story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حرائق لوس أنجلوس.. “الكارثة” التي أكدت حاجة الأمريكيين لترامب

ص ص

اشتعلت الحرائق في لوس أنجلوس الأمريكية، وهي من الوجهات الراقية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقطن المشاهير ويقيم السياح وتتعدد الأنشطة السينمائية والفنية عموما؛ اشتعلت هذه الحرائق وانتشرت وأضرت بالبنيات التحتية وهددت حياة الساكنة، فاتخذ البعض منها حدثا غيبيا إنذاريا، في تقول صارخ على الغيب، وجهل واضح بالأسباب المادية لهذه الحرائق.. كما أن البعض الآخر، خاصة من بني جلدتنا نحن المسلمين العرب، اعتبر الحدث دفاعا غيبيا عن فلسطين ومدنييها، بل ومقتومتها التي أطلقت “طوفان” السابع من أكتوبر (2023)! ونحن لا نريد في هذا المقال دخول نقاش كلامي مع هذه الطائفة أو تلك، ولا نريد مجادلة من اعتاد تحويل كل نقاش سياسي اقتصادي اجتماعي إلى نقاش كلامي على طريقة المتكلمين الأقدمين. غايتنا هنا تنبيه الرأي العام العربي إلى تناقض أمريكي-أمريكي يؤثر في الواقع العربي نفسه، وهذا ما يندرس كلما نحا “المتكلمون” بالنقاش منحى غير “ملموس” باحثين عن “أمل مثالي” في همّ من الانكسارات والهزائم الواقعية!

تتميز المناطق حيث اندلعت الحرائق وانتشرت بمناخ حار وريحي يساعد على اندلاعها ويسرع من انتشارها، غير أننا لا نتحدث هنا عن ظروف مناخية في بلد من بلدان الجنوب (البلدان النامية)، وإنما عن بلد متقدم يحتل الصدارة العالمية اقتصاديا.. فكيف لهذا البلد أن يتعرض لكارثة من النوع الذي حدث في ظل هذا التقدم الاقتصادي؟ كيف لرأسمال احتكاري يفرض شروطه على العالم أن يترك بناه التحتية وقواه الإنتاجية معرضة لمخاطر الحرائق؟ ما الحائل بين هذا الرأسمال وبين تطوير قدرة دفاعية تقيه مخاطر المناخ؟ أي عرقلة تلك التي تجدها قوى الإنتاج المدنية في طريقها داخل الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل كان لهذه الحرائق أن تسفر عن نفس الخسائر لو حدثت في بلد كالصين -مثلا- حيث تعرف قوى الإنتاج المدنية تقدما ملحوظا؟! هذه أسئلة لم يطرحها المسارعون لتفسير الظواهر والكوارث بغيب لم يطلعوا عليه!

في الولايات المتحدة الأمريكية، البلد الرأسمالي ذي الرأسمالية الكاملة المعمَّمة، تتحدد حركة قوى الإنتاج إلى الأمام بسقفين: سقف رأسمالي عام، وسقف رأسمالي خاص. فأما الأول فيفرضه الرأسمال على قوى الإنتاج عموما لاستدامة الاستغلال الرأسمالي، أي لاستدامة علاقات الإنتاج الرأسمالية. أما الثاني فيفرضه الرأسمال الصناعي العسكري بحده من وتيرة تطور وتقدم قوى الإنتاج المدنية. وهذه هي المقصودة في مقالنا هذا، دون إهمال التأثير الناتج عن “التسقيف الرأسمالي العالم”. فإذا كان هذا التسقيف يعرقل تطور قوى الإنتاج المدنية في إطار عام (أي في إطار العرقلة المستديمة للاستغلال)، فإن التسقيف الخاص (العسكري) يعرقلها حصرا وبشكل مباشر ليطلق العنان في المقابل لآلة الإنتاج العسكرية وباقي الاقتصادات اللّاإنتاجية (الربوية والسودان).

