بعد دمج “قسد” في الدولة السورية.. هل يعيد المغرب نساءه المحتجزات لدى الأكراد؟

أعلنت الرئاسة السورية، يوم الإثنين 10 مارس 2025، توقيع اتفاق بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، يقضي باندماج الأخيرة في مؤسسات الدولة، وتأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، في حدث وصف بأنه نقطة تحول في سوريا الجديدة.
في هذا السياق، يبرز ملف المغربيات المحتجزات مع أطفالهن في مخيمات تابعة لقوات سوريا الديمقراطية، ذات الغالبية الكردية، وكان مراقبون يرون أن المغرب يفضل التعامل في مثل هذه الملفات مع المؤسسات الرسمية للدولة بدلاً من التنظيمات المسلحة في المنطقة. فهل يمثل اندماج “قسد” في مؤسسات الدولة فرصة للرباط لبحث مسألة إجلاء مواطنيها عبر التنسيق مع الإدارة السورية في دمشق؟
تفاهمات قريبة
في هذا الصدد، قال محمد الطيار رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن مشكل العائلات والأطفال والمعتقلين المغاربة يطرح باستمرار، خاصة مع أي مستجدات أو تحولات تعرفها المنطقة.
وأشار الطيار إلى أن المغرب “ليس البلد الوحيد الذي يواجه هذه الإشكالية ”، إذ إن المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية ينتمون إلى نحو ستين جنسية مختلفة.
وأوضح الخبير الأمني أن “هناك العديد من العوائق التي تواجه المغرب في التعامل مع هذا الملف”، لكنه توقع أن يتم التوصل إلى تفاهمات بين الرباط ودمشق لإيجاد حلول لهذه الأزمة، “التي تحمل طابعاً أمنياً بالدرجة الأولى”، وذلك في ضوء إعلان اندماج قوات سوريا الديمقراطية والهيئات المدنية في شرق الفرات ضمن مؤسسات الدولة السورية.
وأضاف الطيار أنه من المرجح أن يُطرح ملف المغربيات المحتجزات لدى “قسد” ضمن إطار العلاقات الثنائية والتعاون الأمني بين سوريا والمغرب مستقبلاً، من خلال مبادرات دبلوماسية، على غرار الزيارة التي قام بها وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، إلى العراق لمناقشة قضية مشابهة.
ويُقدَّر عدد النساء المغربيات المحتجزات في مخيمات شمال سوريا، التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بنحو 100 امرأة مع 259 من أطفالهن. يتوزعون على عدة مناطق أبرزها مخيمي الهول والروج، الواقعين شرق محافظة الحسكة. كما يبلغ عدد الرجال المغاربة المعتقلين هناك حوالي 130 شخصاً، إضافة إلى 25 طفلاً مغربياً يتيمًا. وتستند هذه الأرقام إلى معطيات للتنسيقية الوطنية لعائلات المغاربة المحتجزين في سوريا والعراق.
ملف سابق لأوانه
من جانبه، يرى الخبير الأمني محمد أكضيض، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن إثارة ملف المغربيات المحتجزات في سوريا اليوم “سابق لأوانه”، مشيراً إلى أن المغرب سينتظر فترة حتى يتم إرساء الوحدة في سوريا، والتي “ظهرت بوادرها بدخول قوات سوريا الديمقراطية إلى الاتفاق مع أحمد الشرع الرئيس الانتقالي لسوريا”.
وقال أكضيض إن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بنظيره السوري أسعد الشيباني في مكة المكرمة، الخميس الماضي، لم يتضمن تفاصيل رسمية بشأن عدة ملفات، بما فيها ملف المغربيات في سوريا، إذ أنه تم الإعلان عن عموميات فقط عبر بيان وزارة الخارجية.
وأضاف المتحدث أن هذا الملف “شائك ومعقد، ولا يمكن أن يكون موضوع بلاغات حالياً”، مشيراً إلى أنه يستدعي تعاوناً بين المملكة المغربية والدولة السورية.
وكان ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، قد أجرى، يوم الخميس 6 مارس 2025، بمكة المكرمة، مباحثات مع وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد حسن الشيباني.
وصرح بوريطة لوكالة المغرب العربي للأنباء، حينها، بأنه تم خلال هذا اللقاء تأكيد دعم المغرب لوحدة سوريا وسيادتها الترابية، وأيضا، التذكير بما عبر عنه الملك محمد السادس، للرئيس أحمد الشرع من دعم لكل ما يحقق طموح الشعب السوري.
واعتبر أكضيض أن عدم التطرق إلى ملف المغربيات المحتجزات خلال الاجتماع يعكس “عدم كونه أولوية حالية بالنسبة للدولة السورية”، لكنه توقع أن يطرح المغرب هذا الملف في المراحل القادمة.
ويشدد الخبير الأمني على أن المغرب “لن يتخلى عن النساء المحتجزات في المخيمات مع أطفالهن”. ولفت إلى أنه تبرز أيضاً إشكالية تتعلق بالأطفال الذين ولدوا في الأراضي السورية. كما أوضح أنه في حال إذا ثبت أنزبعض المحتجزين لم يكونوا مشاركين في جماعات إرهابية مثل داعش أو القاعدة سيتم أخذ وضعهم بعين الاعتبار، وفقاً للمتحدث.
ويرى أكضيض أنه في ظل استمرار اللقاءات الرسمية بين الرباط ودمشق، فإن هناك “إمكانية لدراسة هذا الملف المعقد الخاص بالمغربيات، وكل من يحمل الجنسية المغربية في سوريا، وسيتم التعامل معه بشكل دقيق”.
أما بخصوص المشاركين في الأعمال الإرهابية، فيقول الخبير الأمني إن القضاء هو الكلمة الفصل بشأنهم. هذا مع النظر في إمكانية الإدماج في المجتمع المغربي، أو اتخاذ أية تدابير أخرى “تصب في مصلحة أولئك الذين تم تضليلهم أو غُرر بهم للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية”.
ويشير المتحدث إلى أن الدولة السورية تركز حالياً على استتباب الأمن، وبسط سيطرتها على جميع أنحاء البلاد، لمنع ظهور أي قوى مسلحة جديدة تعارض الرئاسة السورية.
وفي ظل الوضع غير المستقر في سوريا، يرى أكضيض. أن “مسألة المغربيات وأطفالهن، ستتطلب مزيداً من التريث”، مشيراً إلى أن المغرب لم يتخذ أي خطوة رسمية في هذا الملف حتى الآن، في انتظار توفر الظروف المناسبة لبحثه مع الجانب السوري.