشتكى بعض مستثمري تسلا من أنّ ماسك بات مُشتتاً، ما أثر على قدرته في إدارة الشركة؛ بسبب دوره في وزارة الكفاءة الحكومية. ملاحظون، بدورهم، قالوا إنه بالتحاق ماسك بالحكومة خسرت تسلا “أهم أصولها”، ورئيسا تنفيذيا بدوام كامل، وأنه لا خيار لمحاصرة الخسائر غير أن يعود “مفكرها الاستراتيجي”.

في المقابل، وفي أحدث نسخة تصدرها مجلة فوربس (الثلاثاء 1 أبريل 2025) بشأن قائمتها لأغنى أغنياء العالم، ضمّت، كالعادة، اسم رئيس الحكومة أخنوش، المساهم الأكبر في مجموعة أكوا، بعد الرئيس التنفيذي لمجموعة الضحى أنس الصفريوي، والرئيس التنفيذي لمجموعة بنك أفريقيا عثمان بنجلون.

حلّ أخنوش في المركز الثالث لأغنى أغنياء المغرب، مع تسجيل تراجع ثروته من 1.7 مليار دولار عام 2024 إلى 1.5 مليار دولار هذا العام، ليحلّ في المرتبة 2233 عالمياً، و16 في القائمة الأفريقية التي يتقدّمها النيجيري عليكو دانجوتي بثروة تقدر بنحو 23.9 مليار دولار.

أخنوش لم يزدد إلا ثراءً، وتوسّعت استثماراته، وأيضا أرباحه، وصار متحكما في أكثر من قطاع حسّاس، وصانع سياسات، لذلك لم يترك العمل الحكومي لأزيد من 17 سنة، إذ لم يشعر بالحاجة، كما ماسك، للتفرغ لأعماله، لأن استثمارات أخنوش لم تتضرر بسبب استوزاره كل هذه الأعوام، بل تعاظمت.

أخنوش، العابر للحكومات منذ 2007، تقنوقراطياً أو “مصبوغا”، رفقة آخرين، عنوانٌ صارخٌ لشبهة تضارب المصالح، ولممكنات استفادة الثروة من السلطة، أو زواجهما.

في جلسة المساءلة البرلمانية، يوم الاثنين 16 دجنبر 2024، شاهدنا رئيس الحكومة أخنوش ينطق عن رجل الأعمال أخنوش. كان المشهد صادما وهو يستسهل دفاعه بصفته الحكومية عن فوز شركتي “أفريقيا غاز” و”غرين أوف أفريكا”، المملوكتين لهولدينع أخنوش، بصفقة ضمن شراكة مع القطاع العام لإنشاء محطة تحلية مياه البحر الدار البيضاء، التي أحدَثَ وترأسَ أخنوش نفسُه اللجنة الحكومية المسؤولة عن التعاقد، فبدا كمن يفاوض نفسه ويتعاقد معها، من موقعيْ رئيس الحكومة والمستثمر.

هذه واحدة من كثيرٍ من خلْطِ الرجل، والذي لا يحتاج معه إلى تبرير أو الشعور بالحاجة للتوضيح، كما لا تشعر مؤسسات الرقابة أنها معنية بأي تحقيق معه في شبهة تنازع وتضارب مصالح. والعام زين.

في بلدنا، قلّ أن يتضرر المستثمرون عندما يتولون المسؤوليات الحكومية، بل يزدادون ثراءً، لأن السلطة التي أصبحوا يحوزونها تفتح أمامهم طريق تطويع القوانين وإخضاعها. لذلك، لم نعد نستغرب تحوّل البرلمان إلى مؤسسة لإصدار قوانين التفاوت الطبقي، والانتفاع الشخصي، وتدبير مصالح الفئة. والدلائل سبق أن كتبناها ويحفظها الجميع، ولا فائدة في التكرار.

بل حتى “اللي كانو ما يكسابو ما يعلامو” إذا فهموا كيف تُمارس السياسة في المغرب، يبدون كمن عثر على كنز علي بابا. في لمح البصر يتحولون من “حفاةٍ عراة” إلى أثرياء “يتطاولون في البنيان”. وقلّ أن يسألهم أحد: “من أين لك هذا؟”.

وخلال العقد الذي سأل فيه الملك محمد السادس (يوم 30 يوليوز 2014 في خطاب العرش)، السؤال الشهير “أين الثروة”، يخبرنا في ما بعد تقرير “الثروة الأفريقية” لسنة 2024، والذي يرصد حجم الثروة في دول ومدن القارة، بأن عدد الأثرياء المغاربة ارتفع بـ35 بالمائة خلال العشر سنوات الأخيرة منذ سنة 2013. التقرير الذي تصدره شركة الاستشارات العالمية “هينلي أند بارتنرز” أوضح أن المغرب يضم 6800 مليونيرا (تتجاوز ثروتهم مليون دولار)، و4 مليارديرات، فيما بلغ عدد الأثرياء الذي تفوق ثروتهم الـ100 مليون دولار 32 شخصا. ولنتأكد أننا بلد الأغنياء، يشير التقرير إلى أن المغرب يُصنّف الخامس أفريقيا والأول مغاربيا من حيث عدد الأثرياء.

