البوحسيني لليساريين: بركة من اعتبار أنفسنا نموذجا في الديمقراطية.. الإسلام ليس عائقا!

في مداخلتها أمام الجامعة الربيعية لفيدرالية اليسار الديمقراطي، المنظمة في الجديدة من 18 إلي 20 أبريل 2025، لم تتردد الأستاذة والمناضلة النساية لطيفة البوحسيني، في الجهر بأن الإسلام ليس عائقا أمام التحرر، بل قد يكون منبعه ورافدا له، إذا استُحضر في بعده التنويري والاجتهادي.
واستحضرت البوحسيني الدروس التي تقدمها الأنثروبولوجيا، والتي تقول إن تراتبية الجنسين كونية وتعود إلى ما لا يقل عن 8000 سنة، وتظهر بأشكال مختلفة في كل الحضارات، ومنها من استخدم الدين لتثبيت هذه البنية، ومنها من استخدمه للتحاور معها أو تجاوزها.
وقدّمت المناضلة النساية نماذج مشرقة من تاريخ الفقه المغربي، منها فتوى ابن عرضون في القرن السابع عشر بمنطقة جبالة، والتي أكدت حق النساء العاملات في الأجر العادل.
كما أشادت بمواقف فكرية من قبيل دفاع الحجوي عن تعليم الفتيات، وموقف شيخ الإسلام بلعربي العلوي من مسألة الحجاب، وتصريح علال الفاسي في “النقد الذاتي” بضرورة منع تعدد الزوجات.
وتناولت البوحسيني واحدة من أعمق المعضلات الفكرية والسياسية في نضال النساء: صراع الكونية والخصوصية، مشيرة إلى أن هذا الصراع تطور إلى ما يشبه المواجهة الهوياتية، حيث أضحت القضية النسائية مجرد ذريعة لصراع أكبر حول الهوية، وهو ما ترى فيه انعكاسا للهيمنة الفكرية التي مارستها المركزية الأوروبية عبر التاريخ.
وأكدت المتحدثة نفسها أن الغرب الاستعماري تعامل مع المجتمعات المستباحة بخطاب عنيف، يربط وضعها المتأخر بالمعتقدات الدينية، ويؤسس لتراتبية تجعل من الديانة الإسلامية مرادفا للتخلف، وهو ما ولّد رد فعل دفاعي، أدخل اليسار في مأزق خوض الصراع وكأنه يدافع عن كونية مفروضة من الخارج.
واختتمت البوحسيني مداخلتها بالتأكيد على أن اليسار مطالب بمراجعة شاملة لموقفه من هذه الصراعات الهوياتية، داعية إلى تمكين المثقفين والفاعلين من الاجتهاد داخل المرجعية الحضارية الإسلامية للدفاع عن الحريات والمساواة، والذهاب حتى إلى طرح العلمانية من داخل هذا السياق الحضاري، لا خارجه.
وحذّرت من أن الصراع الهوياتي لا يخدم سوى قوى الإعاقة، ويديم انقسامات داخل المجتمع، في وقت تتطلب فيه المعارك الاقتصادية والاجتماعية تقاربا وتنسيقا بين مختلف التيارات. وختمت البوحسيني مداخلتها بالقول: “بركة من اعتبار أنفسنا نموذجا في الديمقراطية.. لا أحد يمتلك الحقيقة، وعلينا أن نقترب من بعضنا لمصلحة هذا الوطن.”
وأكدت البوحسيني أن الحركة النسائية المغربية نجحت في التأصيل لمطالبها الحقوقية داخل المرجعية الإسلامية ذاتها، في مسعى واعٍ لتجاوز الثنائية الزائفة بين “الكونية” و”الخصوصية”.
وشدّدت المتحدثة نفسها على أن الإصلاح لا يمر بالضرورة من القطع مع المعتقد، بل من التفاعل النقدي معه ومن داخله، داعية إلى أن يكون الدفاع عن المساواة والحرية جزءا من خطاب ديني مستنير، لا مناكفا له.
واعتبرت البوحسيني أن واحدة من أبرز مكتسبات الحركة النسائية المغربية، هي قدرتها على التأصيل لمفهوم المساواة بين الجنسين من داخل المرجعية الدينية التنويرية، في تزاوج واعٍ مع مبادئ حقوق الإنسان. وبذلك صارت القضية النسائية محطّ اهتمام الجميع، وليست حِكرا على النخبة النسائية فقط.
ومن الإنجازات التاريخية التي سلطت عليها الضوء، نجاح الحركة في رفع طابع القداسة عن نصوص مدونة الأسرة، وهو ما لم يكن أحد يجرؤ على مناقشته، نظراً لاختصاص إمارة المؤمنين به، وفق الأعراف السياسية والدستورية للمغرب. “لكن، وبدعم من قوى ديمقراطية، خصوصا من داخل اليسار، أصبح بالإمكان اليوم النقاش العلني لقضايا كبرى مثل الإرث الذي يقول البعض بارتباطه بنصوص قطعية”.
وأبرزت المتدخلة نفسها كيف ربطت الحركة النسائية المغربية نضالها الديمقراطي بقضية تحرير المرأة، واعتبرت أن مساهمتها كانت حاسمة في خلق مساحات سياسية جديدة سمحت بنقاش واسع حول حقوق النساء، خاصة في ارتباطها بقضايا الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وأوضحت البوحسيني أن الحركة اشتغلت على رهانات كبرى أبرزها إصلاح مدونة الأسرة، باعتبارها مدخلا أساسيا ضمن معركة الحقوق المدنية، مؤكدة أن النضال النسوي لم يكن مجرد ترافع فئوي، بل كشف تداخلات معقدة بين الديني والسياسي والثقافي والاجتماعي.
ثم تحدثت البوحسيني عما سمّته مرحلة الفتور التي دخلتها الحركة النسائية منذ سنة 2004، مرجعة ذلك إلى فكّ الارتباط الضمني وغير المعلن مع القضايا الحيوية للمجتمع، وعلى رأسها قضية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وقالت الأستاذة الجامعية إن الموقف النسائي بدا، في كثير من اللحظات، خافتا وغير واضح به تجاه هذه القضايا المركزية.
وفي توصيفها للوضع الراهن، قالت البوحسيني إن المغرب يشهد أزمة متعددة الأوجه: احتقان، وانحباس سياسي، وتحولات مجتمعية عميقة، طالت بنية الأسرة والقيم والمعايير.
ورغم هذا الوضع، فإن ما يبعث على الأمل، حسب تعبيرها، هو الحضور اللافت للنساء في مختلف الحراكات الاجتماعية، بما فيها مسيرات التضامن مع غزة. “النساء اليوم لم يعدن مجرد ضحايا، بل صرن فاعلات يطالبن بتغيير الواقع، بأجسادهن، ووعيهن، وتحديهن”.