story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
ثقافة |

الدار البيضاء ما قبل التاريخ.. خبير يسافر إلى أول استيطان بالمغرب

ص ص

عكس الصورة السائدة التي تتشكل في أذهان زوار مدينة الدار البيضاء، بل وحتى بعض سكانها، والتي تختزل المدينة في كونها مجرد مركز اقتصادي، مع عدد محدود من المواقع السياحية وتاريخ لا يمتد في الغالب سوى إلى العصر الحديث، وربما إلى حدود القرن التاسع عشر كأبعد تقدير، يفتح البروفسور عبد العزيز توري نافذة مختلفة على ماضٍ أكثر عمقًا.

يسافر عبد العزيز التوري الرئيس المنتدب للجمعية المغربية للأركيولوجيا والتراث، يوم الأربعاء 5 فبراير 2025، ومن قلب المكتبة الوطنية لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء، بتلة من الباحثين والمهتمين في رحلة استكشافية تأخذهم إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تكشف طبقات الأرض التي شُيّدت فوقها المدينة الصاخبة عن سجلٍ حافلٍ باستقرار أمم وعبور أخرى، في مشهدٍ يزداد وضوحاً عقداً بعد آخر، ليؤكد أن تاريخ الدار البيضاء ليس وليد الزمن القريب.

إفريقيا.. أول اكتشاف لقدم الاستيطان بشري

قبل الغوص في السر الزمني للدار البيضاء، يتوقف التوري عند أقدم تواجد بشري في القارة السمراء، والتي يبدو أن تاريخ جنوبها لا ينفصل عن تاريخ شمالها.

يقول البروفسور: “إن أول تواجد للإنسان بقارة إفريقيا، ظهر في بحيرة ‘توركانا’ في شمال كينيا”، حيث اكتشفت أدوات حجرية منحوتة، وقد جرى تأريخا لـ 3.3 مليون سنة.

ويلي هذا الموقع الأثري في كينيا، وفقاً للتوري، موقع آخر أثار اهتمام المؤرخين، يعود إلى 2.6 مليون سنة. ويتعلق الأمر بمنطقة “أولدفاي” في تانزاينيا، حيث استخرجت به هو الآخر أدوات حجرية. وأشار عبد العزيز التوري إلى أنه يعد من أهم المواقع في إفريقيا كما أنه منح اسمه للثقافة الألولدوانية التي تمتاز بـ”ثقافة الحصى المعدل”.

وقال إن الأبحاث مازالت مستمرة في هاذين الموقعين الأثرين تحت إشراف محموعة من الباحثين، الذين أغلبهم ينتمون إلى جامعات أوروبية.

الدار البيضاء.. أول استيطان بالمغرب

ينطلق توري، الذي كان يشغل منصب مدير مساعد للمعد الوطني لعلوم الآثار والتراث، في ثمانينيات القرن الماضي، في حديثه عن أول استيطان بشري في المغرب، من 5 مواقع في مدينة الدار البيضاء، ويتعلق الأمر بمغارة دِببة في “سيدي عبد الرحمان”، ومغارة البقايا البشرية في “طوما 1″، ومغارة بيريرو في “طوما 3″، ومغارة وحيدي القرن في “أولاد حميدة 1″، إضافة إلى موقع أثري في “أهل الغلام”.

ويقول المحاضر إن هذه المواقع الأثرية والمغارات قد تبدو أمكنة عادية بالنسة إلى عامة المواطنين، لكنها بالنسبة إلى الباحث تحمل سراً ومعطيات غنية خاصة عنذما تتضمن كهوفاً.

ويوضح عبد العزيز توري أن مواقع العصر القديم الأدنى بالدار البيضاء أساسية للإجابة عن تساؤلات علمية تهم أولى الموجات البشرية التي استوطنت المغرب، فضلاً عن بزوغ الثقافة المادية الأشولية، وتطورها بشمال إفريقيا إلى مجيء الإنسان العاقل، وفقاً للمتحدث، والذي توجد أقدم بقاياه في جبل إغود ضواحي مدينة آسفي.

