story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

خبراء يقاربون الاعتقال الاحتياطي بين الطابع الاستثنائي وواقع الممارسة المفرطة

ص ص

اعتبر خبراء قانونيون أن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد “يُحدث نقلة نوعية” في تدبير ملف الاعتقال الاحتياطي، من خلال تعزيز آليات المراقبة القضائية مبرزين أن تخفيف الاكتظاظ داخل السجون المغربية يتطلب تبني سياسات أخرى أكثر نجاعة مثل تقليل الاعتماد على الاعتقال الاحتياطي.

وقد جاء هذا النقاش ضمن ندوة علمية نظمت على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، الثلاثاء 22 أبريل 2025، حيث تبادل متخصصون في الشأن الجنائي والقضائي الرؤى حول مستجدات المشروع وأثره على الاعتقال الاحتياطي وفهم طبيعته والإشكالات التي يطرحها، إضافة إلى المجهودات التي بُذلت في هذا الصدد.

وفي السياق قال محمد أحداف، المتخصص في العلوم الجنائية، “إن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد أدخل تعديلًا جوهريًا على نظام الاعتقال الاحتياطي”، من خلال إخضاع قرارات وكيل الملك في قضايا الجنح، وقرارات الوكيل العام للملك في قضايا الجنايات، لمراقبة قضائية مباشرة في اليوم الموالي لاتخاذ قرار المتابعة في حالة اعتقال.

وأوضح أحداف، أن هذا التوجه الجديد “من شأنه أن يعيد نوعًا من التوازن بين أطراف الدعوى العمومية”، وخاصة بين النيابة العامة من جهة، والمتهم ودفاعه من جهة أخرى، مشيرًا إلى أن قضاة النيابة العامة، سواء على مستوى المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية، قد يخطئون في تقدير أسباب متابعة شخص في حالة اعتقال، وهو ما يستدعي فتح المجال أمام الطعن في هذه القرارات.

وأكد المتخصص في الشأن الجنائي أن المشروع الجديد يمنح المتهم ودفاعه إمكانية الطعن في قرار الاعتقال، بل وإلغائه إذا تبين لقاضي الموضوع أن قرار النيابة العامة تجاوز حدود السلطة المخولة قانونًا، أو لم يكن مؤسسًا على مبررات مادية ومنطقية وقانونية كافية.

وشدد أحداف على أن المغرب فتح من خلال هذا التعديل نافذة جديدة نحو مراقبة قرارات النيابة العامة، “بما يعزز الضمانات القضائية ويكرّس مبادئ المحاكمة العادلة”.

من جانبه، أكد عبد الجليل العينوسي، أستاذ العلوم الجنائية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، أن المشرع المغربي حرص على إعادة الاعتبار للطابع الاستثنائي للاعتقال الاحتياطي، بعدما أفرطت الممارسة العملية في اللجوء إليه بشكل مفرط، ما أفقده طبيعته الأصلية كمجرد إجراء احتياطي.

وأوضح العينوسي، أن المسطرة الجنائية الحالية تُقنن هذا التدبير باعتباره استثناء لا يتم اللجوء إليه إلا عند الضرورة، غير أن الواقع أظهر أن الاعتقال الاحتياطي أصبح يميل لأن يكون تدبيرًا رئيسيًا، وهو ما أثر سلبًا على أوضاع المؤسسات السجنية وعلى مبدأ قرينة البراءة.

وأبرز الخبير في العلوم الجنائية أن المشرع، من خلال المشروع الجديد، استحضر هذه الإشكالات وسعى إلى عقلنة وترشيد هذا التدبير، من خلال التنصيص على أنه لا يُلجأ إليه إلا عند تعذر تطبيق بدائل أخرى، مثل الكفالة أو الوضع تحت المراقبة القضائية.

وأضاف العينوسي أن المشروع نص على لائحة حصرية للأسباب المبررة للاعتقال الاحتياطي، ما يُقيد السلطة التقديرية للقاضي، ويُلزمه بربط اتخاذ هذا القرار بوجود مبرر قانوني واضح، وهو ما يمثل، في نظره، “توجهًا صائبًا واستجابة ملموسة للمطالب الحقوقية”.

وأشار إلى أن المشرع قلص من المدد القصوى للاعتقال الاحتياطي، سواء في قضايا الجنح أو الجنايات، في خطوة تهدف إلى حماية الحرية الفردية وعدم المساس بها إلا في أضيق الحدود، بما يعزز مكانة مبدأ قرينة البراءة ويحد من اللجوء غير المبرر إلى السجن قبل صدور حكم نهائي.

ومن جهته، قال زكرياء العروسي، القاضي الملحق برئاسة النيابة العامة، إن موضوع الاعتقال الاحتياطي يكتسي أهمية خاصة ضمن السياسة الجنائية، بالنظر إلى ما يطرحه من إشكالات قانونية وحقوقية، وما يقتضيه من توازن دقيق بين متطلبات العدالة وضمانات الحرية.

وأكد العروسي، أن رئاسة النيابة العامة، ومنذ تأسيسها، “أولت عناية كبيرة لهذا الملف، وهو ما تجلى من خلال عدد من المبادرات والتوجيهات الصادرة عن رئيس النيابة العامة، وفي مقدمتها المنشور رقم 1، الذي ركز في محوره المتعلق بحماية الحقوق والحريات على ضرورة ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، وعدم اعتماده إلا في الحالات التي تقتضيها الضرورة القصوى، مع الحرص على التطبيق السليم للقانون”.

وأشار المتحدث إلى أن هذه التوجيهات أثمرت نتائج ملموسة على أرض الواقع، حيث تراجع معدل الاعتقال الاحتياطي من حوالي 37 بالمئة خلال سنة 2023 إلى نحو 31 بالمئة بنهاية شهر دجنبر من سنة 2024، “وهو ما يعكس جدية العمل والجهود المبذولة من طرف رئيس النيابة العامة، وكذا قضاة النيابة العامة والمسؤولين القضائيين على المستوى الوطني”.

وخلص إلى أن الإجراءات التي تم اتخاذها خلال السنوات الأخيرة، ومن ضمنها إصدار دوريات عديدة تؤطر هذا الجانب، كان آخرها دورية صادرة سنة 2023، بشراكة بين رئيس النيابة العامة والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تدعو إلى إحداث خلايا مركزية وجهوية ومحلية لتتبع قضايا الاعتقال الاحتياطي بشكل أكثر نجاعة وفعالية.