6 مفاتيح لفهم خسارة جولة أديس أبابا

انتهت القمة 38 لمنظمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت نهاية الأسبوع الماضي، بانتخاب وزير خارجية الجيبوتي، محمود علي يوسف، رئيسا جديدا لمفوضية الاتحاد، خلفا للتشادي محمد موسى فقي؛ فيما تم انتخاب سفيرة الجزائر لدى إثيوبيا وممثلتها الدائمة لدى الاتحاد، مليكة سلمى حدادي، نائبة لرئيس المفوضية.
هذه الأخيرة فازت بالمنصب بعد منافسة حامية الوطيس مع المرشحة المغربية لطيفة أخرباش، وهو الحدث الذي هيمن على اهتمام الرأي العام في كل من المغرب والجزائر، وفتح الباب أمام جولة جديدة من الرشقات المتبادلة عبر المنصات الرقمية ووسائل الإعلام التقليدية، خاصة من الجانب الجزائري.
ورغم صعوبة الاقتراب من موضوع حارق مثل هذا دون الخضوع لتأثير هذه المواجهة العاصفة، فإنني في هذه المحاولة التي استعنت فيها بعدد كبير من المصادر التي أثق في معطياتها وتقديراتها، أقدم مجموعة من المفاتيح التي تسمح بقراءة ما جرى، دون انسياق للمشاعر الوطنية، المشروعة والمطلوبة لكن بعيدا عن السياق الذي يستدعي قدرا من الموضوعية، ولا إسداء خدمة مجانية لخصوم المغرب الذين باتوا يفرضون علينا رقابة ذاتية متزايدة لإمعانهم في إخراج ما نعبّر عنه من نقد لسلطات بلادنا عن سياقه وتوظيفه؛ ودون تصيّد للفرصة ضد أي كان، سواء وزير خارجيتنا ناصر بوريطة أو ما فوقه أو ما تحته، عن يمينه أو عن يساره.
• أولا: تطبيق قاعدة “الهرم المقلوب” في سياقنا هذا يجعل انتخاب نائب رئيس المفوضية أهم من انتخاب الرئيس نفسه، لكوننا شاركنا في المنافسة. وأول ما ينبغي البحث عنه في أية قراءة منتجة للمعنى، هو قيمة ومعنى هذا المنصب. وحسب النظام الأساسي للاتحاد، فإن نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي يتولى مجموعة من المهام الأساسية التي تضمن سير العمل بفعالية داخل الاتحاد. ويتمتع نائب الرئيس بمهام تتمثل في مساعدة الرئيس في أداء مهامه، وإدارة الشؤون الإدارية والمالية بما يضمن استخدام الموارد بشكل فعّال وشفاف. كما يتولى نائب الرئيس مهام هذا الأخير في حالات الغياب أو العجز، ويقوم بتنسيق عمل المفوضين، والتنسيق بين المفوضية وبقية أجهزة الاتحاد الإفريقي. كما يجوز لرئيس المفوضية تفويض بعض صلاحياته إلى نائب الرئيس حسب ما يراه مناسبا. فما الذي خسرناه حين آل هذا المنصب إلى الجزائر؟ “لا شيء تقريبا، باستثناء الصلاحيات المالية والإدارية التي يمكن توظيفها ضد المغرب في مجال الشراكات”، يقول أحد المصادر الجديرة بالثقة؛
• ثانيا: فاز وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بجيبوتي، محمود علي يوسف، بمنصب رئيس المفوضية، وهو ما حمل البعض، من بيننا، على التعبير عن الارتياح باعتباره “حليفا” للمغرب. صحيح أن علي يوسف كان في ضيافتنا قبل أسابيع قليلة، حيث استقبله وزير الخارجية ناصر بوريطة، وتسلّم منه رسالة خطية موجهة من رئيس جمهورية جيبوتي إسماعيل عمر جيله إلى الملك محمد السادس، وعبّر علانية عن سعيه للحصول على دعم المملكة لترشيحه لمنصب رئيس المفوضية. كما واجه الرجل دعاية مضللة قوية شبيهة لتلك التي واجهها المغرب في الأيام الماضية من جانب الجزائر، حاولت عرقلة ترشيحه، ونشرت أخبار زائفة حول انسحابه بشكل متكرر. بالتالي وصول محمود علي يوسف إلى منصب رئيس المفوضية مكسب مغربي لا غبار عليه، لكن أكثر من مصدر تحدّثت إليه في اليومين الماضيين، حذّروا من تضخيم هذا المكسب، لأن “في العمل الدبلوماسي لا ينبغي إسقاط ما هو ثنائي على ما يخضع لتعدّد الطراف”، يقول مصدر أول، “علينا انتظار مباشرته لمهامه وتشكيل فريق عمله حتى نتأكد هل سيستمرّ صديقا لنا أم لا”، يقول مصدر آخر؛
• ثالثا: لكي نفهم ما جرى في أديس أبابا نهاية الأسبوع الماضي، علينا توسيع زاوية النظر وعدم حصرها في الجزائر. هناك دولتان لعبتا دورا كبيرا، بل وربما حاسما في ما جرى، هما مصر وجنوب أفريقيا. ما وقع قبل يومين ينبغي أن ينبّه الدبلوماسية المغربية مجددا إلى حاجتنا الكبيرة للاشتغال أكثر على العلاقات مع مصر، والتي تبدو محتفظة بكثير من الهواجس تجاه المغرب. تطوّر علاقاتنا مؤخرا مع إثيوبيا أحدث شرخا مع القاهرة، وانضاف إلى مخاوف قديمة من القوة الناعمة للمغرب في إفريقيا، وانعكاسها المحتمل على المصالح المصرية. ترشيح الدبلوماسية المصرية حنان مرسي للمنافسة على منصب نائب الرئيس اتّسم بسمات كلاسيكية للدبلوماسية المصرية: التموقع من أجل التفاوض. فهذا الترشيح لا يحمل أي أثر للجدية، ولا يعقل أن قيمة ووزن مصر في إفريقيا يتمثل في ستة أصوات التي حصلت عليها مرسي. “علينا أن ننتظر لنعرف ماذا انتزعت مصر من الجزائر لتنسحب لصالحها من السباق”، يقول أحد المصادر. وبينما تساءل مصدر آخر لماذا لم يدعم المغرب المرشحة المصرية لقطع الطريق على الجزائر، قال مصدرنا الأول إن الترشيح المصري لهذا المنصب لم يكن جديا بالقدر الذي يسمح بمثل هذه المناورة. أما جنوب إفريقيا، فكانت الجندي المجهول في ما وقع، واللقطات المصورة لما بعد انتخاب المرشحة الجزائرية تُظهر الفرحة الكبيرة لوفد بريتوريا، وهو ما يعني فشلنا في تحييد هذه الدولة الإفريقية الوازنة.
