الجزائر تلجأ إلى “مراكز البحث” لشرعنة تقسيم الصحراء

في أكتوبر 2024 من السنة الماضية، فوجئ الرأي العام، المتابع لملف النزاع الإقليمي، بشأن “الصحراء الغربية” بمقترح تقدم به الوسيط الأممي دي مستورا، من خلال الدعوة إلى اقتسام الإقليم، بين المغرب وجبهة البوليساريو.
والملاحظ أن المقترح، لم يكن في الأصل، إلا مناورة مكشوفة من الجزائر، لإرباك الخط التصاعدي، الذي يحظى به مقترح المغرب، بشأن تخويل الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا، مع ما يواكب هذا المقترح من جهود، غير مسبوقة، لتأهيل وتطوير البنية الأساسية للإقليم، وتحويلها إلى منصة لوجستية للربط بين الشمال والجنوب، سواء في سياق مبادرة التجمع الأطلسي، وما يتصل به من خط الغاز أو من خلال مبادرة الساحل والصحراء.
وغير خاف، أن هذه المبادرة، التي تقودها المملكة المغربية، تستند إلى فهم عميق لمتطلبات تدبير” النزاع الاقليمي” وما يتطلبه من إصرار على نقل النزاع من دائرة “المواقف” إلى دائرة “المصالح” المؤطرة ضمن رهان السلم والأمن الدوليين، وضمن حيثيات وخلفيات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن في موضوع نزاع الصحراء، والتي طالما ربطت أفق الحل السياسي الواقعي، بما يمكن أن يوفره من إمكانات للتكامل بالفضاء المغاربي ويمنحه من فرص متجددة نحو الساحل والصحراء.
إن مشروع أو مبادرة “تخويل الصحراء حكما ذاتيا”، وإن كان يشكل تنازلا مؤلما بالنسبة للدولة المغربية وطبيعتها، فإنه من جهة أخرى، يقع في قلب استنتاجات وملاحظات الوسيط الأممي السابق بيتر فالسوم التي أوردها الأمين العام للأمم المتحدة في الفقرة 34 من تقريره الوثيقة S/2006/249″ أن الخيار المتبقي، هو اللجوء إلى إجراء المفاوضات المباشرة، التي ينبغي إجراؤها دون شروط مسبقة، وينبغي أن يكون الهدف منها، هو إنجاز ما ليس بوسع خطة أخرى إنجازه، أي التوصل إلى حل توفيقي بين الشرعية الدولية والواقع السياسي”.
والملاحظ أن مقترح “التقسيم “الذي عاد دي مستورا إلى الترويج له، بمناسبة الإحاطة التي قدمها أمام مجلس الأمن في أكتوبر 2024، هو في الأصل مقترح جزائري، سبق الترويج له من طرف الوسيط الأممي جيمس بيكر، في أعقاب تقديمه لمشروع الاتفاق الإطاري بشأن مركز الصحراء “الغربية”، حيث جاء في الفقرة 43 من الوثيقة S/2003/565.
“وبسبب موقفي الطرفين اللذين يتعذر التوفيق بينهما فيما يتعلق بإمكانية التفاوض بشأن تغييرات في مشروع الاتفاق الإطاري، الذي تفضله المغرب أو اقتراح تقسيم الإقليم الذي تفضله الجزائر وجبهة البوليساريو” التقرير الصادر بتاريخ 23 ماي 2003 عملا بالقرار رقم 1469(2003).
الجديد اليوم أن الجزائر وهي تتوجه نحو “مراكز الاختصاص” لشرعنة مقترح التقسيم، تكشف بقصد أو غير قصد عن طبيعة هذا التقسيم المقترح، الذي سعت “الباحثة”HANNAH RAE ARMSTRONG إلى الترويج له، ففي الورقة المكتوبة من محبرة الغاز والبترول، تستدعي الباحثة قراءة انفعالية متسرعة لبعض النزاعات التي تميزت بالجمود، قبل أن تنفجر، بشكل مفاجئ وتربك الحسابات السياسية والاقتصادية.