وعدد البروفسور 4 معطيات تشرح وجود أول استيطان بشري على التراب المغربي، بينها ما يتعلق السلسلة الجيويولوجية الممتدة إلى 6 ملايين سنة، وحضور الثقافة الأولودوانية في المغرب كما في جنوب إفريقيا مع نفس المواد، إضافة إلى الثقافة الأشولية التي ترافقها شواهد مادية تؤكد أول استيطان بشري بالمغرب.

ويعد المغرب من بلدان شمال افريقيا التي اكتشفت بها العديد من مواقع الثقافة الأشولية، خاصة في طنجة تطوان أصيلة، ومنطقة الغرب، والمغرب الشرقي، والسايس، والأطلسين المتوسط والكبير، أن أغلب هذه المواقع مواقع سطحية لا يتوفر بها إطار جيولوجي وكونولوجي موثوق يساعد على إجراء تاريخ مضبوط ومؤكد.

وبعض هذه المواقع يوجد، وفقاً للمتحدث، في ظروف جيولوجية تختلط فيها عدة مستويات أثرية تنتمي لفترات وثقافات مختلفة.

ويشير البروفسور إلى أن المواقع الأشولية المنتشرة في مجال مدينة الدار البيضاء لها أهمية قصوى، إذ تظل المرجع الوحيد حتى الآن الذي يوثق بشكل مؤكد لأقدم أثر للثقافة الأشولية بالمغرب، وكذا لمراحل تطورها من بدايتها 1.3 مليون سنة إلى حدود 300 ألف سنة قبل الحاضر.

هذا ويعتبر المجمع المكون من مقالع طوما وأولاد حميدة وسيدي عبد الرحمان، المجمع الوحيد بالمغرب الذي يحوي مواقع أثرية “لها سياق استراتيغرافي مؤكد يغطى فترة طويلة تمتد من نهاية العصر الجليدي الأسفل 1,3 مليون سنة إلى العصر الجليدي المتوسط – الحديث 300,000 سنة، والذي يوثق لظهور، وتطور الحضارة الأشولية بجهة الدار البيضاء.

ويشير البرورفسور عبد العزيز توري، إلى أنه بفضل الاكتشافات الهامة التي تمت بمواقع طوما 1 وسيدي عبد الرحمان ومغارة وحيدي القرن وأولاد حميدة 1 وأهل الغلام، “تعتبر الدار البيضاء مرجعاً أساسياً ووحيداً، إلى حد الآن، الذي مكن من اكتشاف ومعرفة ودراسة البقايا والآثار المتعلقة بأولى الموجات البشرية التي ظهرت بالمغرب، منذ على الأقل مليون و300 ألف سنة، قبل أن تتطور إلى حدود 300 ألف سنة وهي الفترة التي تعد بداية بزوغ وتطور الإنسان العاقل”، وفقا للمتحدث.

تراث إنساني يجب حمايته

هذا ويؤكد البروفسور توري على أن مواقع العصر الحجري القديم الأدنى بالدار البيضاء، تعتبر تراثا للإنسانية يستدعي المحافظة عليه ويوجب تثمينه.

كما حذر من أن الأركيولوجيا الحضرية بقلب الدار البيضاء تعيش، في سباق غير متكافئ مع أشغال البناء والتعمير، مما يفقد الحاضرة الكبيرة، ومنطقتها جوانب هامة من تراثها المادي الذي يعود لأزمنة غابرة.

ونبه إلى أنه مازالت هناك الكثير من الآثار التي بالإمكان الكشف عنها بمقالع طوما 1، وأولاد احميدة والتي “تستدعي محافظة تامة”، إذ أنها هي التي ساهمت بقسط كبير في الكشف عن تراث “فاق حدود المنطقة والوطن ليصبح تراثا عالمياً”.