المرأة المغربية في يومها العالمي.. حقوق مُكتسبة وتحديات مستمرة ونضال لا ينتهي!

يحتفل العالم في الثامن من مارس من كل عام بيوم المرأة العالمي، عبر تنظيم فعاليات وندوات فكرية أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يكتفي كثيرون بمعايدة النساء وتهنئتهن، فيما يجدد آخرون الدعوات إلى إنصافهن، وحمايتهن من العنف، ودعمهن للانخراط في المجتمع، كما يستنكرون الانتهاكات التي يتعرضن لها.
وأعلنت الأمم المتحدة، السبت 8 مارس 2025، أن الاحتفال هذا العام سيحمل شعار “الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات”، مع التغريد على هاشتاغ ForAllWomenAndGirls#، الذي حثت النساء والفتيات على المشاركة فيه لفتح النقاش حول قصصهن ومطالبهن.
كما يتصدّر وسم #يوم_المرأة_العالمي قائمة الأكثر تداولًا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ جدد المغردون عبره الأمنيات وعبارات الشكر للمرأة على عطائها، فيما دعت منظمات نسائية وحقوقية مغربية إلى ضمان كامل لحقوق النساء.
انتهاكات صارخة
وفي هذا السياق، قالت خديجة الرياضي، أول امرأة عربية وإفريقية تنال جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن حقوق النساء المغربيات “تعرف انتهاكات صارخة تعكسها المؤشرات الرقمية المتردية، والتي لعل أبرزها مؤشر نسبة النشاط الاقتصادي وسط النساء التي أصبحت أقل من 20%”، وهي نسبة وصفتها بـ”الكارثية”، ومن بين النسب الأكثر انخفاضاً في العالم.
وأضافت الرياضي، السياسية والحقوقية المغربية، أن رجوع النساء إلى البيت وتوقفهن عن البحث عن عمل “يضعهن تحت أقسى أشكال التهميش، إذ يؤدي إقصاؤهن من المجال الاقتصادي إلى حرمانهن من كافة الحقوق الأخرى”.
وأوضحت أن “من أسباب ذلك، ومن نتائجه في الوقت نفسه، استمرار نسبة عالية من الأمية وسط النساء، وخاصة في العالم القروي، حيث تتجاوز 40%”، مشيرة إلى أن هذه النسبة “تعدّ جريمة في حق المرأة المغربية”.
وأردفت أن هذا الوضع “يمسّ في العمق كرامتها، ويحرمها من فرص العمل والمشاركة في مختلف مناحي الحياة العامة، كما يضعها في وضعية إبعاد وعزل عن العالم”.
حضور بالنقاش العمومي
من جانبها، ترى بثينة قروري، رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، أن المغرب نجح في جعل موضوع المرأة والنهوض بأوضاعها موضوعاً حاضراً في النقاش العمومي، وذلك بفضل القوة الترافعية للمجتمع المدني أساساً، إذ سايرت العديد من المؤسسات الرسمية هذا المسار بتخصيص حيز مهم للمرأة في تقاريرها الدورية ولاسيما المندوبية السامية للتخطيط، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وغيره.
ولفتت قروري، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن هذه السنة تميزت بعودة النقاش حول تعديلات مدونة الأسرة، مشيرة إلى أنه “كان يمكن أن يكون أكثر مردودية بالنسبة لوضعية المرأة، لو اجتهد الجميع في البحث عن المقترحات التي تعالج المشاكل الحقيقية التي تعاني منها المرأة والأسرة اليوم، دون الانزلاق لبعض المطالب التي تبقى محكومة بمرجعيات إيديولوجية لا فائدة ترجى منها بالنسبة للمرأة والأسرة معاً”.
ومع ذلك، ترى المتحدثة أن المغرب أثبت أن أي تشريع يتعارض مع قطعيات الشريعة الإسلامية “لن يكون محل قبول من طرف المؤسسات الأساسية في البلاد وعلى رأسها مؤسسة إمارة المؤمنين والمجلس العلمي الأعلى”.
