story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

الحملات الممنهجة

ص ص

طفت إلى السطح في المغرب مؤخرا اتهامات جديدة للكثير من الجهات الداعمة لفلسطين والمناهضة للتطبيع بالعمالة للخارج، وخصوصا العمالة لدولة قطر العربية.

هذا الخروج الشرس والبشع ضد دولة قطر مؤخرا من طرف مجموعة من الشخصيات العمومية وصفحات وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يحمل بصمات التجييش غير التلقائي، ويذكرني بشكل كبير بما يحصل في أمريكا هذه الأيام والذي يعزف بنفس النغمة.

في الأيام الأخيرة، تم اتهام عدد من الصحافيين والمؤثرين الأمريكيين من طرف مساندي إسرائيل في الولايات المتحدة بأنهم يتلقون تمويلا من طرف دولة قطر. وتصدر قائمة الاتهامات اثنان من أشهر الصحافيين والمؤثرين في أمريكا من اليمين كاندس أووينز Candance Owens وتاكر كارلسونTucker Carlson .

اشتغل تاكر كارلسون لمدة طويلة لحساب قناة فوكس الإخبارية وكان أحد أهم صحافييها، حيث كان برنامجه يحظى بأكبر نسب مشاهدة في الإعلام الأمريكي. وحتى بعد خروجه من القناة لازال برنامجه الذي يقدمه بشكل مستقل الآن يحظى بنسب مشاهدة كبيرة جدا.

في المقابل، برز اسم كاندس أووينز كأحد القادة الأمريكيين من أصول أفريقية القليلين الذين ينتمون إلى صف اليمين الأمريكي، وكانت إحدى داعمي الرئيس ترامب في ولايته الأولى ثم الثانية. ثم التحقت فيما بعد بالمنصة الإعلامية ديلي واير المحافظة وكانت أحد أبرز نجومها، ليتم فصلها بعد فترة من الصراع المفتوح مع أحد نجوم المنصة الآخرين بين شابيرو حول رفضها دعم الولايات المتحدة لما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة.

هذان الصحافيان كانا قد عبّرا عن رفضهما لما تقدّمه أمريكا من دعم لا مشروط لأوكرانيا في حربها ضد روسيا. ومن أجل الحفاظ على اتساق قيمهما، رفضا كذلك تمويل أمريكا لما يحصل في قطاع غزة، كما رفضا تقبل حجم الدمار والتقتيل الذي عرفته الحرب في القطاع. لأجل ذلك تم مهاجمتهما خوفا من قدرتهما على التعبئة والحشد، خصوصا أنهما ينتميان للتيار الأيديولوجي المعروف تاريخيا بدعمه للفكر الصهيوني.

الشيء المضحك المبكي في الأمر هو أن من تلقى فعلا تمويلا من قطر وبالدليل الملموس هو حكومة نتنياهو التي تقود التقتيل في غزة وترفض الرضوخ لشروط الهدنة التي وقعت عليها بنفسها. حيث يتخبط نتنياهو في الأسابيع القليلة الماضية في بحر فضيحة اعتقل على إثرها اثنان من أقرب مساعديه، والتي مفادها أنهما تلقيا أموالا من طرف القطريين.

وهنا تكمن المفارقة: في الوقت الذي تحاول فيه حكومة نتنياهو شيطنة قطر، تلقى أشخاص قريبون منه أموالا من طرف قطر.

وبالعودة إلى بلدنا، يذكرنا بعض السابحين في فلك “كلنا إسرائيليون” بأن علينا مراعاة مصالح المغرب قبل أي شيء، لكنهم لا يطبقون هذه القاعدة على دول مهمة في ترسانة تحالفات المغرب، وأخص بالذكر هنا دولة قطر (التي تجمعنا بها علاقات اقتصادية وعسكرية مهمة وأحد الممولين المنتظرين لمشاريع التنمية المرتبطة بتنظيم كأس العالم)، ودولة تركيا التي تربطنا بها علاقات اقتصادية وعسكرية مهمة (عدد لا بأس به من الطائرات المسيرة التي غيرت قواعد الاشتباك في الأقاليم الجنوبية من صنع تركي، وقد تم الإعلان مؤخرا عن اتفاق بشأن تصنيع جزء منها في المغرب).

لكن المثير للانتباه هو سكوت نفس الأشخاص عن الاختراق الحقيقي والملموس لدول خليجية أخرى في المغرب. فهناك دولة خليجية أخرى استولت على أهم موقع إخباري الكتروني في المغرب، يمكنها من خلاله تصريف أي موقف أو توجه تريده.

كما أن اسمها متورط في عديد الصراعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما أظهرت هذه الحملة التي نراها أمام أعيننا بأننا فعلا أمام معايير مزدوجة في التعامل مع من يسب قادة هذه الدول. خصوصا أننا رأينا أناسا يتابعون في قضايا تتعلق بالإساءة لقادة دول أجنبية، لكن لا شيء يحصل فيمن يسب قادة دول أخرى (قطر، تركيا، فرنسا في مرحلة ما، الجزائر دائما…).

فهل الإساءة مسموحة في حق بعض القادة وممنوعة في حق البعض الآخر؟ وأين يتم الإعلان عن لائحة من يمكن انتقاده ومن لا يمكن انتقاده؟ مثلا، في مرحلة ما، كان انتقاد ماكرون هو عملة الكثيرين في وسائل التواصل، ثم انتقلوا إلى مدحه بعد عودة المياه إلى مجاريها مع فرنسا. فأين تم إخبارهم بذلك؟ وكيف لنا أن نتأكد من التحديثات في هذه اللائحة؟

المتابع للنقاش في المغرب والولايات المتحدة يلاحظ تشابه النقاط التي يطرحها مناهضو المقاومة في غزة في كلا البلدين، بل وعبر العالم ككل. كما سيلاحظ تبديل هذه النقط التي يطرحون كلما تم استهلاكها بشكل كبير أو تفنيدها من طرف الإعلام أو المجتمع المجني أو عموم المواطنين.

لكن الثابت هو الدعم الذي تقدمه الشعوب لكل من يقاوم الاحتلال في أي نقطة في العالم، وعلى رأسهم الشعب المغربي الذي يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية وعربية وإسلامية وإنسانية وجب التعاطف معها ودعمها إلى حين تحقيق العدالة.