story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

إحصاء 2024.. هل أهدر المغرب فرصته الديمغرافية؟

ص ص

أثارت نتائج الإحصاء لسنة 2024 جدلا قويا حول المخاطر المحتملة التي تنطوي عليها أرقامه، والتي يمكن أن تحدث بسبب الانتقال الديمغرافي القوي الذي يعرفه المغرب، منذ بداية الألفية الحالية على الأقل. الإحصاءات المتتالية تخبرنا أن المغرب ولج ما يسميه علماء الاقتصاد والديمغرافيا “الفرصة الديمغرافية” منذ السنوات الأولى من الألفية الحالية، أي مع مجيء الملك محمد السادس إلى الحكم، وهي لحظة استثنائية في تاريخ الشعوب لتحقيق النمو والإقلاع الاقتصادي، لكن المؤشرات التي كشف عنها إحصاء 2024 دفع البعض إلى التساؤل حول ما إذا كان المغرب قد أخلف موعده مع فرصته الديمغرافية، أو يكاد.

مما لا شك فيه أن “الفرصة الديمغرافية” تحصل في بلد معين حينما تؤدي التحولات الديمغرافية فيه، بصفة استثنائية، إلى الرفع من عدد السكان القادرين على العمل (بين 15 و59 سنة)، في مقابل تراجع فئة الأفراد المعالين، أي الأطفال أقل من 15 سنة وكبار السن فوق 60 سنة. ففي هذا الحالة تتمكن الساكنة النشيطة من العمل والادخار وبالتالي تحريك وتيرة النمو الاقتصادي، مستفيدة من محدودية الفئات التي تتطلب الإعالة. وطبقا للتعريف الذي تبنته الأمم المتحدة سنة 2004، فإن الولوج إلى الفرصة الديمغرافية يتحقق حين تقل نسبة السكان دون 15 سنة عن 30 في المائة، وألا تزيد نسبة الكبار عن 15 في المائة من إجمالي عدد السكان.

بالرجوع إلى الكتابات التي تناولت هذه الظاهرة، تكاد تجمع أن المغرب دخل مرحلة الفرصة الديمغرافية سنة 2004، وكان متوقعا أن تؤدي تلك الفرصة إلى تحقيق نمو اقتصادي مرتفع، بحيث أن مؤشرات الادخار والاستثمار والبطالة تبدو مثيرة بل مزعجة، بفعل الأعطاب التي يعاني منها قطاعي التعليم والتشغيل تحديدا. فالبطالة مثلا تفوق 21 في المائة بحسب المؤشرات الإحصائية الجديدة، بينما تنتشر الأمية في صفوف حوالي 25 في المائة من السكان، وهي أرقام مفزعة في ظل تحولات ديمغرافية عاتية تسجل تراجع مستمر في عدد الأطفال، وارتفاع متسارع في نسب الشيخوخة. فهل أهدر المغرب فرصته الديمغرافية بالفعل؟

مخاطر التحول الديمغرافي

يمكن استنطاق بعض الأرقام الدالة التي تكشف عن ديناميات متناقضة مع ما تقوله النظرية حول “الفرصة الديمغرافية”. المعطى الأول يتعلق بمعدل النمو السكاني، إذ كشفت نتائج الإحصاء أن عدد السكان القانونيين في المغرب بلغ 36,8 مليون نسمة في فاتح شتنبر 2024، بزيادة قدرها 2,9 مليون نسمة مقارنة مع إحصاء 2014 (33,8 مليون نسمة). أما المقارنة على المدى الطويل،- ولنأخذ إحصاء سنة 1960، حيث عدد المغاربة كان في حدود 11,6 مليون نسمة-، فهي تؤكد أن عدد السكان المغاربة تضاعف بثلاث مرات، حيث تطور عدد السكان بمعدل 3,17 مليون نسمة لكل 10 سنوات، وهي الفترة التي تفصل بين كل إحصاءين مختلفين.

