“المسطرة الجنائية” تدخُل المسار التشريعي.. مُستجدات مهمة وجدلٌ متواصل
بعد أشهرٍ عن تمريره بمجلس الحكومة، أُحيل أخيراً مشروع قانون المسطرة الجنائية على لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب، في انتظار تحديد جلسة لمناقشته، قبل إحالته على الجلسة العامة.
وتؤكد الحكومة، من خلال هذا الورش القانوني، أنها تدفع في اتجاه نهج سياسة جنائية جديدة، تقوم على مواكبتها للتطورات، عبر تسطير مجموعة من الإجراءات الجديدة.
وفي المقابل أثارت إجراءات أخرى الانتقادات. لعل أبرزها تقييد جمعيات المجتمع المدني في مجال محاربة الفساد. بحيث احتفظ النص المحال على لجنة التشريع بنفس التوجه المثير للجدل.
ويتضمن المشروع مجموعة من المستجدات تتمثل في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، عبر ترشيد اللجوء إلى الحراسة النظرية واعتبارها تدبيرا استثنائيا، وترشيد الاعتقال الاحتياطي مع تحديد ضوابطه القانونية بدقة، وتعزيز حقوق الدفاع، وتحديث آليات العدالة الجنائية، ومكافحة الجريمة بوسائل حديثة، وحماية الضحايا.
بالإضافة إلى مستجدات أخرى، تهم وضع ضوابط جديدة لتأطير السياسة الجنائية كجزء من السياسات العامة للدولة، مع تعريفها وتحديد أشكالها التنفيذية، وحماية الأحداث، وتبسيط شكليات الطعون ونقل اختصاصاتها لتعزيز استقلالية النيابة العامة.
إحداثُ مرصد للإجرام
وسيتم من خلال مشروع القانون المذكور إحداث مرصد وطني للإجرام. ويورد النص أن “ذلك (يأتي) في تناسق مع مواصلة تأهيل المؤسسات الإصلاحية والسجنية. وبموازاة ذلك، يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة، كالوساطة والتحكيم والصلح، والأخذ بالعقوبات البديلة، وإعادة النظر في قضاء القرب”.
هذا المرصد سيرى النور بناء على المرسوم رقم 400-22-2- الصادر في 18 أكتوبر 2022، المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة العدل، إذ تناط به مهام تجميع المعطيات الإحصائية من الجهات المختصة برصد ظاهرة الجريمة واقتراح الحلول للوقاية منها والتصدي لها. وهو ثمرة للتوجيهات الملكية الواردة في الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2009، وتنفيذا لتوصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة لسنة 2013.
حمايةُ الأحداث
يولي المشروع، حسب الصيغة التي جاء بها، أهمية بالغة لحماية الأحداث وتعزيز آليات إدماجهم الاجتماعي. ومن بين الأمثلة على ذلك، نجد المادة التي تشير إلى إبعاد القاصرين عن حضور عملية التفتيش ما لم يكن القاصر معنيا بالجريمة.
وجاء في المشروع: “وفي جميع الأحوال يتعين على ضابط الشرطة القضائية اتخاذ الإجراءات المناسبة لإبعاد القاصرين عن حضور عملية التفتيش ما لم يكن القاصر معنيا بالجريمة، وفي هذه الحالة يتعين أن يتم التفتيش بحضور وليه القانوني، وإذا تعذر ذلك، فإنه يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي شاهدين لحضور التفتيش من غير الموظفين الخاضعين لسلطته”.
“تكبيلُ” يد المجتمع المدنيّ في قضايا الفساد
إلاّ أن المشروع لم يسلم من سهام النقد، سواء بالصيغة التي خرج بها من يد الحكومة أو بالصيغة التي أُحيل بها على لجنة التشريع. بحيث احتفظت هذه الأخيرة بنفس ما وُصف إعلاميا “بتكبيل يد جمعيات المجتمع المدني في قضايا محاربة الفساد”.
وجاء في المشروع الجديد: “لا يُمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات، أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أو كل هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك”.
وعلى مستوى تنفيذ العقوبات، نصّ المشروع على توسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات، وإدخال نظام التخفيض التلقائي للعقوبات “كتحفيز للسجناء على الانضباط”. وتيسير إجراءات الطعون، عبر تبسيط شكليات الطعون ونقل بعض الاختصاصات لتعزيز استقلالية النيابة العامة.
ويأتي المشروع كثمرة لتوصيات الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة والتي تم اقتراحها في إطار ستة أهداف استراتيجية تمثلت في توطيد استقلال السلطة القضائية، وتخليق منظومة العدالة، وتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات والارتقاء بفعالية القضاء وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، وتحديث الإدارة القضائية وتعزيز مكانتها.
ومن بين أهم هذه التوصيات تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة من خلال العمل على مراجعة الضوابط القانونية لوضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية، وتعزيز مراقبة النيابة العامة لدى تمتع المشتبه فيهم بحقوقهم، وترشيد الاعتقال الاحتياطي وتحديث آليات العدالة الجنائية من خلال الاهتمام بالإحصاء الجنائي وتحديثُ ومركزَةُ السجلّ العدلي واعتماد الرقمنة في مختلف الإجراءات القضائية.
وكان بيان سابق للحكومة قد أشار إلى أنّ المشروع يُعتبر أحد أهم المشاريع التشريعية التي أطلقتها وزارة العدل، حيث يمثل المحرك الأساسي لمنظومة العدالة الجنائية ويرتبط بشكل وثيق بحماية الحقوق والحريات وتحقيق الأمن العام ومكافحة الجريمة، و سيساهم أيضا في تعزيز ثقة الفاعلين الاجتماعيين والإقتصاديين في منظومة العدالة و مؤسساتها.
وسبق لوزير العدل، عبد اللطيف وهبي، أن صرّح قائلا: “إن تبني هذا القانون ليس مجرد خطوة نحو تحديث منظومتنا القانونية، بل هو تجسيد لإرادتنا السياسية الصارمة لإرساء عدالة قوية تضع حقوق المواطن وأمنه في مقدمة الأولويات”.
وأضاف أن “هذا المشروع سيساهم في تحقيق الأمن القانوني و القضائي بالمملكة و يظل شاهداً على التزامنا بتعزيز سيادة القانون وحماية المكتسبات الديمقراطية التي حققتها المملكة تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس”.