فتح الله ولعلو: غياب الاتحاد المغاربي عائق استراتيجي أمام الاندماج العالمي

أكد الاقتصادي المغربي ووزير المالية الأسبق، فتح الله ولعلو، أن غياب مشروع الاتحاد المغاربي يمثل “مأساة مستمرة” تعيق تطور المنطقة، مشيرًا إلى أن هذا الضعف يحول دون انضمام دول المنطقة إلى تكتلات اقتصادية كبرى مثل مجموعة “بريكس”.
جاء ذلك خلال تقديم كتابه الجديد “من العالم الثالث إلى الجنوب المعولم”, الذي أصدره المركز الثقافي للكتاب، في لقاء نظمته شعبة القانون العام والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط يوم الأربعاء 26 فبراير 2025.
واعتبر ولعلو أن الترابط الاقتصادي بين دول المغرب الكبير ممكن رغم الخلافات السياسية، على غرار العلاقة بين الصين والهند، لكنه يظل غير مفهوم في المنطقة المغاربية.
من جهة أخرى، شدد الوزير الأسبق على ضرورة توحيد الصف الفلسطيني ليكون له مخاطب واحد على الساحة الدولية، مشيرًا إلى أن الدول الكبرى، مثل الصين، تحتاج إلى طرف فلسطيني موحد للتحاور معه بفاعلية، رغم تضامنها مع القضية الفلسطينية.
وتناول ولعلو تطور مفهوم “العالم الثالث”، الذي انتقل إلى “الجنوب العالمي”، مشيرًا إلى دوره في تشكيل فكر اقتصادي جديد. وأوضح أن هذا المفهوم نشأ بفعل جهود قادة مثل نكروما، وجمال عبد الناصر، والمهدي بن بركة، في سياق صراع بين توجهين اقتصاديين: أحدهما إصلاحي تقوده شخصيات من أمريكا اللاتينية والغرب، والآخر معارض للرأسمالية يمثله مفكرون مثل سمير أمين وغوندر فرانك.
وأوضح أن المدّ الفكري للعالم الثالث تراجع بسبب عدة عوامل، منها هزيمة 1967، وانحسار المد الناصري، وصعود اقتصادات آسيوية جديدة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، إضافة إلى بروز الدول النفطية بعد 1973 والثورة الإيرانية عام 1979، التي غيّرت موازين القوى داخل دول الجنوب.
وفي تحليله للتحولات الراهنة، أشار ولعلو إلى أن القرن الحادي والعشرين يشهد صعود الصين كقوة اقتصادية، ما يجعل العولمة متعددة الأقطاب، بدلاً من كونها غربية خالصة. كما لفت إلى التغيرات الديموغرافية العميقة، متوقعًا أن يفوق عدد سكان نيجيريا سكان الصين بنهاية القرن.
أما بروز مفهوم “الجنوب” في السياقات المعاصرة، فأرجعه ولعلو إلى الفقر المتزايد وسوء توزيع الثروات، إضافة إلى تأثيرات أزمات مثل الحرب في أوكرانيا والأحداث الجارية في غزة. وأوضح أن هذا المفهوم يعود في جذوره إلى عشرينيات القرن الماضي، حين تحدث أنطونيو غرامشي عن التفاوت الاقتصادي بين جنوب إيطاليا الفقير وشمالها الغني.
وأشار إلى خمس صدمات كبرى أثرت على توازنات العالم منذ بداية القرن الحالي، منها هجمات 11 سبتمبر 2001، التي عمقت المواجهات الهوياتية، والأزمة المالية العالمية عام 2008، التي أجبرت الولايات المتحدة على طلب الدعم من القوى الصاعدة، ما عزز دور دول الجنوب في الحوكمة الاقتصادية الدولية.
وأضاف أن جائحة كوفيد-19 عمّقت الفجوة بين الشمال والجنوب، تلتها صدمة الحرب في أوكرانيا، وأخيرًا تداعيات الحرب في غزة، مما أدى إلى بروز توجه جديد نحو تعزيز التعاون بين دول الجنوب، كما يظهر في مبادرات مثل منظمة شنغهاي والبنك المرتبط بها، ومجموعة “بريكس” التي تسعى لتعزيز مكانتها رغم التناقضات بين أعضائها، كما هو الحال بين الصين والهند.
ويرى ولعلو أن هذه التحولات تتيح فرصًا جديدة لدول الجنوب، لكنها تتطلب رؤية استراتيجية واضحة، خاصة في المنطقة المغاربية التي تحتاج إلى تجاوز الانقسامات السياسية لتحقيق اندماج اقتصادي يمكّنها من الاستفادة من التغيرات العالمية.