وبالرغم من التطور الملحوظ في عدد السكان، إلا أن معدل النمو السكاني في تراجع مستمر. فقد سجل 2,06 في المائة سنة 1994، ثم واصل الانخفاض إلى 1,38 في المائة سنة 2004، وإلى 1,25 في المائة سنة 2014، ثم إلى 0,85 حسب إحصاء 2024. من بين دلالات هذا التراجع أن معدل النمو السكاني انخفض إلى مستوى ينذر بالخطر، إذ يعني أمرين: تدني مستوى المواليد/معدل الخصوبة، في مقابل ارتفاع نسبة الشيخوخة. وهو معطى غير سار لدولة نامية مثل المغرب.

حينما ينخفض معدل النمو السكاني فمعناه الانخفاض في معدل الخصوبة/المواليد، حيث تراجع عدد الأطفال لكل امرأة من 7,8 سنة 1960 إلى من 5,2 سنة 1982، ثم إلى 2,5 طفل لكل امرأة سنة 2004، وإلى 2,2 طفل لكل امرأة سنة 2014، ثم إلى 1,97 سنة 2024. والرقم الأخير (1,97 طفل لكل امرأة) يعد أقل من عتبة تعويض الأجيال المحددة في 2,1 لكل امرأة. ويتضح من هذه المعطيات أن متوسط ما تنجبه المرأة المغربية الواحدة انخفض بمقدار خمسة مواليد خلال ستة عقود.

واللافت للانتباه أن الانخفاض في عدد المواليد لكل امرأة يشمل النساء في الوسطين الحضري والقروي على السواء، بحيث انخفض عدد الأطفال لكل امرأة في الوسط الحضري من 2,01 سنة 2014 إلى 1,77 سنة 2024، بينما تراجع بالوسط القروي من 2,55 إلى 2,37 خلال نفس الفترة. أخذا بعين الاعتبار التوزيع المجالي، يبدو أن بعض الجهات لا زالت تسجل معدلات خصوبة فوق عتبة تعويض الأجيال. مثل درعة تافيلالت بـ 2,35 طفل لكل امرأة، وجهة الداخلة وادي الذهب بـ 2,25، ومراكش آسفي بـ2,13. بالمقابل، تسجل بقية الجهات معدلات خصوبة أقل من عتبة تعويض الأجيال، خصوصا في جهة الشرق 1,73، وسوس ماسة 1,89، والدار البيضاء سطات بـ1,9، والرباط سلا القنيطرة بـ 1,91، وبني ملال خنيفرة بـ1,95.

وفق النتائج المعلنة، فإن التراجع في الخصوبة يرتبط بثلاث عوامل أساسية: الأول، يتعلق بالتغير في القيم وسلوكيات الأسر، بفضل انتشار التعليم وخروج المرأة للعمل، وهي محددات تغير من سلوك وتصورات المرأة والرجل على السواء، ولعله يشجع على الاستخدام الواسع لوسائل منع الحمل، وتنظيم الأسرة تماشيا مع الوضع الاقتصادي للأسرة ونشاط الزوجين، ما يسهم بكل تأكيد في تراجع الخصوبة.

العامل الثاني يعود إلى ظاهرة العزوبية وتأخر سن الزواج. في هذا الصدد، كشفت نتائج الإحصاء عن ارتفاع معدل العزوبية النهائية عند السن 55 سنة، ليصل إلى 9,4 سنة 2024 مقابل 5,9 في المائة سنة 2014. في حين ارتفع المعدل ذاته في صفوف النساء بـ 11,1 في المائة، مقارنة بالرجال 7,6 في المائة. وبنسبة أعلى في الوسط الحضري (10,3%) مقارنة بالوسط القروي (7,6%).

العامل الثالث يتعلق بارتفاع نسبة المطلقين البالغين 15 سنة فما فوق من 2,2 في المائة إلى 3,3 في المائة ما بين 2014 و2024 بالنسبة للجنسين معا. ومن 3,3 في المائة إلى 4,6 في المائة بالنسبة للنساء. ناهيك عن تداعيات جائحة كورونا التي دفعت العديد من الأزواج إلى تأجيل مشاريع الزواج، وهو عامل مؤقت لكنه مؤثر ولا ريب.

نتيجة التحولات الديمغرافية السابقة، أي تراجع معدل النمو السكاني وتراجع معدل الخصوبة، يبدو أن شكل الهرم السكاني في المغرب يتجه نحو التغير، من المؤشرات على ذلك: أولا، انخفاض نسبة الشباب دون 15 سنة، إذ انتقلت من 31,2 في المائة في عام 2004، إلى 28,2 في المائة سنة 2014، ثم إلى 26,5 في المائة سنة 2024. وبالطبع فقد تراجعت نسبة السكان في سن النشاط والعمل (15-59 سنة) من 63,2 في المائة سنة 2004 إلى 62,4 في المائة ثم إلى 59,7 في المائة. بالمقابل، ارتفعت نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق من 6,1 في المائة سنة 2004 إلى 9,4 في المائة سنة 2014 ثم إلى 13,8 في المائة سنة 2024.

عدديا، بلغ عدد السكان الذين وصلوا من العمر 60 سنة فما فوق، حوالي 5 ملايين نسمة سنة 2024، مقارنة بـ 3,2 ملايين سنة 2014. بمعدل نمو سنوي يقدر بـ 4,6 في المائة، متجاوزا معدل النمو الإجمالي للسكان (0,85%). ما يعني أن المجتمع بصدد أن يفقد قدرته على التجدد الجيلي بسبب مسار انخفاض الولادات/الخصوبة، في الوقت الذي تتسع ظاهرة الشيخوخة بوتيرة أسرع، وهي مفارقة من شأنها أن تفضي إلى تحول عميق في البنية الديمغرافية مستقبلا.

ويمثل الأشخاص الذي تقل أعمارهم عن 70 سنة أكثر من نصف إجمالي كبار السن (58,8%)، بينما تبلغ نسبة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 70 و79 سنة 28,3 في المائة، و12,9 في المائة للأشخاص الذين تفوق أعمارهم 80 سنة. ومعلوم أن مثل هذه مؤشرات تفرض تحديات كبيرة على مؤسسات الدولة تتعلق بالإعداد المسبق للحاجيات الأساسية لهذه الفئة، خصوصا في مجالات الصحة والحماية الاجتماعية والبنية التحتية. لكن نتائج الإحصاء المفرج عنها حتى الآن سكتت عن معطى جوهري آخر، وهو معدل الوفيات، لأن تراجع معدل الخصوبة لا يكتمل فهمه جيدا إلا بمعدل الوفيات، الذي لم يعلن عنه بعد.

أشكال جديدة من الأسر

كشف الإحصاء عن تحولات عميقة تعيشها الأسرة المغربية. إحصائيا، بلغ عدد الأسر ما مجموعه 9,2 مليون أسرة سنة 2024، مقارنة بـ 7,3 مليون أسرة سنة 2014، و5,3 مليون أسرة سنة 2004. ما يعني أن عدد الأسر ارتفع بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 2,4 في المائة بين 2014 و2024، مقارنة بـ 2,6 في المائة حلال الفترة ما بين 2004 و2014.

لكن اللافت للانتباه أن نمو عدد الأسر كان أسرع من نمو السكان (2,4% مقابل 0,85%)، ومن نتائج هذه المفارقة انخفاض حجم الأسر حيث انتقل من 5,3 فرد سنة 2004 إلى 4,6 فردا سنة 2014 ثم إلى 3,9 فرد سنة 2024. والملاحظ أن هذا الانخفاض يشمل الوسطين الحضري والقروي معا. حيث تراجع من 4,2 إلى 3,7 في الوسط الحضري، ومن 5,3 إلى 4,4 بالوسط القروي. وهي معطيات تعزز وتوضح مدى تراجع معدل الخصوبة أيضا، الذي انخفض إلى 1,97 طفل لكل امرأة، أي أقل من طفلين في المتوسط لكل امرأة، كما سبق بيانه.

وقد امتد التحول إلى بنية الأسرة ذاتها، التي شهدت تطورا ملحوظا ما بين سنتي 2014 و2024، حيث ارتفعت نسبة الأسر المكونة من شخص واحد من 7,2 في المائة سنة 2014 إلى 11,1 في المائة سنة 2024، وهي أسر لم تقدم المندوبية بشأنها التوضيحات اللازمة، لكن الرقم يناهز مليون أسرة في الواقع، وتفسر الميول القوية في المجتمع نحو قيم الفردانية، ويساهم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد في ذلك. كما يلاحظ أن عدد الأسر المكونة من فردين وثلاثة أفراد ارتفع من 26,1 في المائة وفق إحصاء 2014 إلى 31,7 في المائة وفق إحصاء 2024، أي تنامي متسارع في شكل “الأسرة النواة”، أي زوجين وطفل. وهو معطى يؤكده المؤشر المتعلق بتراجع نسبة الأسر المكونة من أربعة أفراد فما فوق من 66,7 في المائة سنة 2014 إلى 57,2 في المائة سنة 2024.

ويبدو أن خروج المرأة للعمل، عزز من صنف الأسر التي تقودها النساء، إذ كشف الإحصاء عن ارتفاع نسبة هذه الأسر من 16,2 في المائة سنة 2014 إلى 19,2 في المائة سنة 2024. ويظهر هذا التحول في الوسط الحضري بشكل بارز، حيث نسبة الأسر التي ترأسها نساء وصل إلى 21,6 في المائة، مقارنة بـ 14,5 في المائة في الوسط القروي. ويعكس هذا الوضع تطور الملحوظ في الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء، كما أنه قد يشير إلى دور عوامل أخرى مثل الوفيات(أسرة الأرامل)، والطلاق(أسر المطلقين).

حركية الهجرة الداخلية

سجل الإحصاء ارتفاع عدد السكان الحضريين من 20,4 مليون نسمة سنة 2014 إلى 23,1 مليون نسمة سنة 2024. بمعدل نمو سنوي قدره 1,24%. بالمقابل، عرف عدد السكان القرويين زيادة تكاد تكون غير مرئية، حيث ارتفع عددهم من 13,4 مليون نسمة سنة 2014 إلى 13,7 مليون نسمة سنة 2024. بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 0,22. لم يقل لنا معدو الإحصاء لماذا هذا التفاوت الكبير فيما يخص التفاوت في ارتفاع عدد السكان بين الوسطين الحضري والقروي، لكن الراجح أنه بسبب الهجرة الداخلية، وهي ظاهرة تفاقم منها أسباب مختلفة منها توالي سنوات الجفاف وضعف الخدمات الاجتماعية وضعف حضور العالم القروي في السياسات العمومية للحكومات المتتالية.

لعل الأرقام المتعلقة بالتوزيع المجالي تؤكد ما سبق قوله، إذ كشفت أن 71,2 في المائة من السكان يتمركزون في خمس جهات، كل واحدة منها يفوق عدد سكانها أربعة ملايين نسمة. وهي جهات الدار البيضاء-سطات بـ7,6 مليون نسمة، تليها جهة الرباط سلا القنيطرة بـ5,1 مليون نسمة. ثم جهة مراكش آسفي بـ4,8 مليون نسمة، وجهة فاس مكناس بـ4,4 مليون نسمة، وأخيرا جهة طنجة تطوان الحسيمة بـ4,0 مليون نسمة. ما يعني وجود هجرة من الجهات المهمشة نحو الجهات الغنية، التي توفر فرصا أكبر للشغل والدراسة والخدمات.

وباستحضار نتائج عمليات الإحصاء السابقة، يظهر التحول البنيوي والجوهري، إذ تراجعت نسبة سكان الوسط القروي من 71 في المائة سنة 1960 إلى 39,7 في المائة سنة 2014، ثم إلى 37,2 في المائة سنة 2024. بالمقابل، ارتفع سكان المدن من 29 في المائة سنة 1960 إلى 62,4 في المائة سنة 2024. ما يعني أن نسبة التمدن تضاعفت في مدة زمنية قياسية لا تتجاوز ستة عقود. ويلاحظ أن المناطق التي سجلت معدلا أقل من التمدين مثل درعة تافيلالت(36,7%)، هي الأقل هجرة نحو جهات الداخل، وتنطبق الملاحظة نفسها على المناطق الجبلية مثل جهة مراكش آسفي حيث معدل التمدين لا تتجاوز 46 في المائة.

تؤدي الهجرة من البوادي إلى تسارع نمو المدن، ومن نتائج ذلك ظهور البناء العشوائي ودور الصفيح، الذي عالجته الحكومات ببرامج “السكن الاقتصادي”، لكنها مقاربة معطوبة، بحيث لا تلائم معظم الأسر في دور الصفيح، وهي أسر مركبة. علاوة على تشويه النمط العمراني، وانتشار البناء العشوائي. ولعل ارتفاع الكثافة السكانية في الأحياء الناشئة عن الهجرة الداخلية قد أدى إلى ارتفاع الطلب على المرافق والخدمات الاجتماعية (الصحة، التعليم، السكن، الشغل، النقل). علاوة على ظاهرة ترييف المدن، وما تفضي إليه من تغيير في منظومة القيم والسلوك.

ولعل من أبرز المخاطر الناجمة عن ظاهرة الهجرة الداخلية، تراجع سكان البوادي، حيث ظهر الانخفاض في النمو السكاني بالوسط القروي منذ 2005. لكن منذ 2011، سجل النمو السكاني في البوادي معدلا سالبا لأول مرة، ويعني ذلك فراغ مساحات شاسعة من الأراضي من سكانها، وهو تحول ستكون له تداعيات أمنية واجتماعية واقتصادية هائلة.

انتشار التعليم وارتفاع الأمية

كشف نتائج الإحصاء عن تطور في معدلات التمدرس، بحيث يبدو الإقبال على التعليم، سواء بالنسبة للذكور والفتيات، أمرا اعتياديا. تفيد الأرقام أن معدل التمدرس الأولي للأطفال بين 4 و5 سنوات بلغ نسبة 62,7 في المائة. منها 66,8 في المائة بالوسط الحضري، و56,9 بالوسط القروي. وحسب الجنس، وصل المعدل إلى 62,5 في المائة بالنسبة للذكور مقابل 63 في المائة للإناث. بالمقابل، تبدو الفرص أفضل بالنسبة للأطفال ما بين 6 و11 سنة، أي في المستوى الابتدائي، حيث ارتفع معدل التمدرس من 94,5 في المائة سنة 2014 إلى 95,8 في المائة سنة 2024. والملاحظ هنا هو ارتفاع نسبة تمدرس الفتيات القرويات من 90 في المائة إلى 95,1 في المائة بين 2014 و2024. أما الأطفال ما بين 12 و14، أي في المستوى الإعدادي، فقد بلغت نسبة التمدرس 92,8 في المائة سنة 2024، مقارنة بـ 84,1 في المائة سنة 2014.

يبدو أن سياسة تعميم التعليم في العقد الأخير قد حققت أهدافها، بحسب النتائج المذكورة، لكن الملاحظ أن المدرسة لا تحتفظ بتلاميذها، ولا يزال الهدر المدرسي إشكالا حقيقيا. فمتوسط عدد سنوات التمدرس بالنسبة للبالغين 25 سنة فأكثر، لا تتعدى في المعدل 6,3 سنة، مقارنة بـ4,4 عام 2014. وينخفض في الوسط القروي إلى 3 سنوات فقط. وهي أرقام مفزعة، ويصعب الحديث عن تغيير اجتماعي تنجزه المدرسة مع فئات واسعة تظل في المدرسة لمدة 3 سنوات فقط في الوسط القروي، أو حتى 6,3 سنوات في المعدل. ويجب أن نستحضر رقما آخر لتكتمل الصورة، حيث تفيد نتائج الإحصاء، أن نسبة الذين ليس لديهم أي مستوى تعليمي فقد بلغ 36,3 في المائة، أي أنهم أميون، علاوة على رقم آخر يؤكد أن الذين لديهم مستوى التعليم الابتدائي يمثلون 21 في المائة. في حين أن من لديهم مستوى التعليم الإعدادي من البالغين 25 سنة فما فوق يمثلون نسبة 39 في المائة.

تكشف الأرقام السابقة أن ظاهرة الأمية لا تزال مرتفعة. فالنتائج الإحصائية تؤكد أن نسبة الأمية بلغت في المعدل 24,8 في المائة سنة 2024 مقارنة 32,2 في المائة سنة 2014. لكن تحليل المعطيات كافية يكشف أن الرقم أكبر من ذلك، إذ ترتفع نسبة الأمية في الوسط القروي إلى نسبة 38 في المائة، مقارنة بـ17,3 في المائة في الوسط الحضري. ولا تزال الأمية تنتشر في صفوف النساء بنسبة 32,4 في المائة.

وتنتشر الأمية في الجهات الفقيرة أكثر، حيث تفوق النسبة 32 في المائة بجهة بني ملال خنيفرة، و28,8 في مراكش آسفي، وفي الشرق 28,3 في المائة، وفي درعة تافيلالت 28,3 في المائة. وتعتبر أقل حدة في الجهات الغنية مثل الدار البيضاء سطات 19,6 في المائة/ والرباط سلا 22,4 في المائة. لكن إذا أخذنا نسبة البالغين فوق 25 سنة فما فوق فإن النسبة تبدو مرتفعة وتتعدى 36 في المائة، بينما تتعدى 51 في المائة بالنسبة للبالغين 50 سنة فما فوق، وإن كانت تنخفض للنسبة للأطفال دون 15 سنة إلى أقل من 3 في المائة. ويعني كل ذلك أن الأمية ستظل ظاهرة راسخة خلال العقود الأربع المقبلة، أخذا بعين الاعتبار تحسن أمد الحياة والظروف الصحية للناس.

نمو اقتصادي مختل

تبدو وضعية سوق الشغل مختلفة كثيرا عما تدعيه الحكومات. إذ كشفت نتائج الإحصاء أن حوالي 4 أشخاص فقط من أصل 10 من البالغين 15 سنة فما فوق، أي 41,6 في المائة، يمارسون نشاطا اقتصاديا سنة 2024، في تراجع مثير مقارنة بإحصاء 2014، حيث النسبة كانت في حدود 47,6 في المائة. تختلف الأرقام في هذا السياق بين الرجال (67,1% سنة 2024 مقابل 75,5% سنة 2014). مقارنة بالنساء(16,8 في المائة مقابل 4,20) خلال نفس الفترة.

يمكن قراءة هذه الأرقام باستدعاء بنية الهرم السكاني، حيث الفئات ما بين 15 و59 سنة، انتقلت من إلى 62,4 في المائة سنة 2014 إلى 59,7 في المائة في 2024. وتبدو النساء، على خلاف كل ما يقال، خارج الدورة الاقتصادية. وتعبر نسبة البطالة بدقة عن هذا الوضع، حيث ارتفعت خلال الفترة ما بين 2014 و2024 من 16,2 في المائة إلى 21,3 في المائة. وتسجل البطالة أرقاما مرتفعة في جهات مثل كلميم واد نون(31,5%) وجهة الشرق (30.4%) وبني ملال خنيفرو (26.8%) لكن المعدلات أقل في الجهات الغنية مثل الدار البيضاء سطات (18,8%) وجهة طنجة تطوان (19.6%). وذلك ما يفسر الهجرة الداخلية كما سبقت الإشارة.

لم تقدم نتائج الإحصاء أرقاما كافية عن الوضع الاقتصادي، سوى معدل البطالة، باعتبارها تحديا. لكن لم يكشف لنا عن نسب الادخار للأسر، أو الاستثمارات، أو نسبة الإعالة، أو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الذي لم يتعد 3370 دولار سنة 2023. ما يجعله إحصاء منقوصا حتى الآن، ويصعب بناء استنتاجات موضوعية حول النتائج المعلنة فقط. لكن باستدعاء الإحصاءات التي تقدمها دراسات علمية (كورباج، المرشيد..)، تبدو التأثيرات الاقتصادية متناقضة. لو أخذنا مؤشر الادخار الداخلي، يلاحظ أنه عرف تراجعا حادا. بحيث انتقل من 25,72 في المائة عام 2003 إلى 19,11 في المائة عام 2015، ثم إلى 10,3 في المائة في 2024. تقول النظرية إنه كلما انخفضت نسبة الإعالة عن 60 في المائة ارتفع مستوى ادخار الأسر، لكن في حالة المغرب يحصل العكس. ما يعني أن الادخار تمتصه أمور أخرى مثل ارتفاع كلفة المعيشة وتضخم الأسعار، وبسبب ضعف الأجور ومعاشات التقاعد كذلك.

ويؤكد مؤشر البطالة هذه الاتجاه، بحيث تزامنت الفرصة الديمغرافية مع ضغط شديد على سوق العمل. بحيث عرف معدل البطالة ارتفاعا مطردا في العقدين الماضيين. وهذا يعني أن فرص العمل الذي يتيحها الاقتصاد المغربي لا تكفي لاستيعاب الأعداد الهائلة من الشباب التي تصل سنويا إلى سوق العمل. بحيث يوفر الاقتصاد المغربي ما بين 100 و120 ألف فرصة عمل سنويا، وهو رقم أقل من المطلوب المقدر بـ 180 ألف منصب شغل سنويا. وتشير تقديرات البنك الدولي أن نسبة العمالة غير مدفوعة الأجر تتجاوز 20 في المائة، في حين أن نسبة العمالة الهشة تبلع نحو 50 في المائة من إجمالي العاملين. تتميز البطالة في المغرب بخصائص تختلف عن دول أخرى، مثلا فهي تتسم بطول المدى، أي بطالة طويلة المدى، ويقطن غالبية العاطلين في المدن (4 من بين 5)، وتتفشى أكثر في صفوف المتعلمين بحيث ترتفع إلى نحو 23 في المائة من حاملي شهادات مهنية، وإلى 27,3 في المائة في صفوف خريجي الجامعات.

الخلاصة أن الفرصة الديمغرافية في المغرب منذ بداية الألفية لم تساهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة كما كان متوقعا. ويعود ذلك في الغالب إلى عدم تثمين رأس المال البشري في قطاعي التعليم والتشغيل. بحيث يعاني قطاع التعليم من اختلالات جوهرية، تجعله منفصلا عن انشغالات وحاجيات الاقتصاد الوطني. ذلك أن الفرصة الديمغرافية لا تضمن مكاسب اقتصادية بشكل تلقائي، بل تستدعي اعتماد سياسات اقتصادية وهيكلية إرادية، باعتبارها شرطا للاستفادة من هذه الفرصة التاريخية المؤقتة. ففي الفترة ما بين عامي 1975 و1995 عرفت بلدان شرق آسيا وبلدان أمريكا اللاتينية الأوضاع الديمغرافية نفسها، أي انخفاض معدلات الخصوبة وتراجع نسبة الإعالة في مقابل ارتفاع الساكنة النشيطة ما بين 15 و59 سنة، لكن النتائج الاقتصادية كانت متباينة. بحيث ارتفع نصيب الفرد من الناتج الإجمالي في بلدان شرق آسيا بمقدار 8,6 في المائة سنويا، في مقابل 7,0 في المائة فقط بالنسبة إلى بلدان أمريكا اللاتينية. لكن تلك التباينات لا تلغي الخلاصة الرئيسية وهي أن التحول الديمغرافي يؤثر إيجابا في النمو الاقتصادي. لكن يبدو أن المغرب لم يستفد منه حتى الآن من تحوله الديمغرافي، كما لم يتبق له الكثير من الوقت للتدارك قبل فوات الأوان، لأن الفرصة الديمغرافية استثنائية ومؤقتة في الزمن، ويتوقع أن تنتهي في حالة المغرب في أفق 2050.