story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

أحيزون.. بوسطاجي المخزن القديم

ص ص

شمس جديدة ومختلفة تلك التي تشرق على المغرب هذا الصباح، تجعل يومنا هذا مختلفا عن كل ما عرفناه من قبل.

وابتداء من أولى ساعات العمل لهذا الأربعاء 26 فبراير 2025، سندخل عالما جديدا، لا مكان فيه لدكتاتور الاتصالات السلكية واللا سلكية، وامبراطور برج الرباط الأكبر إلى وقت قريب، و”بوسطاجي” المخزن الذي “خزّز” في موقعه كحارس لمنظومة عتيقة ومتكلّسة ومتجاوزة، في التدبير كما في التكنولوجيا والتواصل.

القرار الذي أعلنه مجلس الرقابة في شركة اتصالات المغرب عصر أمس، أكثر من مجرّد تغيير رئيس مجلس إدارة بآخر، ولا هو شأن داخلي لمؤسسة يغلب عليها طابع الملكية الخاصة، بل هو لحظة فارقة في تاريخ المغرب وعلاقة المغاربة بتدبير أحد أكثر القطاعات تأثيرا في الحياة المعاصرة: قطاع الاتصالات.

لا يهمّني هنا تقييم أداء عبد السلام أحيزون على رأس شركة اتصالات المغرب، ولا تأكيد أو نفي إنهاء مهامه بالغرامات المالية المتتالية التي تكبّدتها الشركة، ولا ارتباط ذلك من عدمه بوجود منافس من عيار شركة “إنوي” المملوكة للهولدينغ الملكي.

لا أعتقد ولا يبدو لي منطقيا أن يكون الرأسمال الإماراتي الخاص، في حاجة إلينا للدفاع عنه في مواجهة استقواء محتمل للشركة “الملكية” المنافسة لاتصالات المغرب. فهذا الرأسمال له جدّاته وخالاته وعمّاته في “العرس” ويعرف جيدا كيف يحمي مصالحه ويتفاوض عليها.

ما يهمّني أكثر كمواطن مغربي، هو الوقوف عند حالة نموذجية لكيفية صناعة خدّام الدولة، بالمعنى السلبي والمؤدي إلى الجمود والتقهقر وضياع فرص النمو والتطوّر.
فشركة اتصالات المغرب، سواء في عهدها العمومي السابق أو حاضرها الخاص، هي فاعل تاريخي مهيكل لمجال الاتصالات، وتعتبر المسؤول الأول عن سرعة تطوّر هذا القطاع، ومدى توظيف البنية التحتية التي تعتبر ملكا مشتركا للمغاربة، في تحقيق الطفرة التي كنا نستحقّها للحاق بركب العصر.

يهمّني أكثر استغلال فرصة هذا القرار، وما يوفّره من أضواء مسلّطة على الموضوع، لأنقل شكاوى العشرات من الأطر والمهندسين والتقنيين الذين عرفتهم طيلة مساري المهني والشخصي، والذين واجهوا “دكّاكة” تعشق قتل الكفاءات وتعطيل الطموحات.

يهمّني أكثر أن نلتفت جميعا نحو هذا النموذج الواضح في صنع المسؤولين الذين يجثمون على صدور المغاربة، ويجمعون غلة البرّ والبحر، ويراكمون المناصب والمسؤوليات، ومعها الأجور والتعويضات والامتيازات والرخص والاستثناءات، ثم لا يرون داعيا لتقديم حساب أو الخضوع لمساءلة أو عقاب.

يهمّني أكثر أن نتذكّر كيف أن في عهد هذا الرجل تم حظر الاتصالات الهاتفية عبر شبكة الانترنت، كسلوك عتيق ينمّ عن جهل بطبيعة التطور التقني والتكنولوجي الذي تعرفه الإنسانية. وكيف كان أقصى ما أنتجته هذه المؤسسة في عهد امبراطورها السابق، هو تقليد سنوي دأب عليه لفترة قبل أن يزهد فيه، باستدعائه جل وسائل الإعلام التي تعرفه جيدا من خلال ما يغدق به عليها من صفقات الإشهار، وينتصب أمام عدساتها وميكروفوناتها وآلات تسجيلها، ليستعرض حصيلته السنوية في تدبير إمبراطوريته التجارية المتخصصة في بيع الهواء للمغاربة، والتركيز على ما حققه من زيادات في رقم المعاملات وأرباح صافية بأرقام فلكية.

يهمّني أكثر أن يعرف مغاربة 2025 أن هذا الرجل أمسك بخيوط قطاع الاتصالات في المغرب منذ أكثر من أربعين عاما، ثم أصبح يتولى زمام إحدى أكبر الجامعات الرياضية، هي جامعة ألعاب القوى، وحظي بعضوية المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مجلس إدارة مؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومجلس إدارة جامعة الأخوين… حتى أنني سمعت سياسيا كبيرا يحكي كيف كان أحيزون رفقة مسؤول كبير في الدولة، لحظة تفقّده مركزا كان مخصصا لأول تجربة للنشر الفوري لنتائج الانتخابات (أظنها انتخابات 2002)، وعندما تبيّن أن النتائج الأولية لا توافق هوى السلطة، تلقى أحيزون أمرا بوقف تدفّق المعطيات عبر المنصة الرقمية التي تولّى الإشراف عليها لفائدة الدولة. أي أن الرجل يمثّل أكثر من مجرد “مدبّر” لشركة.

يهمّني أن نعرف كيف نلد المخزنيين من رحم المجتمع، بل ومن قاعدته العميقة، لأن هذا الإمبراطور في مجال المال والاتصالات، قادم من قرية “سيدي عبد الرزاق” بنواحي مدينة تيفلت، هناك حيث وُلد عام 1955 وحيث أظهر أولى بوادر التفوق وهو يجلس في مقاعد الدرس مستمعا إلى شروحات أستاذ اسمه.. إدريس بنزكري.

