story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

هاكاوا على القايد!

ص ص

كسر مقطع الفيديو الذي يظهر فيه عامل إقليم سطات، إبراهيم أبو زيد، وهو يقرّع المسؤول الأول عن التربية والتعليم في تراب الإقليم، عبد العالي السعيدي، بطريقة أساتذة عهد الاستعمار مع أبناء الأهالي، رتابة يوم بارد أعقب دورة يناير للمجلس الإقليمي الذي انعقد أول أمس الاثنين.

تحوّل المشهد الذي يمطر فيه العامل المدير الإقليمي للتربية الوطنية والرياضة وأشياء أخرى، بعبارات من بينها “اخرج علي” و”الزمر” و”تبوكر”، إلى “ترند” محلّي الصنع، و”بلدي” خالص دون مواد حافظة. وسرعان ما تحوّل الأمر إلى موجة غضب انخرط فيها جميع من يرتادون مواقع التواصل الاجتماعي، وهو تفاعل محمود، لا بل مطمئن، لأنه يفيد عدم تطبيع المغاربة مع سلوك أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه فجّ وغير لائق.

لكن هل حقّا علينا أن نفاجأ، خاصة من يزعمون أنهم جزء من النخبة الأكاديمية أو السياسية أو الحقوقية؟ هل علينا أن نتظاهر بكوننا لم ننجح بعد في بناء الدولة الحديثة التي تقوم على القانون والمؤسسات؟ بالله عليكم هل يجوز لنا أن نتظاهر جميعا بالصدمة وكأننا “قطعنا الواد ونشفوا رجلينا” وقطعنا مع “الظاهرة القايدية” كما رصدتها الدراسات السوسيولوجية المحترمة؟

قرأت الكثير من التعليقات التي تمعن في استحضار فصول الدستور والقوانين والنصوص التنظيمية، لا بل هناك من أراد أن يقنعنا بأن العامل هو مجرد موظف يمثل قطاعا حكوميا، مثله في ذلك مثل ممثلي باقي القطاعات…
ربّي ربّي؟

أمن الضروري أن نذكّر بعضنا أن المقرّ الإداري الذي يباشر فيه العامل مهامه يكاد يكون أكبر وأفخم البنايات في المدينة وأكثر مهابة؟

هل نحتاج إلى التذكير بأن هذا الموظف العمومي الذي يمثّل قطاع الداخلية على الصعيد المحلي، يعيّنه الملك في المجلس الوزاري؟

أنحتاج بالفعل إلى التنبيه إلى الجوانب الرمزية والشكلية التي تحيط بتعيين وتنصيب الولاة والعمال؟

دعونا من “هبل تربح”، وتعالوا نقرّ أولا أننا ورغم قرن كامل قضينا ثلثه تحت الاستعمار الفرنسي، وثلثاه الآخران في عهد الدولة المغربية الحديثة، لم ننجح في الخروج من نظام الحكم المخزني، وأن كل ما بنيناه من تشريعات ومؤسسات ومساطر وإجراءات، لا يعدو أن يكون سوى قشرة هشة فوق جسم مخزني عريق وراسخ.

عامل سطات، إبراهيم أبو زيد، لم يقم سوى بإزالة القشرة في لحظة غضب بدأت قبل المقطع الذي انتشر في منصات التواصل الاجتماعي، حين كان المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية يتحدث فألقى من يده القلم الذي كان يمسك به تعبيرا عن عدم رضاه.

وإذا كان المشهد المنتشر في حدّ ذاته مستحق للنقاش والاستنكار، فإن العبرة توجد في عمق “الخلاف”، والذي يبيّن لنا بالملموس فداحة العطب التدبيري الذي تعاني منه الدولة بمختلف مستوياتها.

فالأمر يتعلّق بمشروع بناء 29 ملعبا للقرب، تقرّر إنجازه قبل أكثر من عشر سنوات، لكنّه ظلّ يراوح مكانه، وبقي حبرا علي ورق في عشر جماعات على الأقل.

العبرة في كوننا نراكم العبث بالمؤسسات والعشوائية في الاختيارات، ولا نقيم وزنا لانعكاسات ذلك على المعيش اليومي للمواطنين ومصالحهم ونجاعة تدبر أموال ضرائبهم.
فالقضية بدأت، وكما أشار إلى ذلك المدير الإقليمي للتعليم، عبد العالي السعيدي، عندما تقرّر إلحاق قطاع الرياضة بوزارة التربية الوطنية مع حكومة أخنوش، وتسبّب هذا الاختيار الذي يرمي في الظاهر إلى تعزيز الالتقائية، في تخبّط المشاريع والالتزامات التي كانت وزارة الشباب والرياضة قد أبرمتها من قبل.

