story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

ساعة الشؤم

ص ص

بدأت مقالي السابق الذي حمل عنوان “الساعة لله” عقب شهر رمضان الماضي، باستشهاد ورد على لسان طفلتي الكبرى التي كانت تعبّر عن ساعدتها خلال الشهر الكريم بمشاهدة الطريق وهي “ملوّنة” بفضل العودة إلى “الساعة القانونية”، وهذا الصباح، يأتي الدور على طفلتي الصغرى التي لاحظت ونحن نهمّ بالخروج نحو المدرسة، كيف أن “الشمس مستيقظة”، بعدما اعتادت على البحث عن القمر أو الهلال في السماء المظلمة…

حرصت طفلتي الصغرى على وصف المشهد بدقة وهي تقول إن الشمس مستيقظة وتحيط بها بعض السّحب، أي أنها رأت منظرا طبيعيا لم تسبق لها رؤيته منذ التحاقها بمدرستها الخريف الماضي.

وعلى طول الطريق المؤدية إلى المدرسة ثم إلى هذا المقهى الذي أرتشف فيه جرعتي الصباحية من الكافيين وأكتب فيه هذا المقال، تبدو الحياة طبيعية للغاية، وعدد الآباء والأمهات الذين وصولا إلى باب المدرسة باكرا يبدو أكبر بكثير هذا الصباح، والأجواء دافئة والوجوه شبه خالية من وجومها الصباحي المعتاد، وحتى المغنّي الذي يردّد عبر الراديو “تبغي مول الشاطو للي عندو باطو”، تحمل على الطرب حتى وهي تتغنى بالفقر و”الزلط”.

بل إن بعض الأجراء والموظفين يبدون في محيط مقرات عملهم وقد وصلوا قبل الأوان، كما لو خرجوا خصيصا للاستمتاع بصباح طبيعي حرمتهم منه “ساعة رونو”، ويتذوقون قطعة من إيقاع حياتهم الطبيعي الذي سُرق منهم.

لحسن حظنا هناك شهر رمضان الذي يمنحنا هذا الأسبوع من الإيقاع الطبيعي للحياة قبيل حلوله. ولولا هذا الشهر الكريم لكانت آلة الاستعباد قد فرضت علينا نسيان أمر التوقيت العالمي الموحّد الذي يطابق طباعنا ويلائم إيقاعاتنا البيولوجية.

لحسن الحظ هناك رمضان الذي يُجبر المسؤولين على العودة إلى “الساعة القانونية”، ويمنحنا فرصة لنذكّرهم أننا نشعر كل صباح ومساء، بمقدار ازدرائهم لها واسترخاصهم لراحتنا واستهانتهم بمشاعرنا ورغباتنا.

نحن الآن في عامنا السابع منذ إقرار الساعة الإضافية كعذاب يومي دائم في حق المغاربة، ولم يصدر إلى اليوم ما وعدت به الحكومة السابقة من تقارير ودراسات تبيّن لنا باب المصلحة في اعتماد هذا التوقيت الجديد.

قالوا حينها إن هناك ربحا هزيلا لبضع عشرات من ملايين الدراهم، زعموا أنهم يوفّرونه من كلفة الطاقة، وقلنا لهم إننا على استعداد للمساهمة بمقدار ما نمنحه لحارس سيارات “مشرمل” اتقاء لشرّه وانتقامه، مقابل استرجاعنا ساعتنا القانونية.

وعندما أعوزتهم الحجة ولاذوا بالصمت والفرار، بات هناك من يتطوّع بين الفينة والأخرى ليشرح لنا كيف أن الساعة الإضافية تقرّبنا من إيقاع العمل في أوربا، وكيف أن المسؤولين هناك، خاصة في فرنسا، يبدؤون يوم عملهم قبلنا ولا يجدوننا في مكاتبنا ومقرات عملنا، ونحن المرتبطون بهم سياسيا وتجاريا…

لا يدرك هؤلاء أنهم ينظّرون لفكرة تجعلنا شعبا من “الخمّاسين” عند أسيادنا الفرنسيين والأوربيين، وعوض أن يأتي إلينا هؤلاء، كما فعل أجدادهم، بالغزو والاستعمار، نذهب نحن إليهم، صاغرين خاضعين، ومستجدين فتات نموّهم الاقتصادي.

لن يجد القائمون على تدبير شأننا العام، ولا المتطوّعون لتبرير اختياراتهم، في أي من التجارب الدولية، وفي فترات الساعة القانونية أو الساعة الزائدة الدودية، ما يقنعوننا به بجدوى أو فائدة هذه الساعة المشؤومة.

الكثير من البلدان أصدرت مؤخرا قرارات بإلغاء العمل بالتوقيت الصيفي، علما أنه توقيت صيفي فقط ولا يتم العمل به طيلة السنة. وحتى التجارب القليلة التي تم فيها تعميم التوقيت الصيفي على باقي شهور السنة، فهي مرتبطة بظروف اقتصادية أو جيوسياسية استثنائية، أو اقتصادات لها نموذج تنموي واضح واختيارات مبررة بالنمو الحقيقي والحاجة الفعلية إلى التقارب مع الأسواق. أي أن المواطن يقطف ثمار هذا التقارب ويتقاسمها.

أما عندنا، المعنى الوحيد الذي تخلّفه الساعة الإضافية عند عموم المغاربة، بعد الشعور بالازدراء والتحقير، هو الخضوع لسطوة المستعمر الفرنسي.

كيف لا يستبدّ بنا هذا الشعور، ونحن نعيش على إيقاع محاكمة جماعية لمجموعة من النشطاء المناهضين للتطبيع، بسبب وقوفهم أمام مقر علامة تجارية فرنسية شهيرة، وأخرى لشخص، مفرد، بدعوى إساءته للرئيس الفرنسي…

إنها بكل اختصار، ساعة شؤم.