story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رياضة |

كرة القدم والسياسة: مونديال 1994.. هنري كسنجر يطلب مشاركة مارادونا المعتزل دوليا

ص ص
عندما تمّ منح الولايات المتحدة الأمريكية شرف تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم سنة 1994، كان الشغل الشاغل للجنة المنظمة هو كيفية جلب الزخم لهذه المنافسة وجعل الأمريكيين يهتمون بها ويتابعونها بشغف، فقد كانت الرياضة الأكثر شعبية في الولايات المتحدة هي رياضة كرة القدم الأمريكية والبيسبول وكرة السلة وهوكي الجليد، أما لعبة كرة القدم فكانت شعبيتها محصورة جداً، وهو الأمر الذي كان المسؤولون الأمريكيون على علم به عندما تمّ منحهم شرف تنظيم البطولة صيف عام 1988.
كان وزير الخارجية الأمريكي حينها هنري كيسنجر أحد أعضاء اللجنة المنظمة التي حرصت على إيجاد طريقة لإنجاح البطولة الأكبر على مستوى العالم في كرة القدم، وقرّر أنّ الطريقة الوحيدة التي تضمن نجاح البطولة هي جلب نجوم شهيرة في اللعبة للمشاركة في البطولة.
اجتمع كيسنجر برئيس الفيفا حينها البرازيلي جواو هافيلانج من أجل إيجاد طرق لإنجاح البطولة، ووجد كيسنجر أن المشاهير سيجلبون الحضور الجماهيري، فطلب من هافيلانج أسماء مشاهير كرة القدم الذين سيلعبون في البطولة، وردّ هافيلانج وقال: “لدينا روماريو، روبيرتو باجيو، بيبيتو”.
لكن كيسنجر قال: “هذا لا يكفي، نريد دييغو أرماندو مارادونا”، هافيلانج كان في مأزق حينها، فقد كان مارادونا معتزلاً دولياً منذ ثلاث سنوات ويعاني من الإصابات إضافةً إلى وزنه الزائد.
وبسرعة تواصلت الفيفا بقيادة جواو هافيلانج مع دييغو مارادونا من أجل ثنيه عن قرار اعتزاله، والمشاركة في مونديال أمريكا 1994، كانت الفيفا مستعدة لتجاهل قضايا المخدرات التي سقط فيها الأسطورة الأرجنتينية في السابق إذا ما تمكن من استرجاع لياقته البدنية في الوقت المناسب، وعاد للعب مع الأرجنتين في كأس العالم، حسب بعض التقارير.
كان يعتقد بشكل كبير أنّ اسم مارادونا كان لا يزال مشهوراً بما يكفي في جميع أنحاء العالم لجعل كأس العالم أكثر اهتماماً ومتابعةً للجماهير الأمريكية.
في ذلك الوقت، كان مارادونا بديناً بشكل لافت ويتدرّب في ملعب ناديه الأصلي نيويلز أولد بويز، وحياته مفرّقة بين تعاطي الكوكايين والتهام البيتزا الإيطالية بشكل واسع، قبل أن يقبل الصفقة مع الفيفا، وذلك تحت إشراف معدّه البدني فرناندو سينيوريني الذي أعلن أنه مستعد لتأهيل مارادونا للمشاركة في كأس العالم 1994.
دعوات لمارادونا
كان منتخب الأرجنتين يستعد للاحتفاظ بلقبه في كوبا أمريكا ثم من بعدها المشاركة في المونديال، قال طبيب المنتخب الأرجنتيني إنه مستعد لتأهيل مارادونا للعب الكوبا ومن ثَم يكون استعاد مستواه قبل المونديال، لكن العلاج سيحتوي على عقاقير بها مواد منشطة، وافق رئيس الفيفا هافيلانج على تناول مارادونا لتلك العقاقير وبدأت مرحلة التأهيل.
في طريقها إلى كأس العالم 1994، عانت الأرجنتين في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في قارة أمريكا الجنوبية، وفشلت في التأهل المباشر إلى البطولة.
وبحسب صحيفة سبورت الإسبانية ، كان مدرب الأرجنتين ألفيو باسيلي يشعر بأنه بحاجة إلى معجزة للتأهل للمونديال، وهذه المعجزة هي عودة مارادونا إلى المنتخب، فقام بإرسال رسالة نصية إلى النجم الأرجنتيني الذي كان قد وصل إلى اتفاقٍ للتو مع الفيفا حول المشاركة في مونديال 1994.
لعب مارادونا المباراة الفاصلة التأهيلية للأرجنتين ضد منتخب أستراليا، وقاد الأرجنتين إلى التأهل إلى كأس العالم بالولايات المتحدة الأمريكية.
ومع ذلك، كانت تلك العودة قصيرةً جداً، ففي فبراير 1994، كان مارادونا قد انسحب من الفريق مرة أخرى، معرباً عن أسفه لأنه كان يكافح للتعامل مع الوزن الزائد الذي كان يقلق الجماهير الأرجنتينية.
