قراءة في فنجان ترامب الثاني
بعد تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة لولاية ثانية يوم أمس الاثنين 20 يناير 2025، بات بالإمكان استطلاع ما ستكون عليه أحوال العالم انطلاقا مما هو معروف أصلا عن الرئيس القديم الجديد، ثم انطلاقا من القرارات والتصريحات التي أدلى بها في اليوم الأول من ولايته الثانية.
أول عناوين الإشارات التي أصدرها ترامب بعيد تنصيبه، هو هيمنة الاقتصاد على أجندة إدارته، حيث كان من بين أولى أوامره التنفيذية، الصادرة أو الموعودة، تلك التي تهدف إلى تعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، والتراجع عن سياسات الإدارة السابقة التي شجعت على استخدام السيارات الكهربائية.
ويعكس هذا القرار العودة إلى نهج ترامب المعروف بالتركيز على الصناعات التقليدية مثل النفط والغاز، وإعادة النظر في سياسات تغير المناخ. كما يسعى ترامب إلى تعزيز “السيادة الاقتصادية” الأمريكية من خلال تقليل الاعتماد على الطاقة النظيفة واستثمار الصناعات المحلية كثقل سياسي واقتصادي.
اقتصاديا دائما، أعلن ترامب عن خطط لفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع الكندية والمكسيكية، وزيادة الرسوم الحالية على المنتجات الصينية بنسبة 10%.
ويعدّ هذا الإجراء بمثابة إعادة إحياء للحروب التجارية التي اتسمت بها ولايته الأولى، بهدف تعزيز المفاوضات الاقتصادية. وقد يضعف هذا التوجه الاقتصاد العالمي على المدى الطويل ويؤدي إلى اضطرابات في الأسواق، لكنه قد يكسبه دعم الصناعات المحلية.
ومن بين أولى القرارات المتخذة، يوجد إلغاء برامج التنوع والشمول، حيث أعلن ترامب عن نيته إنهاء العمل بها في الحكومة الفيدرالية، مؤكدا أن السياسة الرسمية للولايات المتحدة ستعترف بجنسين فقط، الذكر والأنثى.
ويمثل هذا القرار جزءا من حملة ترامب لإرضاء قاعدته المحافظة، والتي ترى في هذه البرامج انحيازا لتيارات تقدمية. ويرتقب أن تشهد ولاية ترامب مواجهات اجتماعية متزايدة حول قضايا المساواة والحقوق المدنية، مع احتمال زيادة الاستقطاب والانقسام داخل المجتمع.
أما أبرز القرارات المبكرة ذات الدلالة السياسية المباشرة، فهي إصدار عفو عن المشاركين في أحداث 6 يناير 2021. ويتعلّق الأمر بما يقرب من 1500 شخص تم اتهامهم بالمشاركة في هجوم الكابيتول، مما أدى إلى إلغاء أكثر من 1100 إدانة.
هذا على صعيد السياسات الداخلية. أما توجهات إدارة ترامب الجديدة الخارجية، وتحديدا تجاه العالم العربي، فالراجح أن تتواصل الاختيارات التي ميّزت الولاية السابقة لترامب، أي التركيز على المصالح الأمريكية البحتة وتحقيق أهداف سياسية واقتصادية مباشرة دون الالتزام بالتحالفات التقليدية أو الاستراتيجيات طويلة الأمد.
وينتظر في هذا الإطار أن يواصل ترامب الضغط على الدول العربية لتعزيز علاقاتها مع إسرائيل، كما فعل في ولايته الأولى من خلال “اتفاقيات أبراهام”.
ويسعى ترامب من خلال ذلك إلى تعميق هذه التحالفات لتعزيز الاستقرار الذي يخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة، مع تقليص التواجد العسكري الأمريكي. ولا يستبعد أن يدفع ترامب نحو تطبيع أوسع يشمل دولا عربية إضافية، مع منح حوافز اقتصادية وعسكرية مقابل ذلك.
ومن المحتمل أن يعيد ترامب تأكيد صفقات أسلحة ضخمة مع دول الخليج العربي، بما يخدم تعزيز الصناعات الدفاعية الأمريكية. فقراراته الاقتصادية الأولى، مثل فرض الرسوم الجمركية، تعكس رغبته في تحقيق مكاسب مالية مباشرة من الدول العربية الغنية بالنفط. وسيواصل ترامب معاملة الدول العربية كفرصة اقتصادية لتعزيز فكرة “أمريكا أولا”، متجاهلا القضايا الحقوقية والإنسانية.