واعتبرت أن هذا الموقف هو ما ينبغي لباقي المؤسسات، مثل الحكومة والبرلمان أن تتناغم معه وتتجنب ما وصفته قروري بـ”المغامرات غير المحسوبة” لبعض مكوناتها.
تهميش بالسياسات العمومية
أما بالنسبة لموقع المرأة في السياسات العمومية، فتقول بثينة قروري، وهي أستاذة بجامعة محمد الخامس في الرباط، إن الواقع “يظهر عدم محورية قضايا المرأة والأسرة في السياسات العمومية المتبعة”. وأشارت إلى أن المعطيات والأرقام التي تقدمها المؤسسات الرسمية “تظهر وضعية الهشاشة التي تعيشها المرأة المغربية، بحيث إن “32% من النساء تعانين من الأمية، وهو رقم مرتفع مقارنة بالبلدان المحيطة بالمغرب، كما تراجعت نسبة النساء النشيطات من 20% سنة 2014 إلى 16% سنة 2024 مع ارتفاع معدل بطالة النساء إلى 25%”.
وتل هذه الأرقام، وفقاً لقروري على صعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة للنساء، والتي ازدادت في ظل موجة الغلاء المستمرة “بدون أي مجهود ملموس للحد من تداعياتها على القدرة الشرائية، علماً أن أزيد من 19% من الأسر تعيلهن نساء”.
بدورها سجلت الحقوقية خديجة الرياضي أن النساء العاملات، اللواتي وصفتهن بـ”المنفلتات من واقع العطالة”، يشتغلن في الغالب في مجالات “هي الأقل أجراً وحماية، والأكثر استغلالاً”، مثل العاملات في قطاع النسيج، والعاملات الزراعيات اللواتي كشف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أن 65% منهن تقل أجورهن عن الحد الأدنى للأجر الفلاحي، الذي يعد في حد ذاته “هزيلاً جداً”، فضلاً عن عاملات النظافة في شركات المناولة، التي “تشغل النساء في شروط أقرب للاستعباد”.
ولفتت المتحدثة أيضاً الانتباه إلى خادمات البيوت اللواتي “صدر القانون الذي ينظم مجال اشتغالهن دون أن يحمل أي حماية تذكر لهن، ولا أية آلية تفرض احترامه رغم علاته”.
العنف ضد المرأة
أما بالنسبة إلى العنف ضد المرأة، فأشارت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى أن أرقامه ما زالت مرتفعة جداً، بحيث تتعرض أكثر من 54% من النساء للعنف بشتى أنواعه. وأضافت أن قانون حماية النساء من العنف، لم يستطع بعد أكثر من ست سنوات من سنّه، تغيير هذا الواقع.
ومن بين مظاهر العنف الممارس على النساء والفتيات، ذكرت الرياضي “النسب العالية لتزويج الطفلات، الناتجة عن أوضاع الفقر في البوادي، وعن الهدر المدرسي المرتفع وسط الفتيات، بسبب فشل منظومة التعليم في توفير تعليم عمومي مجاني، جيد، ومتاح للجميع”.
كما أن القوانين السائدة في البلاد مازالت تتضمن العديد من مظاهر التمييز ضد المرأة، وفقاً للراضي، معتبرة أن القانون الجنائي المغربي “يحمي النظام الاجتماعي السائد على حساب حقوق النساء وكرامتهن”، مشيرة إلى أن مدونة الأسرة تتضمن العديد من المضامين التمييزية ضد النساء، “والتي لن يعالجها ما تم الإعلان عنه كمجالات قد يمسها التعديل المقبل إن حصل، لأنها لن تغير أغلب المواد التمييزية في مجال الزواج والإرث وغيرها”، حسب تعبيرها.
أوضاع صعبة
وبالإضافة إلى الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق النساء، ترى خديجة الرياضي أن الأزمة الاقتصادية المركبة التي يشهدها المغرب، والتي تتجه نحو “وضعية الندرة والخصاص والمزيد من ارتفاع الأسعار”، سيكون لها وقع سيئ على أوضاع النساء، “لأنهن الأكثر عرضة للتشريد من العمل، بسبب طبيعة المجالات التي يشتغلن فيها، كالقطاع غير المنظم، والقطاعات الهشة”.