والباحثة بسلوكها الانتقائي، إنما سعت لممارسة نوعا من الترهيب أو التهديد بإمكانية تحول السباق نحو التسلح بين الجزائر والرباط إلى حرب مفتوحة وشاملة مع يمكن أن يترتب عن هذه الحرب من تداعيات مرتبطة بالهجرة وتداعياتها.
والملاحظ أن الباحثة، لجأت للتهديد بالحرب المفتوحة وتداعيات الهجرة، لتسوغ مقترح دي مستورا في احاطته أمام مجلس الأمن، بل واعتبرته “تطورا ايجابيا”. وللحفاظ على المساحة المطلوبة بين متطلبات البحث المهني وهدف الترويج للمقترح القديم-الجديد، لم يفت الباحثة اعتبار “التقسيم خيارا غير جذاب، خاصة في قارة تعرضت لصدمات جراء الطريقة التي قامت بها القوى الاستعمارية بتقسيم المجتمعات بشكل عشوائي”
إقرار الباحثة بتعرض القارة الأفريقية لصدمات جراء مخططات التجزئة التي شملت الدول والشعوب، أصبحت في خبر كان، حينما عادت للتذكير وبشكل انتقائي ومجتزأ ببعض من وقائع السياق التاريخي لاحتلال وتقسيم المغرب، خاصة عندما ربطت بين استعادة المغرب لأقاليمه الجنوبية، ورهان ما أسمته “تحويل انتباه الرأي العام المغربي وتوجيهه، كما أن مفهوم” المغرب الكبير ” يستحضر مجد المملكة التاريخي”.
لو أن الباحثة حافظت على الحد الأدنى من الانسجام، بمناسبة حديثها على ما تعرضت له القارة الأفريقية، من صدمات جراء التقسيم الاستعماري، لتأكدت وبالملموس أن المغرب الكبير بمجده التاريخي، هو العنوان الابرز والأكبر لأخطر مخطط للتجزئة والتقسيم.
ودون أن نقف كثيرا عند حجم المغالطات، التي سوقت لها الباحثة ،من خلال تعريفها لجبهة البوليساريو، بأنها تحالف كبير، أو من خلال الادعاء بأن الامم المتحدة، تعتبر جبهة البوليساريو، ممثلا شرعيا وحيدا للبوليساريو، علما أن وثائق الامم المتحدة ومقاربات مجلس الأمن المتصلة، بمخطط التسوية، تتحدث عن جبهة البوليساريو، كطرف في النزاع، فيما يبقى مطلب تحديد البنية السكانية أو الهيأة الناخبة المرتبط بالإقليم موضوع خلاف مركب، كانت الأمم المتحدة، تسعى من خلال مخطط تحديد الهوية، حصر هيأته الناخبة، لكنها فشلت لتعذر ضبط كل الإشكالات المرتبطة بتحديد الهوية، بالإضافة إلى المغالطات المرتبطة بوصف استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، ب”الاحتلال”، علما أن أدبيات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، صاحب الاختصاص الحصري في الموضوع، يصف المغرب “بالدولة القائمة بالإدارة”. وبناء على هذه الطبيعة والتوصيف القانوني، وبعد وصول مخطط التسوية إلى الباب المسدود، طلب المنتظم الدولي من المغرب باعتباره السلطة الفعلية القائمة بالإدارة، النظر في إمكانية التخلي عن بعض اختصاصاته، أما بشكل جزئي أو كلي، “لفائدة الصحراويين”.
إن الحديث عن “احتلال المغرب للصحراء” مخالف لكل المرجعيات التي تعتمدها الأمم المتحدة، وفي هذا السياق نذكر بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت توصية بتاريخ 20 دجنبر 1975, تحت رقم 3458(XXXB) وافقت من خلالها على اتفاقية مدريد الموقعة بتاريخ 14 نونبر 1975، وأوصى باستشارة السكان ونصت الفقرة الأولى منها، على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة “اخذت بعين الاعتبار معاهدة مدريد المبرمة في 14 نونبر 1975 بين حكومة موريتانيا والمغرب واسبانيا”.
وطلبت في الفقرة الرابعة من الإدارة المؤقتة “اتخاذ كافة الخطوات الضرورية لضمان حق سكان الصحراء المنحدرين من الإقليم في ممارسة تقرير المصير، من خلال استشارة حرة، بمساعدة ممثل عن الأمم المتحدة يعينه الامين العام”.