• رابعا: هناك نقط ضعف كبيرة في المعسكر المغربي داخل الاتحاد الإفريقي. فبين رقم 28 دولة التي بادرت صيف العام 2016 إلى الإعلان عن رغبتها في عودة المغرب إلى المنظمة القارية، وعدد الأصوات التي حصلنا عليها في معركة منصب نائب رئيس المفوضية، أي 22 دولة، يوجد الرقم 6 الذي يطابق عدد الدول التي جمّد الاتحاد الافريقي عضويتها لأسباب ترتبط بالانقلابات وعدم احترام مبادئ الديمقراطية… وكلّها دول تنتمي إلى المعسكر الفرنكوفوني الداعم للمغرب. لكن هذا المعطى لا يكفي لتفسير ما جرى. فمن جهة أولى كان يفترض توسيع هذا المعسكر الداعم لنا في مواجهة الجزائر بعد 8 سنوات قضيناها داخل الاتحاد الإفريقي وهياكله، وهو ما تبيّت حاليا أنه لم يحصل، ومن جهة ثانية، هناك تصدّعات واختلالات داخل هذا المعسكر الذي دعّم عودتنا، حيث تقوم بعض الدول بمناورات أشبه باللعب على الحبلين، وتجعل بالتالي مصالحنا معرضة لخطر الهشاشة.
• خامسا: هناك اختلاف واضح في الأسلوب الدبلوماسي لكل من المغرب والجزائر، حيث نواصل الاعتماد على الدبلوماسية الهادئة والتي تعمل في العمق وبعيدا عن الدعاية والتعبئة والحشد، عكس الجزائر التي تمعن في استعمال هذا الأسلوب. قد يقول قائل إننا في حلبة دبلوماسية ولسنا في مباراة للريكبي. وهذا صحيح، غير أن مصادر جيدة الاطلاع على كواليس الاتحاد الافريقي، وجديرة بكثير من الثقة بالنسبة إلي، تنبّه إلى أن المعارك الدبلوماسية لا تدور دائما على مستوى رؤساء الدول والحكومات حتى يمكن الاعتماد فيها على الدور الملكي المباشر. ففي معركة نائب رئيس المفوضية، كان لتجربة مليكة سلمى حدادي في إفريقيا، وشبكة العلاقات الجزائرية داخل الجسم الدبلوماسي الإفريقي، تأثير واضح. وكان هناك اشتغال كبير بمنطق “الحملة” داخل ردهات الاتحاد، “يمكن لسفير دولة أن يكون حاسما في التوصية التي يقدّمها لوزير خارجية بلاده بشأن التصويت لصالح هذا المرشح أو ذاك”، يقول أحد المصادر. إننا نواصل جرّ تبعات مرحلة المقعد الفارغ التي طالت ثلاثة عقود في الساحة الإفريقية، كما نعاني من تحميل المؤسسة الملكية كامل العبء في تحقيق أي اختراق أو انتزع أي مكسب… آلتنا الدبلوماسية تحتاج إلى تأهيل وتطوير وفعالية أكبر.
• سادسا: لماذا راهنت الجزائر بكل ذلك الإصرار والعنف على انتزاع منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي؟ الجواب يرتبط دون شك، ولو جزئيا، بمحاولة تحقيق التوازن مع ما بدا انتصارا مغربيا يتمثل في وصول وزير خارجية جيبوتي إلي منصب الرئيس، إلى جانب الاختراقات العميقة والهادئة التي يقوم بها المغرب، وإن كان ذلك ببطء كبير، على غرار ما جرى مع الموقف الغاني الأخير الذي سحب الاعتراف بجمهورية البوليساريو المزعومة، والصعود المتواصل للنفوذ المغربي في مجالات غير تقليدية مثل كينيا، وإثيوبيا، وحضوره اللافت في الأزمة الرواندية الكونغولية… لكن هناك جواب آخر كان من بين ما سمعته من مصادري في اليومين الماضيين وأنا أبحث عن مفاتيح للفهم: حاجة النظام الجزائري إلى إنجاز يسوّقه داخليا.