وفي القضية الفلسطينية، يتوقع أن يواصل ترامب الانحياز الكامل لإسرائيل، مع مزيد من المبادرات لتهميش القضية الفلسطينية. وقد يسعى الرئيس الأمريكي القديم الجديد إلى فرض “حلول نهائية” ترضي إسرائيل بالكامل، مثل إضعاف دور الأونروا، وتوسيع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
توجه سيزيد من عزلة الفلسطينيين على الصعيد الدولي، ويُعمق الانقسام داخل العالم العربي حول القضية الفلسطينية.
بالنسبة إلينا في المغرب، فإن العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية قد تشهد تطورات تعتمد على مجموعة من العوامل التاريخية والاستراتيجية التي تؤثر على طبيعة هذه العلاقة.
معلوم أنه وفي ولايته الأولى، اعترفت إدارة ترامب بسيادة المغرب على الصحراء كجزء من اتفاقيات التطبيع بين المغرب وإسرائيل. ومن المرجح أن يُواصل ترامب في ولايته الثانية هذا الدعم لتعزيز العلاقات مع المغرب، ما يعكس اهتمام الولايات المتحدة بتعزيز التحالف مع المغرب كحليف استراتيجي في شمال إفريقيا.
ومن المتوقع أن تُواصل الولايات المتحدة تعزيز التعاون العسكري مع المغرب، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وتأمين منطقة الساحل والصحراء، حيث يعتبر المغرب شريكا مهما للولايات المتحدة في الاستقرار الإقليمي، وسيستفيد من زيادة المساعدات العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة.
كما يرتقب أن يسعى ترامب لتعزيز التجارة الثنائية والاستثمار الأمريكي في المغرب، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل الطاقة المتجددة والصناعة. فالمغرب يمثل بوابة للشركات الأمريكية إلى الأسواق الإفريقية، وقد تكون هناك مبادرات لتعزيز اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وتوسيع نطاق الاستثمارات الأمريكية في المغرب.
بالنسبة لملف التطبيع المغربي الإسرائيلي، لا يستبعد أن تضغط إدارة ترامب على المغرب لاتخاذ خطوات إضافية في مجال التطبيع مع إسرائيل، مثل تبادل السفارات وتعزيز التعاون الاقتصادي أو السياسي بشكل أكثر علنية.
تندرج هذه الخطوات المحتملة في إطار استراتيجية أمريكية لتعزيز “اتفاقيات أبراهام” وترسيخ التحالف العربي الإسرائيلي ضد إيران. بالمقابل، قد يستفيد المغرب من هذا الضغط للحصول على دعم أمريكي إضافي في قضايا إقليمية أو اقتصادية.
وكما هو الحال في سياسته الخارجية عموما، وعلى غرار ولايته الأولى، من غير المرجح أن تُولي إدارة ترامب اهتماما كبيرا لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في المغرب. هذا التجاهل قد يمنح المغرب مرونة أكبر في معالجة قضاياه الداخلية دون ضغوط خارجية كبيرة. لكن المنظمات الحقوقية، المحلية والدولية قد تُواجه صعوبة أكبر في لفت الانتباه إلى قضايا حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطولها تحت إدارة ترامب.
عموما، علاقة المغرب مع إدارة ترامب الثانية قد تُركز على القضايا الاستراتيجية المشتركة مثل التعاون الأمني، ودعم الموقف المغربي في الصحراء، وتعزيز الشراكة الاقتصادية… ومع ذلك، فإن هذه العلاقة قد تواجه تحديات إذا شعرت واشنطن بأن المغرب يُعمق علاقاته مع خصوم الولايات المتحدة مثل الصين أو يُظهر تحفظا تجاه مطالب التطبيع مع إسرائيل.
ويمنكن للمغرب، في المجمل، استغلال هذه الفترة لتعزيز موقعه الإقليمي والدولي، خاصة إذا حافظ على دوره كحليف رئيسي للولايات المتحدة في شمال إفريقيا.
هذه قراءة عامة لفنجان ترامب، ويبقى المؤكد هو مراهنة هذا الأخير أكثر على خطاب شعبوي يصور إدارته كحامية للطبقة الوسطى وضحية للنخب، مما يعزز الاستقطاب السياسي داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعكس قراراته الأولى توجهًا نحو خيار “أمريكا أولا”، مع التركيز على حماية الوظائف والصناعات الأمريكية، حتى على حساب العلاقات الخارجية.
وتؤكد قرارات ترامب في بدايات ولايته الثانية أنه لا ينوي تقديم تنازلات سياسية، بل يضاعف رهانه على شعاراته السابقة واستراتيجيته الشعبوية.
سياسات قد تُكسب ترامب شعبية في أوساط قاعدته، إلا أنها قد تُضعف الولايات المتحدة على المدى البعيد.