بعض معالم خارطة الطريق لما بعد التصويت على القانون التكبيلي للإضراب 97.15
من المهم فتح نقاش عمومي حول مستقبل العمل النقابي بعد 05 فبراير 2025، ذلك أن ما حدث في هذا التاريخ ليس حدثا عاديا بل هو ما لم تجرؤ على القيام به السلطة منذ الاستقلال إلى اليوم. وسيكون له ما بعده على السلوك النقابي والاحتجاجي في المغرب. أحاول خلال هذه المقالة أن أبسط بين يدي النقابيين والمهتمين بعض معالم خارطة الطريق لتدبير هذه المرحلة الدقيقة. لكن بدءا دعنا نعرج على حدث التصويت على مشروع القانون 97.15 لنسجل بعض الملاحظات ذات الدلالة.
1- ملاحظات على حدث التصويت على مشروع القانون 97.15 :
أقف، من بين الملاحظات على حدث تمرير مشروع قانون تكبيل الإضراب 97.15، على خمس ملاحظات اعتبرها ذات دلالة هامة :
(1) جرأة وجسارة السلطة في البلد على إخراج هذا القانون إلى أرض الواقع بعد 69 سنة من الاستقلال. فلعلها قدرت أنها في أريح حالتها، وأن الحركة النقابية في أضعف حالتها، وأن الضغط الخارجي في أعلى مستوياته فأقلبت غير مبالية بالتفاصيل والمآلات. (2) تنكر الحكومة لالتزاماتها في الحوار الاجتماعي القاضية بضرورة التقيد بالمنهجية التوافقية لصياغة القانون مفضلة اعتماد منطق الأغلبية العددية في البرلمان، الذي لا يعبر هو نفسه على أغلبية الشعب. وفيها وأد لآلية الحوار الاجتماعي ولشعار الديموقراطية التشاركية. (3) الغياب الكبير للنواب عن الجلسة النيابية التي صوتت على مشروع القانون في قراءة ثانية؛ حيث غاب عنها 291 نائبا من أصل 395، وحضرها فقط 104، وتوزعوا بين : 84 موافقين، و20 معارضين في استهتار بالمسؤولية التشريعية. (4) تزامن تصويت الأغلبية الحكومية على القانون مع خوض الشغيلة المغربية إضرابا عاما إنذاريا شمل كل القطاعات والمجالات. وفي هذا استهتار أيضا بالديموقراطية التشاركية، واستخفاف بقوة تأثير الحركة النقابية، وإعلاء لمنطق السلطوية والتحكم. (5) تناقض سريالي في المواقف بين الحزبي والنقابي، تجلت حين صوت الحزب بنعم في البرلمان ودعت نقابة الحزب للإضراب العام، بالمقابل صوت الحزب بلا ومنع الذراع النقابي من الانخراط في الإضراب العام.
اعتقد أن خطوة تمرير قانون تكبيل الإضراب ما هو إلا حلقة أولى في مسلسل استهداف ما تبقى من مكتسبات الشغيلة المغربية والطبقات الهشة في البلاد؛ ذلك أن 5 فبراير 2025 له ما بعده. لاسيما بعد التضييق على الحركة النقابية في استعمال سلاحها الدستوري للدفاع عن نفسها تجاه تغول السلطة والرأسمال، وضرب ما تبقى من مصداقيتها وسط الشغيلة.
2- معالم خارطة الطريق لتدبير مرحلة ما بعد 25 فبراير 2025
ما هي معالم خارطة الطريق التي ينبغي للحركة النقابية تسطيرها وتنزيلها لتدبير المرحلة المقبلة ؟ لاسيما وأن السلطات مقبلة على تنزيل مسلسل تراجعي خطير في مجال الحماية الاجتماعية وفي مقدمتها إصلاح أنظمة التقاعد، و تنزيل قانون النقابات، وإصلاح مدونة الشغل وهلم جرا … إسهاما في فتح أبواب الحوار حول هذا الموضوع، أضع بين أيدي المناضلين والمهتمين المقترح الآتي :
1- إن الحركة النقابية مطالبة بإعمال آليات النقد الذاتي بشكل انفرادي و جماعي لتقييم الذات، وتدقيق نقاط قوتها، واستجلاء اختلالاتها، وتشخيص العقبات التي تعترضها، وتحديد الفرص المتاحة أمامها؛ وكذا الإجابة من باب الوضوح والمسؤولية عن الأسئلة الملحة التي تواجهها، وفي مقدمتها : لماذا لم تستطع النقابات حماية الحق في الإضراب ؟ ولماذا تطاولت الحكومة كل هذا التطاول على حماها ؟ ولماذا الآن بالضبط ؟ ولماذا لم تنجح فيما نجح فيه حراك التعليم -على سبيل المثال لا الحصر- حين فرض إعادة صياغة مرسوم النظام الأساسي ؟ ولماذا غابت الجبهة الاجتماعية عن المشهد ؟ ولماذا فشلت جبهتي التقاعد في التنسيق والتعبئة الجماهيرية وتحقيق الأهداف ؟ وهل كان بالإمكان أفضل مما كان؟ وما مصير النقابة بعد هذا الاستهداف؟وغيرها من الأسئلة الحارقة، التي يعتبر الجواب عنها مفتاح المرحلة المقبلة. ويمكن للآليات التنظيمية والفضاءات النقابية ووسائل الإعلام بكل أصنافها أن تكون وعاء مناسبا لتنزيل هذا الورش الاستراتيجي، شريطة توفر الإرادة النضالية والشجاعة والمسؤولية في ممارسة النقد الذاتي.
