story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

فخ ترامب

ص ص

من الواضح أن العدو الرئيسي لأمريكا حاليا ومستقبلا هو الصين، هذه الأخيرة صارت منافسا حقيقيا للولايات المتحدة، سواء على المستوى الاقتصادي أو التكنلوجي أو العسكري، بل وحتى السياسي. وقد استيقنت أمريكا أن المواجهة مع التنين الآسيوي باتت حتمية، لكن واشنطن فقدت في السنوات الأخيرة ثقتها في إمكانية تحقيق النصر على بكين، التي استطاعت، بالإضافة إلى ما حققته من تطور في مختلف المجالات، (استطاعت) تأمين علاقات وطيدة مع حلفاء أقوياء وموثوقين، على رأسهم روسيا وإيران وكوريا الشمالية بدرجة أولى، لكن للصين كذلك حلفاء موضوعيين آخرين مثل البرازيل وجنوب إفريقيا. وبالتالي فإن الاستراتيجية الوحيدة التي ما زالت قمينة، حسب اعتقاد واشنطن، بتأمين النصر للولايات المتحدة في مواجهة الصين هي عزل هذه الأخيرة.

عزل الصين، كما أوردنا، يمر حتما وأساسا عبر تدمير حلفائها وخصوصا روسيا التي تعتبر الحليف الأساسي والأقوى لبكين، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، بالإضافة إلى عامل الجوار الصيني-الروسي الذي يجعل إمكانية مهاجمة الصين في غاية الصعوبة والمخاطرة، ولذلك فإن استراتيجية عزل الصين بدورها تمر بداية عبر تدمير روسيا، وهو ما حاولت الولايات المتحدة القيام به من خلال ما يمكن تسميته بالسيناريو “أ” والمتعلق بمحاصرتها اقتصاديا وفرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية والمالية عليها، ومصادرة أرصدتها في اوروبا والولايات المتحدة.

لم توفق أمريكا في مسعاها، بسبب الدور السياسي والاقتصادي الذي لعبته الصين أساسا، بالإضافة إلى دهاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لذلك تعتقد واشنطن أن الوقت قد حان كي تمر لما يمكن تسميته بالسيناريو “ب”، وهو السيناريو الذي يتعلق بالزج بروسيا في أتون حرب طاحنة ومباشرة، دائما من خلال استعمال العامل الأوكراني.

وحيث إن الولايات المتحدة، حفاظا منها على قدراتها من أجل مواجهة الصين، لا تريد أن تكون طرفا مباشرا في الحرب ضد روسيا، وفي غياب أي بديل قادر على القيام بهذه المهمة لمصلحة واشنطن، فقد اختارت أمريكا هذه المرة أوروبا ككبش فداء في مواجهة روسيا.

لقد قررت أمريكا، مضطرة ربما، ولكن بخبث وأنانية بكل تأكيد، أن تضحي بأوروبا وخصوصا ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولونيا، في سياق حربها الطاحنة ضد روسيا، كمرحلة في طريق حربها اللاحقة ضد الصين .وتمر استراتيجية الولايات المتحدة هنا عبر ثلاثة مراحل:

أولا: تحميل أوروبا مسؤولية الأمن والدفاع عن نفسها، وحين نتكلم عن دفاع أوروبا الغربية عن نفسها فإن ذلك يعني بعبارة أخرى الدفاع عن نفسها في مواجهة روسيا تحديدا، لأن أوروبا الغربية لا ترى، منذ قرون طويلة، لها عدوا غير موسكو. وحين تقوم أمريكا بتحميل أوروبا الغربية مسؤولية الدفاع عن نفسها فإن ذلك يعني بأن واشنطن لن تكون طرفا مباشرا في هذه الحرب وهو ما يجرنا للمرحلة الثانية،

ثانيا: كي تصبح أمريكا غير معنية بالدخول مباشرة في الحرب بين روسيا ودول أوروبا الغربية فإن عليها أن تتخلص من الفصل الخامس من الميثاق التأسيسي للحلف الأطلسي والذي يفرض عليها التدخل في النزاع بين روسيا وأوروبا، وكي تتخلص واشنطن من هذه المسؤولية فإنها ستختلق الأسباب والأعذار للانسحاب من الحلف أو تفكيكه أو على الأقل تعديل ميثاقه بما يجعل تدخلها في الحرب غير إجباري، بل خاضع للتقييم السياسي والعسكري وفقا لمصلحتها.

ثالثا: بما أن أوروبا الغربية لن تبقى، بعد الحرب المدمرة التي ستخوضها، حليفا يستحق الاعتبار، فإن واشنطن ستعمل على استنزاف مقدرات الأوروبيين من خلال بيعهم السلاح والمعدات والطاقة والتكنولوجيا بكل أنواعها، كي تستمر الحرب أطول فترة ممكنة أو حتى آخر أوروبي وآخر روسي.

وقبل كل هذا وذاك، وبعقل وبداهة التاجر الذي يستبق الكوارث والأزمات باقتناء كل ذي قيمة لإعادة بيعه لاحقا، فإن أمريكا وترامب، وماسك على وجه الخصوص، سيعملون على الضغط على زلينسكي للتوقيع على التنازل عن أهم ما في أوكرانيا، من خلال التوقيع على تفويت نصف مخزون البلد من المعادن النادرة للولايات المتحدة، والاعتراف بمديونية بلاده اتجاه أمريكا بما لا يقل عن خمسمائة مليار دولار.

في الجهة المقابلة، يبدو من خلال تصريحات القيادة الروسية، أنها واعية إلى حد بعيد بهذا الفخ، وتعمل على تمطيط المفاوضات لأنها تعلم أن ترامب يفتقد للوقت، لكون الأزمة الاقتصادية الداخلية ستداهمه سريعا، ولأن حجم المشاكل الداخلية للولايات المتحدة كبير جدا، وحالة التقاطب حادة لدرجة أن ترامب سيضطر سريعا لمواجهة الداخل وتأجيل أجندته الخارجية.

وأعتقد أن روسيا، من الناحية الرمزية، ستعمل على جر المفاوضات مع الولايات المتحدة وفي غياب أوكرانيا، على الأقل لمدة شهرين ونصف حتى يتصادف التوقيع على إنهاء الحرب مع تاريخ التاسع من ماي الذي يصادف اليوم الوطني لروسيا، وهو يوم الانتصار على هتلر وعلى النازية سنة 1945 وتحتفل به روسيا كل سنة. بينما لا يبدو لي، من خلال حالة الاندفاع التي يبديها ماكرون، أنه يدرك الفخ الذي ينصبه ترامب له ولرفاقه في الاتحاد الاوروبي بمساعدة البريطانيين.
تظن واشنطن أنها بعد انتهاء الحرب الروسية الأوروبية، لن تحتاج للدخول في صراع مسلح مع الصين لأن هذه الأخيرة ستصير فاقدة للدعم والسند وبالتالي ستقبل بالدور الذي ستقترحه عليها أمريكا.

وطبعا كما يقول المغاربة: “اللي تيحسب بوحود ديما تيشيط ليه”.