وبالتالي فإن الوجود المغربي، بالإضافة إلى كونه استرجاع لأقاليمه المستعمرة من اسبانيا، فإنه استند على توصية صادرة عن مجلس الأمن بموجب قراره 380(1975) والتي دعا من خلالها “الأطراف المعنية والمهتمة بالأمر إلى إجراء مفاوضات في إطار المادة 33 من ميثاق الامم المتحدة”. وبناء على هذه الدعوة، وقّع المغرب بتاريخ 14 نونبر 1975 مع موريتانيا وإسبانيا اتفاق مدريد المسجل لدى الأمم المتحدة بتاريخ 9 دجنبر1975 تحت رقم 14450 والذي انهت بموجبه مسؤوليتها على الاقليم.
أنشأ الاتفاق إدارة ثلاثية مؤقتة لإدارة الإقليم، وشدد على ضرورة احترام رأي السكان المحليين من خلال استشارة استفتائية.
وفي 18 نونبر اجتمع البرلمان الاسباني استثناء في العيون، وأقر الاتفاقية بأغلبية 345 صوت.
ونظمت الاستشارة الاستفتائية لفائدة أعضاء الجماعة الصحراوية بتاريخ 26 فبراير 1976 أي يومين قبل إجلاء القوات الإسبانية عن الصحراء.
هناك رسائل أخرى، لا تقل أهمية تضمنها الورقة، إما بفعل ما تحتويه من ترويج للمغالطات او بسبب لجوء الباحثة إلى ما يشبه إبراء دمة الجزائر من المسؤولية المباشرة، على دعم وتمويل خيار العودة إلى الحرب.
ومن تلك المغالطات ادعاء الباحثة ، أن فرار الصحراويين إلى مخيمات تندوف، كان نتيجة للحرب التي أعلنها المغرب بعد استرجاع الأقاليم الجنوبية. والحال أن المنتظم الدولي والأرشيفان الامريكي والفرنسي، يتحدثون عن وجود انوية مخيمات لحمادة قبل المسيرة الخضراء، وأن الجيش الجزائري الذي دخل في اشتباك مباشر مع القوات المسلحة الملكية، في معركتي “أمكالة الاولى” و”أمكالة الثانية ” في شهر فبراير 1976، لم يكن في نزهة لتقديم الورود، بل كان حينئذ يراهن بكل ما أوتي من عتاد على احتلال مناطق واسعة، مع العمل على اختطاف الصحراويين والزج بهم بمخيمات لحمادة كرهائن، لانهاك المغرب.
وغير خاف أنه خلال هذه المواجهات العنيفة التي خلّفت ضحايا من الجانبين، تمكن المغرب من أسر ما يزيد عن 100 ضابط وجندي جزائري، تم الإفراج عنهم لاحقا بوساطة مصرية…
واستمرارا، في إبراز أهمية التقسيم، فإن الباحثة لا تتردد في تبخيس مشروع مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007، بحيث تعتبرها “وثيقة غامضة من ثلاث صفحات تؤكد، في الواقع، سيادة الرباط على الاقليم المنازعات عليه”. المدهش أن هذا الحكم المترسع والانفعالي، يصدر عن باحثة في مجال بناء السلم وتدبير النزاع.
وفي سياق الحديث عن الوضع المنفلت بعد إعلان البوليساريو التحلل من الاتفاق العسكري واعلانها الحرب على المغرب، تورد الباحثة مغالطة مفضوحة بالادعاء بأن شن الطائرات المغربية لضربات جوية بطائرات مسيرة “أدى” حسب زعمها إلى “نزوح آلاف المدنيين الصحراويين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة البوليساريو”.
والحال أن هذا ادعاء مغرض ومناف للحقيقة، سيما وأن المنتظم الدولي وبعثة الامم المتحدة والمانحون من الغرب يدركون، بأن الصحراويين رهائن في مساحة محددة ومراقبة من طرف الجزائر بشكل مستمر. اما الأراضي الواقعة شرق الجدار، والمشمولة بمضمون الاتفاق العسكري، فيفترض فيها أن تكون خالية من المدنيين.
