خبراء ينتقدون التواصل العمومي خلال أزمة تسريبات “الضمان الاجتماعي”

انتقد أساتذة وخبراء في مجال التواصل الاستراتيجيات المعتمدة من قبل الحكومة المغربية ومختلف المؤسسات العمومية في تدبير الأزمات، مشيرين إلى أن آخر مثال على ذلك هو الاختراقات السيبرانية التي تعرض لها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، وذلك خلال فعاليات النسخة السابعة من الملتقى الدولي للتواصل والفضاء العام بالمغرب، المنظمة تحت عنوان: “تواصل الأزمات، المخاطر، والكوارث متعددة الأبعاد: الاستراتيجيات العمومية والإعلامية لعالم متغير”.
وفي هذا السياق، قالت حنان برادي، أستاذة باحثة في مجال التواصل بجامعة القاضي عياض بمراكش، خلال مداخلتها بالملتقى الذي نُظم برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الاثنين 21 أبريل 2025، إن “مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لم تقم بالتواصل في الوقت المناسب بعد وقوع التسريبات”.
وأوضحت الباحثة أن “الفراغ الزمني في الأزمات يشكل خطرًا يجب تفاديه، خصوصًا في مجال الأمن السيبراني، إذ يجب أن تكون نسبة الخطر صفرًا”، موضحة أن “غياب رد فعل سريع وأوضح في التواصل العمومي خلال الأزمات يعزز انتشار التضليل ويضعف شرعية المؤسسات في نظر الجمهور”.
وشددت برادي على أن التواصل العمومي في زمن الأزمات “يفترض أن يأخذ شكلا خاصا، بحيث يجب أن يكون استباقيًا وسريعًا وواضحًا، لأن الأزمات تتطلب أنشطة اتصالية فعالة لإدارة تأثيرات الأحداث غير المتوقعة والتهديدية”، مشيرة إلى أن الهجوم السيبراني على (CNSS) يمثل “أزمة هجينة” ذات أبعاد أخلاقية ومؤسساتية ورمزية في نفس الوقت، ذات تأثيرات مرئية، وأخرى طويلة المدى لم تتضح بعد، لأن الحدث لا يزال حديثًا.
وانطلاقا من ذلك، اعتبرت أن الاستراتيجيات المبنية على الشفافية، والتنسيق بين المؤسسات، والتأقلم مع الوسائط الرقمية، تساهم في التحكم في التضليل والحفاظ على ثقة المواطنين، مؤكدة أن التواصل العمومي هو مجموعة من ممارسات نشر المعلومات والحوار والتأثير التي تقوم بها المؤسسات العمومية تجاه جمهورها.
وفي تفسيرها لأبعاد الأزمة السيبرانية، أوضحت المتحدثة أن الهجوم السيبراني هو كل هجوم معلوماتي يستهدف نظامًا معلوماتيًا أو حاسوبًا أو خادمًا منفردًا، وقد يؤدي إلى تدمير المؤسسات، كما لفتت إلى أن متوسط تكلفة اختراق البيانات يصل إلى 4.5 مليون دولار، إذ تشمل هذه التكاليف اكتشاف الحادث، والتدخل بعده، وخسائر الإيرادات، وتراجع سمعة المؤسسة، مشيرة إلى أن الثقة تضيع تدريجيًا، وهو ما يبرز بحسبها خطورة الوضع بالنسبة لمؤسسة مثل (CNSS).
وفي مداخلتها، قامت المتحدثة بتحليل شمل أربعة بلاغات رسمية صادرة عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) واللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP)، بالإضافة إلى ملاحظة ديناميكية لمنصة “فيسبوك” وتحليل مقالات أزيد من 15 وسيلة إعلامية وطنية ودولية، حيث أشارت إلى أن التحليل ارتكز على شبكات متعددة، منها شبكات البلاغات الرسمية، والمحتوى الصحفي، وشبكات التواصل.
وفي هذا الصدد، قالت إن البلاغ الأول لـ (CNSS) نُشر على فيسبوك بالعربية، لكنه لم يعرف تفاعلاً يُذكر، حيث لم يحظ سوى بـ65 مشاركة من طرف النشطاء على الموقع، كما أضافت أن محاولة الدخول إلى موقع الصندوق كانت تواجه المستخدمين بتنبيه مفاده “لقد تعرضنا لهجوم سيبراني” مع تقديم بعض التوصيات الأمنية.
وانتقدت الباحثة هذا التأخر في الاستجابة، مؤكدة أنه لم يكن بالأيام وإنما بالساعات، وهو ما ساهم في انتشار الشائعات والمعلومات الزائفة في ظل غياب الشفافية، مشيرة إلى أن هذا التأخر أدى إلى تداول وثائق مزيفة، من بينها لوائح أجور نُسبت لعدد من الشخصيات، بحيث لم يعد من السهل التمييز بين الصور الحقيقية والمفبركة.
وبالعودة إلى مضمون الخطابات الرسمية، أن “الاعتراف بالمسؤولية كان جزئيًا، إلا أنه لم يتم تقديم اعتذارات صريحة للمواطنين المتضررين من تسريب معطياتهم الشخصية الحساسة”، وذلك رغم أن القانون 08.07 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية ينص على ذلك، كما أضافت أن الخطاب “غاب عنه التعاطف مع المؤمَّنين الذين تضرروا من تسريب أزيد من آلاف الملفات (PDF) ومعطيات ملايين المنخرطين”.
كما انتقدت الأستاذة الباحثة غياب التنسيق بين المؤسسات المعنية، حيث صدرت بلاغات كل (CNDP) و(CNSS) بشكل منفصل، وكانت الاستجابة ضعيفة ومشتتة، مشيرة إلى أن الخطاب الأخلاقي غاب كذلك، إذ لم يتم التطرق لحقوق المواطنين الرقمية في ظل هذه الأزمة.
وتطرقت أيضًا إلى انتشار التضليل، مشيرة إلى أنه “تفوق من حيث السرعة على البلاغات الرسمية، مما فتح المجال لنظريات المؤامرة والبلاغات الزائفة”، حيث أوردت أن “الفضاء الرقمي أصبح غير مراقب، مليئًا بالإشاعات، والمعلومات المضللة، والتلاعب بالمعطيات”.
وخلصت برادي إلى أن الأمر لم يعد يخص (CNSS) فقط، بل الدولة ككل، متسائلة عن موقع المغرب من الإصلاحات الرقمية بعد هذا الاختراق، وعن مآل الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها في هذا المجال دون أن تظهر آثارها على أرض الواقع، كما أشارت إلى أن (الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية وعددًا من المؤسسات الأخرى أغلقت مواقعها بشكل احترازي، ما يعكس خطورة الوضع، خصوصًا بعد استهداف مواقع مؤسسات أخرى كوزارة الفلاحة.