story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

بلغزال: المغرب من طلب تقرير مصير الصحراء ولابد من حماية الرأي المخالف!

ص ص

خصً الخبير في ملف الصحراء، عبد المجيد بلغزال، مجلة “لسان المغرب“، بورقة مطوّلة تتناول إمكانية تطبيق خيار الحكم الذاتي في الصحراء، وتقدّم حزمة موثّقة وغير مسبوقة من الوثائق والمراجع القانونية التي تثبت الحقوق المغربية. ورقة تتوخّى قدرا كبيرا من الموضوعية، وتدافع عن حق الرأي المخالف في الوجود، ننشرها في محاور متعددة، هذا أحدها:

أولا : في السياق

بين خطاب جلالة الملك الموجه إلى الأمة، بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان (أكتوبر 2024)، وما سبقه من رفض محكمة العدل الأوروبية للطعن الذي تقدمت به المفوضية الأوروبية ومجلس أوروبا بخصوص اتفاقية التجارة والصيد البحري بين المغرب وأوروبا، مرورا بالحوار الذي أجرته أسبوعية الأيام في عددها 1107 للفترة الممتدة بين 05 و11 دجنبر 2024، وما تلاه من صمت للقبور إزاء ما جاء به الحوار من وقائع وأحداث، وكشفه لأول مرة عن معطيات ووقائع مرتبطة بمشروع مبادرة الحكم الذاتي، مرورا بالحوار\البودكاست الذي أجرته قناة عربي 21 مع عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وما أعقب هذا الحوار من انفجار لنقاش سطحي وواسع، كشف مرة أخرى عن جهلنا الجماعي، وإن بتفاوت، بعمق وخلفيات نزاع الصحراء، مع ما يترتب عن هذا الجهل، من اصطفاف غير معقلن، بل إن هذا الجهل المركب، حال ويحول في مناسبات كثيرة من امتلاك رؤية متكاملة ومنسجمة للترافع في الموضوع بكل عقلانية ووضوح بعيدا عن منطق التخوين والتضييق الشعبوي على الرأي المخالف.