ومن أجل إبراء ذمة الجزائر، التي ومن أجل كسب ود الرئيس الامريكي ترامب، سربت مؤخرا ما يفيد انها رفضت تسليح جبهة البوليساريو، فإنه وفي سياق حديثها عن الوضع الراهن والمقارنة بين طبيعة ونوعية السلاح المغربي، تقول: “يتكون جيش البوليساريو، من عشرات الالاف من المقاتلين المسلحين بأسلحة تعود إلى حقبة الحرب الباردة، تبرعت بها ليبيا”.
وغير خاف أن الاصرار على ربط التسلح بمرحلة البدايات، حيث كان المصدر الأساسي للتسلح مرتبطا بليبيا ومغامرات الراحل القذافي، هي مجرد شطحات لابراء ذمة الجزائر الحاضن والممول الدائم.
للإشارة، فان تقارير الامين العام للأمم المتحدة الاخيرة، وسيل البلاغات الصادرة عن جبهة البوليساريو مند العودة إلى الحرب، يؤكد أن الجبهة كانت ولا زالت تحصل على أسلحة متطورة، سواء من الجزائر مباشرة او من بعض الأطراف الأخرى، وتكفي العودة إلى تقارير الأمين العام الأخيرة، لنقف في سياق تطور الاحداث على ما تقدمه المغرب والقوات المسلحة الملكية من بيانات حول الهجمات المتكررة على الحزام الرملي، بالإضافة إلى رصد في أكثر من مناسبة وجود طائرات مسيرة صغيرة فوق البنيات التابعة للقوات المغربية… فهل هذه الطائرات المسيرة، وإن كانت صغيرة، من مخلفات الحرب الباردة ودعم القذافي؟ أم ما هو مصدرها؟
بعد، تذكير الباحثة، بأن خيار التقسيم ليس خيارا جاذبا، تعود إلى اعتباره “هو المسار الأكثر وضوحا لمنح الطرفين ما يريدانه، بحيث سيسمح للمغرب بتحويل سيادته الفعلية “وغير القانونية” على حوالي ثلثي الإقليم إلى سيادة قانونية، وفي المقابل سيمكن جبهة البوليساريو، من الحصول على اعتراف “بدولة مستقلة”.
ولا تتردد الباحثة، في محاولة لشرعنة التقسيم، باعتباره سيوفر للمغرب الإطار القانوني لتجاوز حالة اللايقين، وبالتالي إعادة استقطاب الاستثمارات الكبرى المرتبطة بالغاز والبترول والطاقات المتجددة.
لتلجأ الباحثة إلى الترويج الفعلي لطبيعة وشكل التقسيم الذي تقترحه الجزائر بديلا عن التقسيم المنبثق عن الاتفاق الثلاثي تقول أن الاتفاق الجديد، سيتطلب حل قضايا حساسة، بما في ذلك تحديد خطوط التقسيم واتفاقيات التعاون.
وتزعم الباحثة وهي تتقدم تدريجيا في الكشف عن المقترح الجزائري، أنه وبالنظر إلى كون المغرب أطلق استثمارات ضخمة في الداخلة وواد الذهب، وبالنظر إلى كون حاضرة وادي الذهب خارج التقسيم القديم، فإن البوليساريو، يمكن أن تتخلى على الداخلة مقابل الحصول على امتيازات ومصالح في حقول الغاز والبترول. كما يمكن أن تحصل على الأراضي الموجودة شرق الجدار بدءا من الحدود مع تندوف، مرورا ببئر لحلو ، وصولا إلى المحيط الاطلسي، على الحدود المغربية المورتانية.
وبهذا “المقترح “الحلم”، تكون الباحثة في صلب المشروع الجزائري الذي تم الترويج له خلال مهام جيمس بكر ، وإن كانت طبيعته وتفاصيله، ظلت مجهولة.
وغير خاف أن هذا المقترح الجزائري، يستهدف أولا تحصين الحدود مع المغرب وإقبار أي تداعيات أو مطالب متصلة بحدوده الشرقية، وثانيا أنه يستهدف السيطرة القانونية على مجموع التراب المتواجد شرق الجدار الرملي وصولا إلى المحيط الاطلسي والحدود الموريتانية، في محاولة مكشوفة لفصل المغرب عن عمقه الإفريقي وإحكام مخطط محاصرته.
