story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حسن التموقع

ص ص

يشهد العالم برمته، ومنطقة الشرق والأوسط وشمال أفريقيا بدورها مرحلة مهمة تتسم بإعادة التموقع لعدة فاعلين وإعادة فتح نافذة الفرص للاعبين إقليميين مختلفين من أجل قيادة النظام الجيوسياسي الإقليمي. فهل يسير المغرب نحو فرض نفسه في الرقعة السياسية، أو أنه سيهدر الفرصة من أجل حسن التموقع خلال هذه المرحلة الدقيقة؟

على المستوى العالمي، نرى كيف يقود ترامب ثورة حقيقية على قواعد العلاقات الدولية، بجلوس فريقه إلى جانب الروس في محاولة لتفكيك خيوط الحرب الروسية الأوكرانية.

وروسيا —التي يعتبرها الغرب منبوذة وأراد لها أن تعاني من تبعات العقوبات الشديدة الصرامة— تجلس إلى جانب الأمريكيين من أجل إيجاد حل للحرب يرضي جميع الأطراف، وإن كان عليهم تقديم بعض التنازلات من أجل حقن دماء أبناء البلدين.

المثير هو جلوس وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى جانب نظيره الروسي سيرجي لافروف بدون حضور أوكرانيا، والذي اعتبره الأوروبيون مسارا مستحيلا من أجل التوصل إلى حل، ومطالبتها بإشراك أوكرانيا في أية مفاوضات لإحلال السلام. وهو الشيء نفسه الذي حصل قبلها بأيام، عندما تحدث ترامب في اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمدة تتجاوز الساعة، قبل أن يتصل بعدها بالرئيس الأوكراني زيلينسكي.

والمثير أكثر هو أن الرياض هي من يقود هذه المفاوضات، سيما أنها تعتبر وسيطا مقبولا من طرف أمريكا (حليفها التاريخي) من جهة، وروسيا (شريكها في مسار التحكم في أسعار النفط في السوق العالمية) من جهة أخرى.

ما يمكن استخلاصه من هذه الجولة من المفاوضات أن الدول الثلاثة المشاركة (الولايات المتحدة، روسيا، والسعودية) تحاول بناء صورة وموقع جديدين لها في الخارطة العالمية، خصوصا روسيا التي يمكن اعتبار هذه المفاوضات تطبيعا معها من طرف أمريكا.

على مستوى إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعاد تشكيل التحالفات ومدى التأثير من طرف لاعبين إقليميين مهمين، في محاولة لقلب التوازن الذي خلفته فترة ما بعد الربيع العربي.

فبعد سنة 2011، برز في المنطقة صراع بين ثلاث جبهات من أجل السيطرة والتأثير في المنطقة: جبهة السعودية والإمارات والملكيات العربية إلى جانب مصر؛ جبهة تركيا، قطر، وحلفاءهما خصوصا ضمن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية؛ وجبهة إيران والفصائل التابعة لها في أكثر من دولة عربية. لكن بعد الأحداث التي عرفتها المنطقة في السنة الأخيرة، بادرت بعض القوى الإقليمية من أجل نحت موقع أفضل لها بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي.

هذا المسار انطلق بعد تراجع نفوذ إيران والفصائل التابعة لها جراء حرب إسرائيل عليها وإضعاف جلها. لذلك رأينا كيف توارى النظام الإيراني عن الأنظار في محاولة لترميم صفوفه، وربما العودة بصيغة أخرى وبأولويات أخرى إلى المنطقة.
في خضم ذلك، رأينا كيف استفادت تركيا من الوضع عبر مساهمتها في انتصار فصائل المقاومة السورية المشتغلة في محيطها على نظام بشار الأسد والسيطرة على البلاد؛ وبه تمكنت من فرض أحمد الشرع وإلباسه لباس الشرعية.

بدا هذا واضحا من خلال إسراع عدد من الدول بالاعتراف به رئيسا شرعيا لسوريا، على رأسها السعودية التي استقبل فيها الشرع من طرف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. في نفس السياق، نرى كيف تحاول السعودية فرض نفسها كطرف أساسي في مسار الحلول في لبنان، بعد تقويض قوة حزب الله اللبناني التابع لمنطقة نفوذ إيران.

ضمن هذه الأحداث، يبدو المغرب مرشحا للاستفادة من هذا التحول في مدى انخراط القوى الإقليمية المختلفة، خصوصا أن للمغرب علاقات جيدة مع أمريكا كدولة وترامب كرئيس. كما أن المغرب يتمتع بعلاقة تاريخية قوية مع المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى العلاقة المتزنة التي خلقها مع تركيا، والتي تكللت بقرب تصنيع طائرات مسيرة تركية في المغرب. لذلك، أعتبر أن المغرب سيكون مستفيدا من بروز السعودية وتركيا على حساب إيران، فيما عليه تدبير علاقاته بروسيا بشكل يضمن مصالحه وأمنه القومي.