رداً على ذلك، اعتصمت الصحافة الأرجنتينية عند منزله لمدة يومين على أمل أخذ تفسيراتٍ من مارادونا بشأن قراره، لكن مارادونا رفض التعليق، وساء مزاجه سريعاً إلى حدّ أن أطلق النار على الصحافيين المرابطين حول منزله.
تم استدعاء الشرطة وقام الجرحى في نهاية المطاف باتخاذ إجراءات ضد مارادونا، وبدا حينها أن مارادونا لن يصل إلى كأس العالم، لكن في النهاية عاد مارادونا إلى تشكيلة منتخب بلاده قبل انطلاق المونديال.
الأسطورة حاضر
ضمّ منتخب الأرجنتين العديد من النجوم أمثال جابرييل باتيستوتا، كلاوديو كانيجيا، فرناندو ريدوندو وابل بالبو، ومع ذلك، كان دييغو مارادونا هو النجم الذي خطف الأضواء من الجميع.
كانت عودته إلى المشاركة في كأس العالم تشبه المريض المصاب بمتلازمة لازاروس، فقد كانت لياقته البدنية النحيلة اللافتة للنظر توحي بأنّ مارادونا أصبح شخصاً آخر.
في فوكسبورو بولاية ماساتشوستس كان رفاق مارادونا على موعدٍ مع المباراة الافتتاحية للمجموعة الرابعة ضد منتخب اليونان.
مرة أخرى، تسلم مارادونا شارة العميد ولعب دوراً رئيسياً في فوز الأرجنتينيين الافتتاحي برباعية نظيفة، سجّل خلالها مارادونا هدفاً وساهم في ثلاثية باتيستوتا.
في المباراة الثانية، عاد مارادونا ليقود الأرجنتين لتحقيق انتصارها الثاني في البطولة، وذلك بعد أن ساهم بشكل لافت في انتصار الأرجنتين بهدفين لهدف أمام منتخب نيجيريا.
خيانة هافيلانج
سجلت الأرجنتين 6 أهداف في أوّل مباراتين وبات الجميع يحكي عن مارادونا الذي ساهم في تألق الأرجنتين، وبدأ الحديث أنّ اللقب في طريقه إلى بوينس آيرس، لكن الصدمة كانت فيما حدث بعد ذلك التألق، مارادونا مطلوب للفحص عن المنشطات.
فبينما كان لا يزال مارادونا على أرض الملعب يحتفل مع رفاقه في المنتخب بالانتصار والتأهل إلى الدور الثاني، اقتربت ممرضة من مارادونا، وأخذته بيده ورافقته إلى منطقة اختبار المخدرات في مشهد غريب.
ورغم ذلك، ابتسم مارادونا ولوّح للجمهور الأرجنتيني أثناء اقتياده لغرفة فحص المنشطات، في ما بدا بحسبه أنّها مزحة، فقد كان يعتقد أنّ الفيفا قد منحه حصانة من فحص المنشطات.
سرعان ما ضرب جدار من الصمت معسكر المنتخب الأرجنتيني، فقد كانت نتائج اختبار مارادونا إيجابية بشأن مادة الايفيدرين المحظورة، على الرغم من طلب التأكيد من عينة ثانية قبل نشر الخبر.
لم يكن أحد يصدّق ما يجري، إلى درجة أنّ مدرّب الأرجنتين اختار مارادونا في التشكيلة الأساسية لمباراة المجموعة الأخيرة ضد بلغاريا.
كان الجميع يستعد لكسر مارادونا لرقمٍ قياسي في عدد المباريات بكأس العالم، فقد ظهر مارادونا في نهائيات كأس العالم للمرة الرابعة، وكان من المقرر أن يسجل رقماً قياسياً باللعب في 22 مباراة في البطولة.
ومع ذلك، وقبل ست ساعات من انطلاق مباراة الأرجنتين وبلغاريا، جاء الإعلان عن الصدمة، فقد شارك نائب رئيس الفيفا حينها سيب بلاتر الخبر قائلاً: “أثبت تحليل عينة البول أنه إيجابي.. وبالتالي فإن لاعب المنتخب الأرجنتيني دييغو مارادونا قد خالف شروط لوائح مراقبة المنشطات، في مباراة الأرجنتين ونيجيريا”.
وكان مارادونا في المؤتمر الصحافي بعد هذا القرار حزيناً وقال: “لقد خدعوني (يقصد هافيلانج والطبيب)”.
من جهته كان جيم تريكر، المتحدث باسم اللجنة المنظمة لكأس العالم أمريكا 1994، حريصاً على تجاوز صدمة مارادونا بأفضل طريقة، قائلاً إن الجدل حول تعاطي مارادونا لمواد محظورة لن يقلل من الإيجابية التي خلقتها البطولة في الولايات المتحدة.
وأضاف: “إنه لأمر مؤسف بالتأكيد أن يصبح شيء ما خارج الملعب أكبر منه في الملعب”، كانت تلك التصريحات الطعنة الثانية التي تلقاها مارادونا في البطولة بعد الطعنة الكبيرة من الفيفا.