في ظل الغلاء والاحتكار.. هل يلعب مجلس المنافسة دوره في حماية المستهلك؟

في ظل الارتفاع المتواصل للأسعار وانتشار الممارسات الاحتكارية في الأسواق المغربية، يثار التساؤل حول مدى قدرة مجلس المنافسة على الاضطلاع بدوره بفعالية في ضبط السوق وضمان المنافسة العادلة، خاصة في ظل محدودية موارده البشرية وعدم امتلاكه لسلطة تنفيذية من شأنها تقوية دوره في محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة الشريفة.
ويرى باحثون وحقوقيون، أن ضعف الموارد البشرية وعدم امتلاك المجلس لسلطة تنفيذية يستدعي تعزيز التنسيق مع باقي المؤسسات الحكومية، وابتكار آليات جديدة لضمان نجاعة تدخله ووتوسيع نطاق شراكاته مع الفاعلين المحليين، لضمان فعالية ضبط الأسعار وحماية المستهلك.
وفي السياق، اعتبرت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم ابليل، أن مجلس المنافسة، باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة وفق الفصل 166 من الدستور، يواجه تحديات عديدة تؤثر على فعالية تدخله في ضبط السوق وضمان المنافسة العادلة.
وأوضحت ابليل، في حديثها لصحيفة “صوت المغرب”، أن فكرة المؤسسات الدستورية المستقلة جاءت في سياق البحث عن حلول لتجاوز الخلل في الديمقراطية التمثيلية وتعزيز الشفافية، لكنها في المقابل لا تمتلك سلطة تنفيذية، مما يجعل التنسيق مع باقي المؤسسات الحكومية أمراً ضرورياً.
وأكدت الباحثة أن “مجلس المنافسة مطالب بابتكار آليات ومعايير تضمن منافسة حرة وعادلة، والمساهمة في تعزيز المنظومة التشريعية، سواء من خلال آليات الضبط أو العقوبات الرادعة”.
لكنها شددت على أن ضعف الموارد البشرية يشكل تحدياً كبيراً، مضيفة أن “غياب إرادة سياسية صارمة لمكافحة المضاربة وارتفاع الأسعار يحدّ من تأثير المجلس، ويضعف ثقة المواطنين في المؤسسات المكلفة بضبط السوق”.
ومن جانبه، أكد عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن ضبط الأسعار وضمان المنافسة العادلة يمثلان تحديًا حقيقيًا في بلد يمتد جغرافيًا ويتسم بتنوع أسواقه، خاصة الأسواق غير الرسمية، متسائلًا عن مدى قدرة مجلس المنافسة، بآلياته الحالية، على كسب هذا الرهان.
وأشار تشيكيطو في حديثه لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن “عدد موظفي مجلس المنافسة، البالغ 60 موظفًا، يظل محدودًا بالنظر إلى تعدد الأسواق والمجالات التي تحتاج إلى رقابة صارمة”، مؤكدًا أن الحديث لا يقتصر فقط على الأسواق التقليدية، بل يشمل القطاعات الحيوية مثل الخضر، الفواكه، الأسماك، والمحروقات.
وفي ظل الوضع الراهن، شدد المتحدث على ضرورة تبني منهجيات جديدة لتعزيز الرقابة والإشراف، من خلال الاستفادة من التكنولوجيا، وتوظيف أنظمة المراقبة الرقمية ونظم المعلومات الجغرافية والقطاعية، ما سيمكن من تتبع الأسواق عن بُعد وتقليل الحاجة إلى التواجد الميداني المكثف.
ودعا إلى تعزيز التعاون مع السلطات المحلية وتوسيع الشراكات مع الفاعلين الجهويين لضمان رقابة أكثر شمولية وفعالية، مؤكدا على ضرورة زيادة الموارد البشرية لمجلس المنافسة وتوفير برامج تدريب متخصصة، إلى جانب إعادة توزيع المهام وفقًا للواقع الجغرافي والقطاعي المتنوع للمغرب.
وخلص إلى أن الهدف الأساسي لمجلس المنافسة هو حماية المستهلك وضمان بيئة تجارية عادلة، وهو ما يستدعي إعادة النظر في آليات العمل وتكييفها مع التحديات الراهنة، لضمان رقابة فعالة تستفيد من كل الأدوات المتاحة لتحقيق المنافسة الشريفة وضبط الأسعار.
ويعتبر مجلس المنافسة بالمغرب هيئة دستورية مستقلة، تضطلع بدور رئيسي في ضمان المنافسة الحرة والعادلة في السوق المغربية، وتم إقراره كهيئة دستورية بموجب الفصل 166 من دستور 2011، ويهدف إلى تنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والتواطؤات التي قد تضر بالاقتصاد الوطني والمستهلكين.