ثانيا: احترازات لا بد منها

  1. في الحاجة إلى تملك ملف الصحراء
    خلال العقد الأخير من القرن الماضي، كان الصف الوطني وهو يناضل من أجل دمقرطة الدولة والمجتمع، يشكو باستمرار من احتكار الدولة، في شخص وزارة الداخلية لملف الصحراء. ومع التحولات التي عرفها المغرب نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة، وما ترتب عنها من إقرار للأمم المتحدة، عبر تقاريرها الرسمية، بفشل مخطط التسوية كإطار لإجراء الاستفتاء، وبداية الحديث عن إمكانية استكشاف طريق ثالث، سواء، عبر الاتفاق الإطاري، أو من خلال “خطة سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”، وما تلا هذه التطورات من تقديم المغرب لمشروع مبادرة لتخويل الصحراء حكما ذاتيا…
    خلال هذا التحول، كان يفترض، أن يعرف ملف الصحراء، باعتباره قضية وجود، تغييرا على مستوى المقاربة، بما في ذلك فتح إمكانية تملك المغاربة، من جميع المستويات والمواقع للملف بكل معطياته وتحدياته، لكن، المؤسف، أن التحول العميق الذي عرفه الملف من حيث الإطار القانوني المرجعي، لم تواكبه دينامية مجددة لإنتاج المبادرات والأفكار وتجديد الخطاب المتصل بموضوع النزاع.
  2. الحاجة إلى حماية الرأي المخالف
    إن تصريح عزيز غالي، الذي جاء في سياق نقاش عام حول قضايا مختلفة، تستأثر باهتمام الرأي العام، وبصرف النظر عن مساحة الاختلاف بشأن هذه التصريح، لا ينبغي أن تختلق الذرائع وتشرعن دعوات البعض لمحاكمته بدعوة المساس بإجماع الأمة، وذلك لاعتبارات عدة من أهمها:
    • أن عزيز غالي، سواء باعتباره رئيسا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أو باعتباره الشخصي، له كل الحق في التعبير عن أفكاره ومعتقداته طبقا للالتزامات المملكة ونص الدستور، باعتباره التعاقد الأسمى بين المغاربة.
    • إن المساحة المكفولة بقوة القانون، سواء لعزيز غالي أو غيره، للتعبير عن مواقف وآراء مختلفة، هي ما يوفر مزيدا من الضمانات والمشروعية الفعلية، لتعزيز مشروعية وجاذبية مبادرة الحكم الذاتي، كمدخل للحل سواء لدى الرأي العام الدولي أو لدى طيف من المواطنين الصحراويين الذين لا زالوا مرتبطين بشكل أو أخر بأطروحة جبهة البوليساريو…
    إن مبادرة الحكم الذاتي المستندة إلى المعايير الدولية، لم ولن تتملك شرعيتها ومشروعيتها إلا في إطار القطع مع الماضي وبناء دولة الحق والقانون وتعزيز الديموقراطية، باعتبارها الفضاء الأوحد لبعث رسائل الاطمئنان، سواء للمنتظم الدولي أو للإخوة المرتبطين بجبهة البوليساريو.
    إن الممارسة الدولية، التي ارتبطت بخيار تقرير المصير بمعناه الداخلي، أكدت وتؤكد أن ضمانات نجاح، تقرير المصير بمعناه الداخلي، تتوقف في المقام الأول على مدى نضج مستويات التحول الديموقراطي وتعزيز حكم القانون وحماية حقوق الإنسان الفردية والجماعية، بما في ذلك حقوق ومصالح المجموعات المختلفة، والملاحظ أن منظومة حقوق الإنسان ليست ضامنة فحسب لمشروعية تقرير المصير بمعناه الداخلي، بل إنها في نفس الوقت تشكل الإطار القيمي المرجعي الذي يحول في المستقبل دون تحول بنية تقرير المصير بمعناه الداخلي إلى استقلال أو انفصال.
  3. الحاجة إلى تعزيز الحوار الوطني بشأن نزاع الصحراء
    إن الوقائع والأحداث السالفة، كشفت وتكشف عن حاجتنا الجماعية لفتح نقاش وطني، مسؤول وهادئ حول كل قضايانا المصيرية، إذ لا يمكن أن نواجه عسر القضايا الكبرى بغرس رؤوسنا في الرمال. وأعتقد أن الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، وما تضمنه من روح ودعوة صريحة للتعبئة واليقظة، لا يمكن اختزال تجاوبنا معه في بضعة موائد ولقاءات عابرة، هنا وهناك، بقدر ما نحتاج لتسخير ذكاءنا الجماعي لبناء رؤية متكاملة ومنسجمة بين الحق التاريخي والقانوني، دون أن نتأخر ولو للحظة، على خوض معركة شرسة من أجل صيانة وحماية حقوق الأفراد والجماعات وتعزيز البناء الديموقراطي وبناء دولة الحق والقانون، بما في ذلك توفير كل الضمانات القانونية لحماية الرأي المخالف.
  4. في القول بأن الجمعية تتبنى موقف الأمم المتحدة
    لاشك أن مقاصد وميثاق الأمم المتحدة، يشكل إلى جانب العهود والاتفاقيات الدولية منظومة القانون الدولي، التي توافقت بشأنها البشرية كمدخل لتجاوز ويلات الحروب المدمرة التي شهدها العالم في القرن 20، إلا أن التسليم بكونية وأهمية منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي، وما ترتب عنها من تقليص أحيانا لسيادة الدول مقابل ضمانات المشترك الإنساني في السلم والأمن الدوليين، لا يمكن أن ينفي من تفكيرنا الجماعي أيضا، أن هذه المنظومة المتصلة بالقانون الدولي هي في النهاية إرث إنساني مشترك، تأسس في سياق تنافس محموم بين المعسكر الشرقي والغربي، ورغم كل محاولات التوفيق الهادفة إلى تصميم وهندسة اتفاقات جامعة وموحدة، فإن الجميع كان ولا يزال يشتكي من ازدواجية المعايير خاصة بمناسبة إعمال منظومة القانون الدولي، ولنا أمثلة راهنة صريحة مما جرى ويجري في فلسطين ولبنان.
    والمؤكد أن ازدواجية المعايير في إعمال القانون الدولي، قد باتت خلال هذه الألفية مثار سؤال عريض لدى الرأي العام الدولي المطالب بضرورة إصلاح منظومة الأمم المتحدة.