وازداد الأمر تعقيدا عندما طالبت الشركة المكلفة بإنجاز المشروع بمراجعة العقد بسبب تضررها من فترة جائحة كورونا وما تلاها من تضخم وارتفاع في أسعار المواد الأولية.

ثم هناك إشكالات مرتبطة بالعقارات التي تمت تعبئتها لبناء هذه الملاعب، يبدو أنها موضوع للخلاف بين وزارة التربية الوطنية والرياضة، ووزارة الداخلية المتمتعة بالوصاية على الأراضي السلالية…

هذا “الشكلي في العكلي” هو الخلفية الحقيقية لما جرى هذا الإثنين 13 يناير 2025، حين أطلق العامل عاصفة كلامية ضد ممثل وزارة التعليم، كما لو أنه “يبرّد فيه” تصاعد الاحتجاجات تجاه العامل من طرف رؤساء الجماعات القروية التي تعثر فيها المشروع، واستئثار الملف بجزء من الجدل في دورة شتنبر الماضي داخل المجلس الإقليمي.

بمناسبة ذكر هذه المؤسسة المنتخبة، أي المجلس الإقليمي، ينصّ القانون التنظيمي الخاص بمجالس العمالات والأقاليم، على أن العامل يحضر أشغال الدورات الثلاث التي تنعقد خلال السنة، ويقدّم التوضيحات إما تلقائيا أو بطلب من أعضاء المجلس، لكنه لا يشارك في التصويت.

لكن المشاهد لدورات المجالس الإقليمية، سيلاحظ كيف أن العامل يتخذ مكانا مركزيا، وخلفه صورة الملك والعلم الوطني، ويتحدّث كما لو كان هو الرئيس.

في مثل هذا التمرين، تظهر الحقيقة وتزول المساحيق مهما اعتقدنا أن سمكها كبير لدرجة تكفي لإخفاء الواقع. العامل هو ممثل الملك في الذهنية الجماعية، وهو ممثل وزارة الداخلية، أي السلطة، أي المخزن، وهذا الأخير لم يهاجر ولم يتقاعد ولم يمت كما اعتقد ذات يوم الزعيم الاتحادي محمد اليازغي.

الإيجابي في واقعة سطات أنها تمنحنا فرصة نادرة لمشاهدة الواقع دون أقنعة، وتتيح لنا تأمل حالة معبّرة يعصف فيها المعيّن بكل من المنتخب والإداري الذي لا يعرف إلا الانضباط للمساطر والقوانين، كما تشهد جلّ المصادر لعبد العالي السعيدي.

هذا الأخير حاول في مداخلته التي سبقت عاصفة العامل، توضيح الجوانب الإجرائية المرتبطة بالمشروع المتعثر، وكيف أنه وجّه إنذارات للشركة المعنية، وأن الخطوة المقبلة هي الشروع في الإنجاز أو سحب الصفقة؛ لكنّه اصطدم بابراهيم أبو زيد، الصيدلي الذي امتطى صهوة السطلة قادما من مجلس المستشارين الذي ولجه ممثلا لهيئة الغرف المهنية، قبل أن يناديه المنادي أن تعال لتصبح عاملا على إقليم الزاك.

هي بالفعل واقعة مزعجة لمن يتابع بطريقة انفعالية، لكنها دالّة ومعبّرة لمن يطبّق نصيحة ريمي لوفو، صاحب كتاب “الفلاح المغربي المدافع عن العرش” للصحافي أحمد بنشمسي، أي المراقبة بهدوء ومحاولة الفهم قبل اتخاذ الموقف. والرسالة كانت واضحة، سواء كان صدورها عفويا أو مقصودا: المخزن ما زال يحكم ويمكنه عند الضرورة اللجوء إلى أسلوب العهود الغابرة.

عهود تقول الحكاية الشعبية إن رمز السلطة فيها كان هو “القايد” الذي يجسّد شخصية ورمزية السلطان على الصعيد المحلي. وكانت السلطة تستثمر في صورة هذا المسؤول المحي وتضخّم سطوته وجبروته لأنه يدها التي تثبّت حكمها على الأرض، لدرجة أن فردا من الرعية دعي يوما إلى مجلس السلطان لغرض ما، وعندما دخل القصر، فوجئ بالسلطان متكئا ومحاطا بالحاشية ومظاهر الأبهة والفخامة، فما كان منه إلا أن علّق قائلا: هاكاوا على القايد!