وفي محاولة لتسويغ “مقترح التقسيم” فإن الباحثة استندت من جهة إلى “فوبيا” التخويف والتهويل من إمكانية تحول التنافس المغربي الجزائري، وما يرافقه، من تسابق نحو التسلح، إلى مواجهة مسلحة مفتوحة، مع ما قد يترتب عنها من إشكالات الهجرة، كما تستند الباحثة إلى تقديم بعض من العروض التي تعتقد أنها محفزة للولايات المتحدة وللرئيس ترامب، لممارسة مزيد من الضغط على المغرب وحمله على قبول التقسيم.
وفي هذا السياق تتحدث الباحثة، عن تعزيز المصالح الاستراتيجية المشتركة بين الجزائر وأمريكا، وتقدم على سبيل المثال ما أسمته تراجع الجزائر على الانضمام إلى مجموعة “بريكس” فضلا عن الدور الذي لعبته الجزائر في إمداد الغرب بالغاز في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية.
كما لم تتردد الباحثة في الترويج لما أسمته مكاسب الشركات الأمريكية الكبرى، خاصة “ايكسون”، و”شيفرون”، و”اكسيدنتال”.
الوثيقة الترويجية، كشفت عن الوجه الاخر لدولة العسكر، حيث تبدو الدولة التي طالما رددت على أسماعنا تمسكها المبدئي والقطعي بالمبادئ العامة الكبرى، (تبدو هذه الدولة) مستعدة لرهن كل مقدرات الشعب الجزائري، وتقديمها على طبق من ذهب إلى الآخر، شريطة أن يضمن تطويق المغرب وفصله عن عمقه الافريقي.
وفي هذا السياق طبعا، فإن أسطورة “الشعب الصحراوي” تتحول أيضا إلى مجرد وسيلة لتمديد حكم العسكر وأحكام عملية اختطاف إرادة الشعب الجزائري.
مرافعة الباحثة، التي سعت من خلالها إلى بناء اطروحة جذابة لتوريط الولايات المتحدة والرئيس ترامب، في مشروع التقسيم، على خلفية ما يوفره من إمكانات للمصالح المشتركة، تجهل أو تتجاهل، أن مبادرة المغرب بتخويل الصحراء حكما ذاتيا وما تلاها من مشاريع ضخمة على مستوى البنيات الأساسية والتأهيل الترابي في إطار الجهوية واللاتمركز، والمبادرات المهيكلة المرتبطة بالتجمع الاطلسي، ومشروع أنبوب الغاز بين أبوجا والرباط، ومبادرة الانفتاح على الساحل والصحراء…
كل هذه الخطوات القائمة وفق تصميم وهندسة متكاملة ومنسجمة مع ميثاق الأمم المتحدة، في علاقته بحماية وصون الأمن والسلم الدوليين، كانت ولا زالت تستجيب للمصالح المشتركة، سواء للغرب وفي قلبه أمريكا أو للدول الأفريقية جمعاء، شريطة أن تدبر وفق تصميم مبتكر قائم على المساواة والندية. ويكفي، أن نذكر في هذا الصدد، بأن إفريقيا، وحسب دراسات علمية دقيقة، تحتاج إلى استثمارات تفوق 2,5 تريليون دولار في الاستثمارات المتعلقة فقط بالبنية الأساسية.
وبصرف النظر عن قيمة وخلفية هذه الورقة المعدة تحث الطلب للترويج للتقسيم، والتي لن تكون الأخيرة، نعتقد، أن خروج نظام الحكم في الجزائر من أوهام الماضي والدخول مع المغرب في بلورة رؤية مشتركة لقيادة الحلم الافريقي المشترك، ستمكن لا محالة من تجاوز أوهام الماضي، والانتقال من الاختباء خلف الشعارات الفارغة إلى بناء المشترك، المشترك الذي يحرر مقدرات الفضاء المغاربي وييسّر وصول الجزائر إلى المحيط الاطلسي، ويساعد في تصميم وبناء مستقبل مختلف بالساحل والصحراء.