2 – فتح حوار نقابي استراتيجي حقيقي يشارك فيه نقابيون من مختلف الهيئات النقابية وكذا القطاعات النقابية للتيارات السياسية بدون إقصاء، وذلك إعمالا للذكاء الجمعي من أجل بلورة إجابة واعية وعميقة حول الأسئلة التي تهم مستقبل الحركة النقابية في ظل التحديات التي تواجهها في المرحلة المقبلة، والأدوار التي يمكن أن تلعبها بعد 5 فبراير 2025. إذا كانت إشكالات العمل النقابي منذ بداية الألفية الثالثة متعددة، يصنفها الكثيرون في خانة مظاهر أزمة العمل النقابي، فإن ما حدث يزيد الطين بلة، ويجعل من الاجتهاد الجماعي والإبداع في المسارات النضالية مستقبلا مطلبان ملحان وفي مختلف واجهات العمل، كما أن تجميع الذات في جبهة نقابية جامعة موحدة ومناضلة تتجاوز اختلالات التجارب الماضية، وتعيد ترتيب المشهد الاجتماعي، وترجح موازين القوى لصالح قوة العمل في وجه تغول السلطة وجشع الرأسمال مطلب وجيه ذو أولوية، ينبغي أن ينال حظه من الحوار العميق والمسؤول، وهذا يطلب تدبيرا عقلانيا يتعالى عن حمى التنافس الانتخابي المهني الذي بدأت رياحه تهب.
3- استباق المرحلة القريبة المقبلة بصياغة جماعية- ما أمكن- لخطة نضالية للتصدي للمخططات للحكومية الزاحفة على مكتسبات الشغيلة والطبقات المتوسطة والضعيفة. واستحضر في هذا الصدد عددا من الملفات التي تتنافس على الصدارة في لائحة القضايا الاجتماعية ذات الأولوية، كتفعيل إدماج الصندوقين cnops و cnss بعد إقراره، وإصلاح منظومة التقاعد، ومعالجة ارتفاع معدلات البطالة في ظل انخفاض معدلات النمو وتوالي سنوات الجفاف، وإشكالات الحماية الاجتماعية، وفي مقدمتها التغطية الصحية بعد التخلي عن المرفق العمومي الصحي، ومعضلة إنهاك القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار ومعدلات الفقر والحاجة، وجمود معاشات المتقاعدين المنذرة بالأسوء، وخصخصة قطاع الطاقة والماء والكهرباء، وشرعنة هشاشة استقرار الشغل … وهلم جرا.
إن المسؤولية الاجتماعية للنقابات كبيرة. فكيف السبيل ؟ وهل النقابة وحدها المسؤولة عن التصدي لكل هذا الكلكل الثقيل؟
إن ما تزخر به الشغيلة المغربية، والساحة النقابية من طاقات ومبادرات وفعاليات كبير، لعل أبرزها ما عاشته قطاعات العدل والتعليم والصحة من حراكات نضالية قوية استطاعت انتزاع مطالبها. وإن ما يحيط بالحركة النقابية من حاضنة اجتماعية متقذة لها امتدادات داخلها، قد تشكلان أساسان لبناء جبهة اجتماعية قوية تستفيد من تجارب جبهات مجتمعية فاعلة، اتسعت لمختلف التيارات بدون إقصاء فحققت إنجازات لا تخطئها العين. واعتقد أن أي تخلف للحركة النقابية عن القيام بواجبات الوقت يهددها بالأسوء. لأن إقرار قانون تكبيل الإضراب ليس نهاية المسار إنما هو تجريد للحركة النقابية من سلاحها القانوني للانفراد بها وصرعها، لتنزيل ما يخطط له على المكاتب الإدارية. ولعل من أهداف تمرير هذا القانون ضرب ما تبقى من مصداقية وجماهيرية وقوة النقابة. بالمقابل، لابد من الإشارة إلى أن هذا السيف ذو حدين لأن الساحة تأبى الفراغ فتنتج البدائل، وأن ضرب المؤسسات المجتمعية الوسيطة من شأنه أن يشجع الاصطدام المباشر بين الجماهير والدولة. وهذه إشكالية أخرى ينبغي أن تتصدى لها الحركة النقابية دفاعا عن مشروعية وجودها، ورفعا لمستوى وجودة تأطيرها وتنظيمها، وتقوية لموقعها التفاوضي.
د. محمد بن مسعود*
فاعل نقابي