وعندما نتحدث عن قوى الإنتاج المدنية فنحن نتحدث عن آلات الإطفاء من شاحنات وطائرات وخراطيم مياه ذات نجاعة ووسائل أخرى، كما نتحدث عن صيانة (“مانتونونس”) دورية ومستمرة للبنيات التحتية وما يتطلبه ذلك من تصنيع مستمر للأسلاك والأعمدة الكهربائية. نتكلم أيضا في ذات الإطار عن التقنيات والتجهيزات الضرورية لتوفير المياه في مختلف المناطق، بما فيها تلك المناطق غير المأهولة للسكن تحسبا للمخاطر المحتملة. الأمر له علاقة كذلك بتقدم البحث العلمي والتكنولوجي في المجالات المدنية المذكورة. فهل يستثمر الرأسمال الأمريكي في هذه المجالات بالقدر الكافي للأمريكيين، قبل الحديث عن تصدير الخبرات والإنتاجات المدنية للخارج؟!

بالرجوع إلى حرائق لوس أنجلوس، نرصد احتجاجات من قبل مسؤولين أمريكيين يشتكون ضعف الوسائل في مناطق انتشار الحرائق، ونجد تقاريرَ تتحدث عن بِلى الأسلاك والأعمدة الكهربائية والتأخر في صيانة الأسلاك والأخشاب والمعادن التي تدخل في تركيب البنايات والبنيات التحتية بذات المناطق.. واضح إذن، حسب هذه المعطيات، المشاكل التي يعرفها الاقتصاد المدني، وهي مشاكل تعود في جوهرها إلى المعيقات التي تعرقل التقدم البديهي لقوى الإنتاح المدنية، والتي تحدثنا عنها أعلاه. العامل الجوهري في الاقتصاد الرأسمالي أنه قائم على “الهيمنة” الاقتصادية، وعندما يصبح إمبرياليا فإنه يتوسل بوسائل غير اقتصادية، وهي وسائل “السيطرة” السياسية والعسكرية والثقافية الخ. تحقق هذه الوسائل ربحا اقتصاديا، نموذجا مختلفا من الاستغلال، ولكن ليس عن طريق الاقتصاد المنتج. هذا النمط من الربح الاقتصادي ينخر أمريكا من الداخل، ويعرضها أو لعله عرضها ردحا من الزمن للضعف من الداخل. ولعل أبرز مظهر لهذا الضعف عجزها عن تحقيق كفايتها في عدد من المنتوجات المدنية، وما خصاص مواجهة حرائق لوس أنجلوس إلا نموذج لذلك.

هذا ويُعتبر النموذج الترامبي نقيضا لاقتصاد السيطرة، في حين يسعى إلى الربح عن طريق الهيمنة. ومهما ناقض هذا النموذج قوى الإنتاج المدنية، فإنه يسمح بتطورها في حدود معينة هي حدود النظام الرأسمالي عموما، وليس في حدود مصالح الرأسمال الصناعي العسكري المتخصص في تصنيع الأسلحة وتصديرها، واستثمار رؤوس الأموال في اقتصاد السوق السوداء (المخدرات/ القمار/ الدعارة وغيرها). المهم في هذا النوع من الاستثمار، أنه يظهر وجها إيجابيا للاستغلال الرأسمالي وهو تنمية قوى الإنتاج، بما فيها تلك التي تسد رمق الناس (الصناعات الغذائية) وتنقذ حياتهم (الصناعات الدوائية والطبية/ صناعة وسائل مواجهة الكوارث) وتحمي أجسامهم مبيتهم وسكنهم (الرأسمال العقاري/ صناعات النسيج والأفرشة) وتوفر أسباب قسط من رفاهيتهم وإن كانت ناقصة ومغشوشة (الصناعات السينيمائية/ محلات الترفيه)..

هذا الرأسمال قد يصطدم مع مصالحه في نهاية المطاف، بل يصطدم معها كل يوم. إنه كل يوم يطلق يدا تهدد وجوده، وتلك اليد هي يد قوى الإنتاج.. وفي أمريكا ليس منه بد، وإلا فإن العالم سيستيقظ يوما وقد اعتلت الصين عرش الاقتصاد العالمي، في وقت تكون فيه أمريكا منشغلة بإحصاء خسائرها لعلها تجد لرأسمالها موطئ قدم في عالم جديد.. هذه إشكالية ترامب المؤرقة، الحفاظ على صدارة الرأسمال الأمريكي!