وقالت الرياضي، التي عملت مهندسة في وزارة المالية، إن الأزمة الحالية “تنذر بأوضاع صعبة ستعرفها البلاد، وستؤدي النساء ثمنها بشكل أكبر”.
وبعيداً عن المدينة، تعيش المرأة القروية “وضعية جد مقلقة”، بحسب بثينة قروري، لا سيما في مجال الولوج إلى الخدمات الاجتماعية الأساسية. وتشير المتحدثة إلى أن مستوى الفقر والهشاشة لا زالا مرتفعين في العالم القروي، كما أن النساء تعد أكثر تأثراً بالهشاشة الاجتماعية.
وقالت قروري إن النساء الناشطات العاملات في الوسط القروي لا يتوفرن على أي تغطية صحية، في الوقت الذي يجري فيه تسجيل التأنيث المتزايد للعمل الفلاحي على مستوى العالم القروي، خاصة مع انتشار الشركات والمقاولات الفلاحية التي تعمل أساساُ على التصدير، مشيرة إلى أنها “تشغل النساء القرويات وتستغلهن في غياب المراقبة لأوضاعهن من ساعات العمل، والظروف الصحية والمعنوية للتشغيل”.
وأمام ما تكشفه الأرقام والمؤشرات في هذا الصدد، تدعو رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية إلى ضرورة تفعيل مختلف البرامج الاجتماعية المعتمدة، والحرص على حكامة تنزيلها، مع تسريع سن الإجراءات الكفيلة بالتخفيف على هذه الفئات من النساء وبالتبع على الأسر ككل.
نضال مستمر
وفي مقابل ما وصفته بـ”الأوضاع المتردية للنساء على أكثر من صعيد”، أشادت خديجة الرياضي بالمعارك الحقوقية من أجل المرأة، مشيرة إلى أن النساء المغربيات واصلن خلال السنة الماضية، منذ 8 مارس 2024، نضالهن ضد الميز والاستغلال والعنف.
ولفتت إلى أن العاملات منهن يخضن النضال ضد “بشاعة الاستغلال الذي يعشنه”، وفي مقدمتهن عاملات قطاع النسيج والعاملات الزراعيات. وذكرت أن النساء قدن هذا العام أيضاً حراكاً شعبياً “ضد السياسات المهددة للبيئة والحق في الحياة”، في إشارة إلى حراك فكيك، وقالت إنه لايزال مستمراً في منطقة “قررت الدولة خوصصة مياه الشرب بها، ونجحن في وقف هذا المخطط”.
هذا وتواصل الحركة النسائية والحقوقية معركتها، وفقاً للمتحدثة، من أجل “قانون أسرة عادل ومنصف يتلاءم مع اتفاقية سيداو التي صادق عليها المغرب منذ 1993، ورفع تحفظاته عنها سنة 2008″، فضلاً عن حضور النساء بقوة في كل الاحتجاجات المطالبة بإسقاط التطبيع وتجريمه.
أما الأكاديمية بثينة قروري فأكدت على أهمية تعزيز مكانة المرأة المغربية في بناء النهضة وكسب رهان التنمية الشاملة، وذلك في إطار مقاربة تكاملية “تنجح في بناء أسرة يتمتع فيها كل أطرافها بحقوقهم الأساسية، مع قيام الجميع بواجباتهم”.
وشددت على أن تحقيق هذا الهذف ينبغي أن يكون “في ظل مجتمع حي قادر على تحرير طاقات كل أفراده للمساهمة في التنمية، وكسب رهانات وتحديات المستقبل”، وهو ما من شأنه خلق دوافع ومحفزات لقيام الأسرة والمرأة بأدوارهم الحيوية في ضمان استقرار المجتمع وتنميته، “وكذا ضمان استمرارية المنظومة القيمية المتمحورة حول ثوابت الأمة المغربية كما حددها الدستور”.