اكتظاظ السجون يثير سجالا بين قضاة ومندوبية التامك
أثارت دعوة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج السلطات القضائية إلى إيجاد حلول لإشكالية اكتظاظ السجون بالمغرب حفيظة جزء من الجسم القضائي الذي رأى في دعوة المندوبية “تدخلا من شأنه المس باستقلالية السلطة القضائية”.
وضع مقلق
وحذرت مندوبية السجون، في بلاغ أصدرته أمس الإثنين، من “الوضع الإشكالي المقلق” الذي باتت تعرفه السجون في المغرب بسبب الاكتظاظ الناتج عن تجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون بأزيد من 35 ألف سرير، منذرة باختلالات أو حتى انفلاتات أمنية، علاوة عن مشاكل التي من المفروض أن تنتج عن هذا الوضع والمتعلقة بظروف الإيواء والتغذية والتطبيب والاستفادة من برامج التأهيل لإعادة الإدماج.
واعتبرت المندوبية أن “السلطات القضائية والإدارية” معنية بهذا الوضع مطالبة إياها ب”بالإسراع في إيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة هذه الإشكالية”.
كما نبهت إلى “تزايد الساكنة السجنية مستقبلا إذا ما استمر الاعتقال بالوتيرة الحالية، ولم تتخذ الإجراءات الضرورية والاستعجالية لتدارك الوضع”. ويشكل “اللجوء المكثف للاعتقال الاحتياطي (نحو 40 بالمئة من العدد الإجمالي للسجناء بالمغرب)” طغطا على السجون بالمغرب.
وسبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن انتقد لجوء القضاة لهذه الآلية التي تزدوج مع بطء المحاكمات والتطبيق شبه المنعدم للمقتضيات القانونية المتعلقة بالإفراج المقيد بشروط.
غضب القضاء
رابطة قضاة المغرب رفضت إقحام القضاة وتوجيه أي مطالب إليهم أو تحميلهم المسؤولية عن واقع الاكتظاظ بسبب اللجوء إلى الاعتقال في الأحكام الصادرة عنهم.
ورأى قضاة الرابطة، في بلاغ مضاد صدر أمس بفارق ساعات قليلة عن بلاغ مندوبية السجون، ما تطالب به هذه الأخيرة “تدخلا من شأنه المس باستقلال السلطة القضائية أو التأثير على قرارات قضاتها الملزمين بتطبيق القانون، بما في ذلك تعليل قراراتهم المرتبطة بالمتابعات في حالة اعتقال أو سراح”.
وعبروا عن رفضهم “لأي توجيه أو تدخل في الشأن القضائي والذي لم يغيب يوما توجهات الدولة في السياسات الجنائية واستراتيجية مكافحة الجريمة وإنزال العقاب، وجعل الاعتقال استثناء وليس أصل”.
عدم التساهل مع المجرمين
ومقابل حديث مندوبية السجون عن تسبب الاكتظاظ في حالات انفلات أمني، قال عبد العالي المصباحي، رئيس رابطة قضاة المغرب، في تعليق بموقع فايسبوك حول القضية، إن “تطبيق القانون لم يكن يوما سببا في الانفلات الأمني وما كان زجر الخارجين عن القانون يوما سببا في المطالبة بالتخفيف من وتيرة الاعتقال”.
واعتبر أن بيان الرابطة التي يرأسها جاء لرفع اللبس عن ما اعتبره مغالطات، منوها “بدستور 2011 الذي أعطى للقضاء منبرا للتواصل لرفع اللبس عن بعض المفاهيم المغلوطة”.
وعلل المصباحي، في البيان، اللجوء للأحكام السجنية ب”محاربة الجريمة وعدم التساهل مع المجرمين تحسبا من كل إفلات من العقاب وتحقيقا للردع العام والخاص”، معتبرين أن هذه الأحكام تعود ل”تفاقم مضطرد للجريمة كما وكيفا خلال السنوات العشر الأخيرة”.
اكتظاظ خانق
وإلى حدود الآن، بلغ عدد السجناء في مختلف المؤسسات السجنية ما مجموعه 100 ألف و4 سجناء، وهو رقم قياسي وفقا لمندوبية السجون، علما أن الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية حاليا لا تتجاوز 64 ألفا و600 سرير، وذلك رغم توسيع حظيرة السجون بالمغرب.
ومثلاً، بلغ عدد السجناء بالسجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء (المعروف بسجن “عكاشة”) ما مجموعه 10 آلاف و877 سجينا، علما أن عدد الأسرة لا يتجاوز 3 آلاف و800 سرير.
حل العقوبات البديلة
النقاش حول اكتظاظ السجون في المملكة ليس حديثا بل سبق أن أثارته عدد من التقارير حقوقية سواء مدنية أو رسمية، من ضمنها تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي يحمل القضاة جزء من مسؤولية وضعية السجون.
تقرير للمجلس يدين القضاة بقوله أن أزمة السجون تعود إلى مجموعة من الأسباب من بينها “اللجوء المكثف للاعتقال الاحتياطي (نحو 40 بالمئة من العدد الإجمالي للسجناء)، وبطء المحاكمات، والتطبيق شبه المنعدم للمقتضيات القانونية المتعلقة بالإفراج المقيد بشروط، والإعمال المحدود لإجراءات الصلح، وعدم تطبيق التدبير المتعلق بالأشخاص المصابين بأمراض عقلية”.
ومن بين توصيات المجلس “ضرورة صياغة استراتيجية شمولية ومنسجمة لإدراج العقوبات البديلة واتخاذ تدابير للسياسات العمومية، لتوسيع عرض مراكز التكفل وإعادة تأهيل المجموعات الأكثر هشاشة، التي قد تخضع للعقوبات البديلة”، كما أوصى في نفس الإطار بـ”إعداد مخطط لدعم قدرات مهنيي العدالة، في مجال تحديد العقوبات البديلة وتنفيذها”.
وقد حرصت رابطة قضاة المغرب على الإشارة إلى بدائل الاعتقال الاحتياطي المرتقب إقرارها ضمن تعديلات القانون الجنائي.