السجون تسجل رقما قياسيا يتجاوز طاقتها الاستيعابية بـ30 ألف سرير
أعنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج اليوم الاثنين عن تسجيل المؤسسات السجنية لأعداد قياسية من السجناء، تتجاوز طاقتها الاستيعابية بأكثر من 30 ألف سرير، مطالبة السلطات القضائية والإدارية بالإسراع بإيجاد حلول لإشكالية الاكتظاظ في السجون التي باتت تنذر بكوارث في السجون، من ضمنها الانفلاتات الأمنية.
المندوبية أصدرت اليوم بلاغا قالت فيه أنه إلى حدود اليوم، فقد بلغ عدد السجناء في مختلف مؤسساتها ما مجموعه 100004 سجين، وهو رقم قياسي، علما أن الطاقة الاستيعابية للمؤسسات السجنية حاليا لا تتجاوز 64600 سرير، وذلك رغم توسيع حظيرة السجون بالمغرب.
ولتقريب الصورة أكثر بخصوص الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية، فقد بلغ على سبيل المثال عدد السجناء بالسجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء ما مجموعه 10877 سجينا، علما أن الطاقة الاستيعابية لهذا السجن لا تتعدى 3800 سرير. ومن المرتقب أن يستمر تزايد الساكنة السجنية مستقبلا إذا ما استمر الاعتقال بالوتيرة الحالية، ولم تتخذ الإجراءات الضرورية والاستعجالية لتدارك الوضع.
المؤسسة التي تعنى بالسجون عبرت عن قلقها البالغ لتسجيل هذا التزايد المهول في أعداد السجناء، وطالت السلطات القضائية والإدارية بالإسراع لإيجاد الحلول الكفيلة لمعالجة إشكالية الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية لتفادي ما قد يترتب عن هذا الوضع الإشكالي المقلق من اختلالات أو حتى انفلاتات أمنية، علاوة عن المشاكل التي من المفروض أن تنتج عنه في ما يتعلق بظروف الإيواء والتغذية والتطبيب والاستفادة من برامج التأهيل لإعادة الإدماج.
10877 نزيلا بسجن لا تتجاوز طاقته الاستيعابية 3800 سرير
النقاش حول اكتظاظ السجون في المملكة ليس حديثا بل سبق أن أثارته عدد من التقارير حقوقية سواء مدنية أو رسمية، من ضمنها تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أشار إلى أن “المغرب يعتبر من البلدان التي تعاني اكتظاظ السجون، ومن نتائجه التكلفة المرتفعة للاعتقال”.
وعزا المصدر ذاته هذه الأزمة إلى مجموعة من الأسباب، من بينها “اللجوء المكثف للاعتقال الاحتياطي (نحو 40 بالمئة من العدد الإجمالي للسجناء)، وبطء المحاكمات، والتطبيق شبه المنعدم للمقتضيات القانونية المتعلقة بالإفراج المقيد بشروط، والإعمال المحدود لإجراءات الصلح، وعدم تطبيق التدبير المتعلق بالأشخاص المصابين بأمراض عقلية”.
ومن بين توصيات المجلس “ضرورة صياغة استراتيجية شمولية ومنسجمة لإدراج العقوبات البديلة واتخاذ تدابير للسياسات العمومية، لتوسيع عرض مراكز التكفل وإعادة تأهيل المجموعات الأكثر هشاشة، التي قد تخضع للعقوبات البديلة”، كما أوصى في نفس الإطار بـ”إعداد مخطط لدعم قدرات مهنيي العدالة، في مجال تحديد العقوبات البديلة وتنفيذها”.
من جانبها، تشير الجمعية المغربية لحقوق الانسان في آخر تقرير لها حول الوضع الحقوقي بالمغرب، أن الساكنة السجنية عرفت سنة 2022 عند نهايتها زيادة مقارنة مع سنة 2021، بما مجموعه 8263 سجينا وسجينة، بينما لم تشيد أية مؤسسة سجنية جديدة عكس السنة التي قبلها. وشهد عدد المحكومين والاحتياطيين أيضا ارتفاعا بلغ على التوالي بالنسبة للفئة الأولى 6081 سجينا وسجينة، و2182 بالنسبة للفئة الثانية.
وترجع الجمعية الحقوقية هذه الزيادة إلى ما تصفه بـ”الغلو المبالغ فيه في اللجوء المنهجي إلى الاعتقال الاحتياطي، إذ بلغت نسبة الاحتياطيين ما يقارب 41% من مجموع السجناء، ونسبة 69.02% قياسا مع عدد المحكومين، مع ما يعنيه هذا من تجنّ على حريات المواطنين والمواطنات وهدر للموارد والنفقات.
الاكتظاظ في السجون، حسب الحقوقيين، ينعكس على انعكاسا خطيرا على كل مجالات الحياة داخل المؤسسة السجنية (النوم، الفسحة، الزيارة، الاستحمام، برامج التكوين والتأهيل …)، ويشكل عاملا رئيسيا حسب مخرجات تقرير الجمعية المغربية لحقوق الانسان، تتولد عنه مظاهر العنف والاعتداء على الذات والآخرين، وعائقا كبيرا أمام المهام التأطيرية الموكولة للموظفين والموظفات.
من جهتها، تفاعلت الحكومة مؤخرا مع المطالب بسن عقوبات بديلة تخفف من العبء على المؤسسات السجنية، وذلك باتخاذ خطوة جديدة في مشروع إصلاح قوانين تنفيذ العقوبات، عبر سن قانون جديد يتعلق بالعقوبات البديلة، بهدف تعزيز الدور الإصلاحي للسجون والتقليل من اكتظاظها، حيث صادقت الحكومة قبل شهرين فقط على مشروع القانون رقم 43.22 الذي يتعلق بالعقوبات البديلة في صيغته الجديدة، والذي قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي.
وتقول الحكومة أن مشروع القانون “يأتي لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة من خلال إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة والحد من آثارها السلبية، وفتح المجال للمستفيدين منها للتأهيل والاندماج داخل المجتمع، بهدف المساهمة في الحد من مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجينة وترشيد التكاليف”.
وعرف مشروع القانون العقوبات البديلة بالعقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات حبسا نافذا، وتخول للمحكوم عليه تنفيذ بعض الالتزامات المفروضة عليه مقابل حريته وفق شروط محكمة.
وتم إقرار مجموعة من العقوبات البديلة بعد الاطلاع على العديد من التجارب المقارنة ومراعاة خصوصية المجتمع المغربي لكي تكون ناجعة وقابلة للتنفيذ وتحقق الغاية المتوخاة منها، كما جرى استثناء الجرائم التي لا يحكم فيها بالعقوبات البديلة نظرا لخطورتها وأخذا بعين الاعتبار حالات العود التي لا يتحقق فيها الردع المطلوب.
واكتفى المشروع الجديد بالتنصيص على العمل لأجل المنفعة العامة كعقوبة بديلة يمكن للمحكمة أن تحكم بها، عوض العقوبة السالبة للحرية، إذا كان المحكوم عليه بالغا من العمر خمس عشرة سنة على الأقل في تاريخ صدور الحكم، أما بالنسبة للأحداث فإن العمل لأجل المنفعة العامة لا يعمل به في حالة الأشخاص الذين هم دون 15 سنة؛ لكن في حالة ما إذا قررت المحكمة الحكم بعقوبة حبسية وفقا للمادة 482 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن للحدث أن يستبدلها بعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة.