أيوب بوعدي.. الفتى المُنتظر في المنتخب المغربي
ص
ص
أن تكون لاعب كرة قدم في مقتبل العمر، وأن يصادف يوم عيد ميلادك السابع عشر مباراة تخوضها ضد ريال مدريد بكل ثقله التاريخي ورصيده من البطولات والكؤوس، بل والأروع من ذلك أن تقدم آداء مبهرا وسط نجوم ترتفع سومتهم التسويقية إلى عنان السماء، فلا يمكن لأحد أن يتمنى بداية كروية أفضل من التي وقع عليها الموهوب الصغير أيوب بوعدي الفرنسي-المغربي الجنسية، ومتوسط نادي ليل.
كانت أول مرّة يعرف فيها المغاربة أن لديهم في “البروميير ليغ” طفل في ثوب الكبار يشق طريقه بثقة ليصنع له مكانا أساسيا بين المتألقين في المركز الذي يتطلب الكثير من الشخصية والهدوء والذكاء في التعامل مع المباريات.
طفل استثنائي
وُلد أيوب بوعدي في بلدة سينلي الفرنسية في الثاني من أكتوبر من سنة 2007 من أبوين مغربيين ينحذران من مدينة تيزنيت، وبدأ ممارسة كرة القدم في أكاديمية نادي “أف سي كريل” في سن الخامسة. واستمر في هذا النادي حتى يوليو 2021، حيث انتقل إلى نادي ليل ليل لإكمال تكوينه. في 21 من غشت 2023، وفي سن الخامسة عشر، وقع أول عقد احترافي له مع ليل لمدة ثلاث سنوات، حتى يونيو 2026.
أيوب لم تظهر مواهبه في كرة القدم فحسب، بل في الدراسة أيضا، بحيث نال شهادة الباكالوريا بتفوق، وهو اليوم يكمل مساره التعليمي الجامعي في تخصص الرياضيات.
ميزات الكبار
موهبة نادي ليل الفرنسي لم يكن ليأخذ مكانة أساسية ضمن صفوفه، إلا بعد أن أثبت أن لديه مؤهلات متعددة، فقد كان وهو في سن مبكرة فائزا في مسابقة البلاغة التي أقيمت في قصر الإليزيه.
في تصريح لصحيفة “لافي دو نور” في 2023، أشاد ميكايل ديليستريز، المدير السابق لأكاديمية ليل، بالموهبة الشابة، قائلاً: “لقد اكتشفنا سريعًا أنه لاعب ذكي جدًا، ولديه روح فكاهة عالية، وقادر على المزاح مع البالغين في مواقف حيث يكون العديد من الشباب في سنه مترددين جدًا”.
وقال سيباستيان بيناتشيو، الذي درّب بوعدي موسمًا في فئة تحت 19 سنة عندما كان عمره لا يتجاوز 15 عامًا، لفرانس أنفو: «إنه شاب استثنائي، متقدم جدًا من الناحية الذهنية». وأضاف: «يتمتع بقدرات بدنية مهمة جدًا، ولديه القدرة على استيعاب النصائح بسرعة. يعرف كيف يتجاهل العوامل الخارجية ليركز فقط على ما يجب عليه فعله. لم يتأثر أبدًا بالضغوط الخارجية، ويُحاط بعائلة رائعة”.
فرصة الظهور مع ليل
مدرب نادي ليل، برونو جينيسيو، عندما كان يواجه جدولًا مزدحمًا خلال منتصف الموسم الماضي، تعرض الفريق الفرنسي لعدة غيابات هامة استعدادًا لما هو قادم. فإصابات لاعبين مثل أومتيتي، هارالدسون وإيسمايلي أجبرت المدرب على تعديل تشكيل الفريق.
لكن، الأهم من ذلك، أن غياب لاعبيه في خط الوسط، بن طالب وموكاو، كان يمثل تحديًا كبيرًا للمدرب في سعيه لسد تلك الثغرات في التشكيلة.
في تلك اللحظة ظهر اسم أيوب بوعدي. لاعب الوسط الشاب القادم من مركز التكوين، الذي رغم صغر سنه، أظهر مسؤولية كبيرة في أولى مشاركاته المحلية والدولية. وكان ظهوره الرسمي الأول مع النادي في 5 أكتوبر 2023 في مباراة ضمن دوري المؤتمرات الأوروبي، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من احتفاله بعيد ميلاده السادس عشر.
خلال تلك المباراة، لعب أيوب بوعدي التسعين دقيقة كاملة، وفيها خلاصات إيجابية مكنت المدرب برونو جينيسيو الاعتماد عليها، بحيث قرر منحه الثقة التامة ليشغل مركزا أساسيا مع فريقه، قائلاً: “لديه ثقتي الكاملة. يمتلك إمكانيات كبيرة. كما أن لديه عقلًا ناضجًا، وهذا أمر مهم جدًا جدًا. إنه لاعب سيتطور وسيصبح لاعبًا رائعًا، ليس لدي أي شك في ذلك.”
مواصفات النجوم
يمتاز أيوب بوعدي بأسلوب لعب ناضج ومدروس، وهو أمر نادر بالنسبة لعمره البالغ 17 عامًا. كصانع ألعاب، يبهر ببرودة أعصابه ورؤيته المتميزة للعب. يلعب دائما برأس مرفوع، ويتنبأ بالحركات المحيطة به، مقيماً بسرعة أفضل الخيارات في كل لحظة. تقنيته لا تشوبها شائبة، خاصة في التحكم بالكرة ودقة تمريراته. خياراته في الملعب واضحة ومنفذة بوضوح، مما يعكس بالفعل مستوى عالٍ في استيعاب النظم التكتيكية وكيفية قيادة الهجمات انطلاقا من مركزه.
فرنسي إلى حين
أيوب بوعدي لفت أنظار المسؤولين عن المنتخبات السنية الفرنسية مبكرا، ودشنوا له مسيرة مع منتخب فرنسا للشباب في أكتوبر 2022، بحيث تم استدعاؤه للمرة الأولى للمنتخب الفرنسي تحت 16 عامًا بقيادة المدرب خوسيه ألكوسير، وسجل هدفًا في المباراة الثانية ضد منتخب ويلز (فوز 3-1). وشارك في دورة مونتاغو سنة 2023، وسجل أهدافًا ضد غينيا (فوز 5-0) والدنمارك (فوز 2-1). بين 2022 و2023، لعب ثمانية مباريات وسجل ثلاثة أهداف مع منتخب أقل من 16 عامًا.
وفي 4 أكتوبر 2024، تم استدعاؤه للمنتخب الفرنسي تحت 20 عامًا بقيادة المدرب برنار ديوميد، حينها لعب مباراة ودية ضد منتخب المغرب تحت 20 عامًا (فوز 4-3). وفي الشهر التالي، انضم إلى منتخب فرنسا تحت 23 سنة للمشاركة في مباريات ودية ضد إيطاليا وإسبانيا.
لكن، ومنذ مباراة ريال مدريد، والتألق المبهر الذي بصم عليه فيها، توجّهت إليه الأنظار من المغرب بلد آبائه وأجداده، وكانت لقاءات كثيرة بين مسؤولي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وعائلة أيوب من أجل شرح المشروع الكروي المغربي وإبداء رغبة المغاربة في أن يحمل الموهوب أيوب قميص أسود الأطلس، وتسربت أخبار عن إجراءات تغيير الجنسية الرياضية والكثير من الأمور التي تمهد للإنضمام الرسمي لتشكيلة الناخب الوطني وليد الركراكي خلال معسكر شهر مارس المقبل.
وفي 11 من دجنبر الحالي، صرّح رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، في مرور إذاعي على “راديو مارس” وبنبرة الواثق، قائلاً: “تحدّثنا مع أيوب بوعدي وهو مغربي جينيا وثقافةً مائة في المائة، وكانت بيننا محادثات مستفيضة، وإن شاء الله المغرب سيكون فخور بهذا الابن واللاعب سيكون بدوره فخورا بحمل قميص المنتخب الوطني”.
وأضاف: “المبدأ الذي نؤمن به نُعْمِله في كافة الملفات، نحن لدينا مشروع طموح وله أساس وتتخلله رهانات كبرى مثل كأس أمم أفريقيا في المغرب وكأس العالم في المملكة أيضاً، لذلك نرحب باللاعبين الذين يملكون الرغبة في الانضمام”.