بمجرّد حصوله على شهادة الباكالوريا بتفوّق، شدّ عبد السلام أحيزون الرحال إلى فرنسا، ليعود منها حاملا دبلوم مهندس من المدرسة الوطنية العليا للمواصلات بباريس سنة 1977 وعمره لا يتجاوز 22 سنة.

بعد عام واحد، أي عام 1978، التحق احيزون بسلك الوظيفة العمومية في مجال تخصصه، أي البريد والمواصلات. وهناك تسلّق سلّم الصعود بسرعة كبيرة، ليصبح أصغر وزير في حكومة كريم العمراني بداية التسعينيات.

كانت قصة صعوده هذه عن طريق المسؤولية قد انطلقت مع منصب مدير الاتصالات في وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية سنة 1983، حيث لم تكن المديرية تعني آنذاك أكثر من بضع خطوط هاتفية توزع كما يوزع ريع باقي القطاعات، لكن المهندس أحيزون حضر مذاك في كل التحولات التي عرفها قطاع الاتصالات، وظل يراقبه عن كثب، ولم يمنعه تولي المنصب الوزاري كمسؤول عن حقيبة البريد والاتصالات بين 1992 و1995، من البقاء على رأس المكتب المغربي للبريد والاتصالات كمدير عام، قبل أن يعود ويتقلد من 1997 إلى 1998 منصب وزير الاتصالات.

وحتى ندرك أننا لا نتحدّث عن مدير شركة خاصة، علينا أن نتذكّر كيف خرج أحيزون من موقع المسؤول العمومي إلى المدبّر المشرف على شركة اتصالات المغرب، والتي باتت مملكة خاصة لابن الأطلس، بنا صرحها من جيوب المغاربة الذين ظلوا يدفعون مقابل المكالمات الهاتفية أكثر مما يجب، وبات بفضلها رقما وازنا في معادلات رجالات “العهد الجديد” وحساباتهم، ليضمنوا له ذات المركز في قمة المؤسسة حتى بعد تفويت أغلب أسهمها للفرنسيين بداية ثم للإماراتيين لاحقا.

تكاد لا تجد شخصا واحدا ممن اشتغلوا إلى جانب أحيزون في مملكته الخاصة، “يقولها زوينة” فيه، لاعتبارات شخصية أحيانا، بالنظر إلى معاناة جل الأطر من منظومة تدبيرية متكلّسة، ولكن لاعتبارات معنوية أيضا، أي فرملة كل محاولة للتطوير والتجديد والابتكار. حتى أن الرأسمال الأجنبي الخاص الذي استثمر في هذا القطاع، سرعان ما أصابه اليأس واستسلم لإيقاع “الحلزون” الذي فرضته عليهم اتصالات أحيزون…

وللشهادة، وحتى إذا اعتبر البعض ذلك إشهارا مجانيا، فإن شركة “وانا” التابعة للهولدينغ الملكي وحدها بقيت قادرة على تحقيق بعض الاختراقات من حيث جودة الخدمات (حوّلت اشتراكاتي في الهاتف والانترنت إليها كزبون حريص على حقوقه منذ بضع سنوات).

وإذا كان ضروريا استعمال قاموس “المخزن الاقتصادي” في الحديث عن “إنوي” وشخصية محمد بنشعبون التي اختيرت لخلافة أحيزون، فإنني لا أعترض على ذلك، لكنني لا أستطيع الاقتناع بكون امبراطور الشركة السابق يمثل شيئا يقع خارج دائرة المخزن.

فقط، وكما يعلم الراسخون في تامخزانيت، هناك داخل المخزن نفسه تباينات ودوائر مختلفة، لاشكّ أن أحيزون يمثّل أكثرها عتاقة ورجعية ومحافظة بمعناها السلبي.

فهل يمكن أن نقارن، مجرّد المقارنة، بين ما يقوم به الجناح المخزني الذي يمثّله فوزي لقجع في مجال كرة القدم، بصرف النظر عن تحليلاتنا لأهداف وغايات هذه السياسة الفعالة على صعيد المنتخبات على الأقل؛ وما اقترفه أحيزون من جرائم معنوية في حق المغرب والمغاربة عبر جامعة ألعاب القوى؟

هل يمكن أن نهضم الدفوعات التي قدّمها أحيزون للدفاع عن خيباته، من قبيل ادعائه أن النتائج الرياضية تتناسب مع قيمة الناتج الداخلي الخام للدول؟

هل يمكن أن ننسى كيف كسر أحيزون طموحات شاب له كامل الشرعية الرياضية في السعي لتدبير ألعاب القوى، مثل البطل الأولمبي هشام الكروج؟

لقد ارتاحت “اتصالات المغرب” من عبد السلام أحيزون، وهذا ليس مجرد انطباع، بل ترجمة لأصداء من داخل الشركة، ولا شكّ أن قطاع الاتصالات كلّه سيرتاح من مسؤول كرّس نفسه لعرقة تطوّره. ونتمنّى أن يمتدّ المجال المغناطيسي لهذا الارتياح قريبا، ليشمل قطاع الرياضة وألعاب القوى…

هذا أقصى أمانينا، أما ما تراكمه مثل هذه الشخصيات من شركات وممتلكات وأموال طائلة لا تسمح منظومتنا القانونية والمؤسساتية بإخضاعها للفحص والتدقيق، فلا نملك معه سوى إسناد النظر فيه للعدالة الإلهية، ولسان حالنا يردّد مع الفاسي الشهير: خلينا لكم لو ديوه!