story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

السيستم طايح

ص ص

في أحد أيام الأسبوع الماضي، قصدت إحدى وكالات التعاضدية العامة للتربية الوطنية من أجل تقديم طلب لتعويض عن المرض لأحد أفراد العائلة. وعند ولوجي للوكالة، فوجئت بعشرات المواطنين متذمرين من عدم قدرة الموظفين تسلم ملفاتهم الطبية، والسبب هو أن “السيستم طايح”.

وقفت إلى جانب باقي المواطنين الذين تركوا أعمالهم لقضاء مصالحهم في الوكالة لمدة ساعة من الزمان لم يتم معالجة أي ملف فيها، مما قادني إلى مغادرة الوكالة دون قضاء المصلحة.

لو كانت هذه التجربة عرضية وغير متكررة لما كانت تستحق أن يكتب عنها أو مناقشتها. لكن للأسف، هذا التبرير واجهته في تعاملي مع وكالات بنكية، وكالات بريد، إدارات عمومية، ووكالات أخرى خاصة. ومنه يجب أن نطرح السؤال عما إذا كانت مصالح المواطنين لا تستحق أن تكون أولوية بالنسبة لمشاريع الدولة؟ هل يعقل أن يقصد المواطن الإدارة أو الوكالة كمقامر لا يعرف إن كان سيجد “السيستم” مشتغلا أم لا؟

عند سؤالي لأحد الأصدقاء المختصين في المعلوميات والذي لديه خبرة في الاشتغال مع الإدارات العمومية، نبهني إلى أن جزءا كبيرا من التحدي يكمن في الخوادم (servers) التي تستعملها هذه الإدارات، وأنه من الممكن تجنب هذه المشاكل إن استثمرت الدولة في خوادم قوية وكبيرة حجم التخزين.

ثم استدرك صديقي ليتحدث كذلك عن مدى سرعة صبيب الأنترنت وتأثيرها على عمل الإدارات والشركات الخاصة، وختاما أشار إلى ضعف البنية التحتية المعلوماتية للإدارات العمومية.

عندما يتابع المواطن حجم الأموال التي تنفق في إطار مشاريع عملاقة، بينما تبقى مصالح المواطن اليومية معطلة بسبب هذا التبرير المتكرر، فمن الطبيعي أن يتساءل إن كان فقط إضافة غير مهمة في معادلات الدولة. المغرب مقبل على استحقاقات قارية وعالمية مهمة، ولا يمكن أن يكون مستوى المواطن المغربي غير مؤهل لمجاراة هذه التظاهرات.

كما أنه وفي ظل محاولة المغرب الرفع من مساوى اقتصاده، فإن مثل هذه التحديات لها تأثير كبير على مردودية وسمعة الاقتصاد المغربي. عندما تتعطل مصالح الأفراد، ذاتيين كانوا أم معنويين، فهذا تكون له تبعات على نجاعة الاقتصاد. فكم من معاملة بنكية أو إدارية تعطلت بسبب عدم قدرة الموظفين إجراءها في الوقت المناسب، مع ما يكلف ذلك من وقت وجهد ومال.

بالإضافة إلى ذلك، يشكل ضعف مستوى وجودة البنية التحتية المعلوماتية في المغرب تهديدا لسلامة المعطيات الشخصية للمواطنين المغاربة، إلى جانب المعلومات الاقتصادية التي تبقى عرضة للقرصنة أو الضياع بسبب الأعطال المتكررة في الخدمة.

ثم إن هذا النوع من التحديات لا تساعد الشباب المغربي على الاستثمار في قطاعات تتطلب تواجد خوادم قوية وصبيب أنترنت سريع، وهذا النوع من الاستثمارات هو الذي يشتمل على قيم مضافة كبيرة وتستطيع جلب عملة صعبة مهمة يحتاجها البلد بشدة.

كل تقدم لبلد ما لا يمكن وصفه بالتنمية إلا إذا كان المواطن ومصالحه في بؤرته: أي أن كل ما تقوم به الدولة وأجهزتها يجب أن يكون في صالح خدمة المواطن والرفع من مستوى عيشه. لذلك على الدولة أن تعتبر قضاء مصالح المواطن في الإدارات العمومية وفي القطاع الخاص من أولى أولوياتها، وأن كل المشاريع التي تنخرط فيها هي في نهاية المطاف ليست نهاية في حد ذاتها، بل وسيلة من أجل الهدف الأسمى، وهو خدمة المواطن وتحسين جودة حياته في شموليتها.