هؤلاء الأغنياء الذين “ينبتون كالفطر” في المغرب، يجاوِرون شعباً يزداد فقراً. وهم أنفسهم الذين أصبحوا قادرين على التأثير في الانتخابات، للهيمنة على البرلمان ومؤسسات التمثيل، لإصدار القوانين و”تسهيل أشغالهم”. أغنياء البلد (إلا من رحم ربّك) أصبحوا تجار مآسي: إذا وقعت حربٌ في العالم وارتفعت الأسعار يربحون هنا. وإذا ضرب زلزال يستثمرون في النكبة، وإذا جرفنا فيضان تجدهم في صفقاتِ إعادة التهيئة، وإذا عمّ جفافٌ يستثمرون في القحط، بالماء المُحلّى وغيره، ولا يرفّ لهم جفنٌ عن “تهريب المياه” إلى الخارج في زمن الندرة عبر المنتجات الفلاحية. وإذا ضربتنا جائحة لا يتيهون عن طريق تحقيق المكاسب بتفريخ المستشفيات، فيكون “زيت تأمينهم في دقيق مصحّاتهم”. وللاختصار، فلننظر كيف تعاظمت ثراوتٌ في المغرب خلال جائحة كورونا لنفهم.

وأخنوش “متحوّرٌ” في جينات رأس المال الوطني. لم يعد رجال الأعمال في حاجة إلى “وكلاء” لحماية مصالحهم، فقد دخلوها بـ”سبابيطهم”. ولا يخطئ القائلون بوجود تحوّل في طبيعة وظيفة النخبة الاقتصادية المحلية، التي لم تعد وظيفيةً على حاشية السلطة السياسية، بل تحوّلت إلى فاعل، ذا صوتٍ ونفوذ. ولربما بعض هذا التحوّر يجد تفسيره ضمن تحوّلات دولية يهيمن عليها رأس المال، ومن تبعاتها تفشي الفاشيات والخطابات العنصرية والشوفينية، وتدبير العلاقات الدولية بمنطق الصفقة، دون التفات للقانون الدولي والقيم الإنسانية.

ويربح أخنوش ويخسر ماسك لأنّ ثمّة فرقاً في البيئة التي تُمارس فيها السياسة والأعمال هناك وهنا، وفي تكاليف/ امتيازات العمل الحكومي عندهم وعندنا. فرق بين السماء والأرض، هو نفسه الفرق بين الديمقراطية واللاديمقراطية، وبين التزام القانون وانتهاكه، وبين دولة المؤسسات ودولة أهواء الأفراد، وبين وطنِ الفئة ووطنِ المواطنين.

قصارى القول

أن تكون ثرياً ليس تهمة. وأن تكون ثرياً وسياسياً ليست جريمة. وأن تكون ثرياً ومسؤولاً حكومياً قد يصبح ميزةً، بعدما استقر في القناعات أن رأس المال جبانٌ، وأنه لا يحبّ السياسة والأضواء، ويفضّل أن يُسَخِّر السياسة والسياسيين.

لا اعتراض على أن يكون أخنوش ثرياً. ولا اعتراض على وجود الأثرياء في الديناميات السياسية، وضمن المسؤولية الحكومية. الفكرة في الديمقراطية، وفي صيانة الدولة والسلم الاجتماعي، وفي احترام القانون. الفكرة في الشفافية، وفي تأمين مناخ أعمال سليم، يضمن التنافسية.

وظيفة رئيس الحكومة أن يصون مصالح الدولة، التي تتجسّد في حماية مصالح مواطني البلد. أما أن تتحول المسؤولية الحكومية إلى خدمةِ المصالحِ الخاصة، وإلى أداة من أدوات إدارة الأعمال، هنا ينشأ مشكل كبير. المشكلة أن يُسَخِّر رئيس الحكومة أو وزير صفته للدفاع عن استثمار خاص في البرلمان، أو للاستفادة من امتياز، أو أن يتدخل مسؤول حكومي، مثلا، لتعديل مشروع قانون للمالية يفوّت ملايير الدراهم على خزينة الدولة. والمشكلة أن يستثمر رأس المال موارده لإفساد السياسة وشراء الانتخابات، لوضع اليد على المؤسسات، حتى يشعر الناسُ أن الحكومةَ حكومةُ فئةٍ لا حكومةَ كل الشعب