الملاطي: المقاربة الأمنية وحدها غير كافية لمواجهة شغب الملاعب

أكد هشام الملاطي، مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل، أن المقاربة الأمنية والزجرية، رغم أهميتها، لا يمكن أن تكون الحل الوحيد لظاهرة الشغب المرتبط بالملاعب، مشدداً على ضرورة بلورة سياسة جنائية شاملة تتكامل مع سياسات عمومية أخرى لضمان مواجهة فعالة لهذه الظاهرة المركبة.
وقال الملاطي، خلال مشاركته في الندوة التي نظمها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، بشراكة مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن، حول موضوع “العنف المرتبط بالرياضة”، الثلاثاء 15 أبريل 2025، إن “ظاهرة الشغب الرياضي لا يمكن اختزالها ضمن الجرائم الكلاسيكية، بل تتسم بخصوصيات تجعل منها إشكالاً مركباً يتجاوز الفعل الإجرامي المباشر”، مشيراً إلى أن معالجة الظاهرة تقتضي التنسيق بين الفاعل الأمني، وصاحب القرار السياسي، والمشرّع، إلى جانب منظومة الإعلام والتواصل، والهيئات المشرفة على القطاع الرياضي، من أندية وجامعات.
وأوضح المتحدث، في الندوة التي تحتضنها الرباط، أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الملاعب، بل تتخذ امتدادات مقلقة في الفضاء العام، إذ تنتقل أجواء التوتر والصراع إلى الأحياء والطرقات، ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى شبكات البث المفتوح، مؤكداً أن الخطورة لا تكمن فقط في الحدث الرياضي بل في ما يخلفه من تداعيات أمنية واجتماعية تمتد زمنياً ومجالياً.
وسجل المسؤول الوزاري أن الجمهور ليس دائماً هو المتسبب في هذه السلوكات، مبرزاً أن بعض الشرارات التي تؤدي إلى الانفجار قد تصدر عن أطراف أخرى، كأعضاء في الطاقم التقني، أو مسؤولين إداريين، أو حتى ناطقين رسميين باسم الأندية، من خلال تصريحات أو بلاغات تُسهم في تأجيج مشاعر الجماهير وتحريضها.
وقال: “شهدنا حالات كثيرة كان فيها مجرد بلاغ أو تصريح صحافي سبباً مباشراً في اندلاع أحداث عنف، وهو ما يطرح إشكالية التكوين في مجالات التواصل الرياضي والتعامل مع الرأي العام”.
وأشار مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة بوزارة العدل إلى أن المخدرات تُعد هي الأخرى، عاملاً مؤثراً في سلوكات عدد من المتورطين في الشغب، مضيفاً أن “العديد من الحالات تكون في وضعية ذهنية غير متزنة، نتيجة استهلاك مواد ممنوعة، ما يستدعي تضافر الجهود الأمنية والاجتماعية والصحية لمحاصرة هذه الظاهرة ضمن الملاعب وفي محيطها”.
وتوقف الملاطي عند معضلة تسلل عناصر غريبة إلى الملاعب، لا تنتمي فعلياً إلى الجماهير المنظمة، وإنما تستغل الحدث الرياضي لتنفيذ أفعال إجرامية أو الاتجار بالممنوعات، مما يؤدي إلى مواجهات دامية داخل المدرجات، مؤكداً أن “المؤشرات الأمنية والقضائية تبيّن أن أغلب المتورطين في مثل هذه الأحداث هم قاصرون، وهو ما يستدعي التفكير في آليات وقائية، من بينها تقييد دخول الملاعب بشرط وجود أولياء الأمور أو مرافقين راشدين”.
وفي ما يتعلق بالإطار التشريعي، أوضح المصدر أن القانون 09.09 المتعلق بزجر الشغب داخل الملاعب صدر منذ أكثر من 14 سنة، في سياق مختلف، وبرؤية أمنية ركزت بالأساس على تجريم عدد من الأفعال وتشديد العقوبات التي قد تصل إلى خمس سنوات حبسا نافذاً، مؤكداً أن “الوقت قد حان لمراجعته وتحيينه، بما يستجيب لتطور الظاهرة وتراكمات الممارسة الرياضية والأمنية والقضائية”.
وأضاف الملاطي أن مدونة التأديب الرياضي تتضمن مقتضيات يمكن توسيع مجال اعتمادها، خاصة تلك التي تحمّل الأندية مسؤولية مباشرة في حال اندلاع شجار أو عنف بين الجماهير، يتعذر معه تحديد هوية المتورطين.
وتقاسم الملاطي مع المشاركين تجربة ميدانية له بهولندا، ضمن لجنة استطلاعية اطلعت على طريقة تدبير السلطات الهولندية للعنف داخل الملاعب، مستعرضاً نموذج مدينة أمستردام، حيث يتم تشكيل لجنة ثلاثية تضم عمدة المدينة، ورئيس الأمن، وممثل النيابة العامة، للإشراف على تأمين كل ما يحيط بالمباراة، ليس فقط داخل الملعب، وإنما على مستوى المدينة بأكملها.
وأوضح أن الملعب نفسه يخضع لتدبير مماثل من طرف لجنة إقليمية تتوفر على تجهيزات متطورة، تشمل أنظمة كاميرات ومراقبة دقيقة، إلى جانب تدابير تنظيمية صارمة، من بينها منع جماهير الفريق الزائر من التنقل عبر السيارات، وإلزامهم باستعمال القطار، مع ولوجهم إلى المدرجات عبر نفق مباشر يربط محطة القطار بالملعب، ما يمنع أي احتكاك بالجمهور المضيف أو تجول في المدينة.
وختم الملاطي مداخلته بالتأكيد على أن معالجة ظاهرة الشغب الرياضي تستلزم تصوراً وطنياً شاملاً، قائماً على استراتيجيات متكاملة ومتعددة المداخل، تتلاءم مع خصوصيات كل بلد، بدل استيراد نماذج جاهزة لا تراعي الخصوصية الاجتماعية والثقافية والسياقية للمجتمعات.