أ‌. الأمم المتحدة وازدواجية المعايير إزاء النزاع الإقليمي في الصحراء

لابد من التذكير، بأن المغرب هو من وضع مطلب تقرير مصير إقليم إفني والصحراء، مباشرة بعد استقلاله الوطني، وفي تجاوب مع مطلب المغرب أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا تحت رقم 2072 (XX) بتاريخ 16 دجنبر 1965، طالبت فيه بضرورة “إسراع الحكومة الاسبانية، باعتبارها السلطة صاحبة الإدارة باتخاذ كافة التدابير الضرورية فورا، من أجل تحرير منطقتي إفني والصحراء من الهيمنة الاستعمارية، وأن تدخل في مفاوضات بشأن مشكل السيادة المتعلقة بهاتين المنطقتين”.

وفي وقت لاحق راسلت مدريد الجمعية العامة، معلنة أنها دخلت في مفاوضات مع المغرب من أجل تنفيذ التزاماتها وفق التوصية الواردة في القرار 2072، الصادر عن الجمعية العامة.

وبما أن الشرعية الدولية، لم تكن مفصولة عن مستويات وحدة التقاطب الدولي، فإن مدريد، ستسعى إلى عزل ملف إفني عن الصحراء في سعي منها لشرعنة وجودها بالساقية الحمراء ووادي الذهب.

باتساق مع موقف مدريد، سعت الجزائر، التي كانت في هذه الحقبة مدعومة بعائدات النفط والغاز وتصاعد وضعها الاعتباري داخل مجموعة عدم الانحياز والمعسكر الشرقي، إلى التأثير على التوصيات اللاحقة الصادرة عن الجمعية العمومية بشأن نزاع الصحراء، وذلك من خلال إقحامها لعبارة “أو أي طرف مهتم”، وبالتالي أصبحت التوصيات المضمنة في قرارات الجمعية العامة، الداعية إلى تقرير مصير إقليم الصحراء الغربية، تدعو إلى إطلاق مفاوضات مع المغرب وأي طرف مهتم، وهذا ما حصل في القرارات : 2299 (XXI)، 2345 (XXI)، 2428 (XXIV)، 2591 (XXIV)، 2983 (XXIVII).

وبعد توقيع اتفاق مدريد الثلاثي، لم تتردد الجزائر في مراسلة الأمم المتحدة معتبرة أن “معاهدة مدريد تشكل خرقا متعمدا للتوصيات الصادرة عن مجلس الأمن، وأن حكومة الجزائر، تنكر أن تكون لتصريح مدريد أي صلاحية وتعتبره باطلا”.

بفعل الموقف الجزائري من جهة، واستمرار الغموض في موقف فرنسا والولايات المتحدة اللتين اختارتا تحويل النزاع في الغرب الإسلامي إلى ورقة لممارسة مزيد من الاستنزاف المزدوج إزاء الرباط والجزائر، هذا الاستنزاف المتحكم فيه كان يستهدف من جهة مواجهة مد المعسكر الشرقي وفصل الغرب الإسلامي عن الشرق الأوسط، خاصة بعد حرب أكتوبر، دون التفريط طبعا في مصالح القوتين سواء بالمغرب أو الجزائر…

في هذا السياق أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصيتين متناقضتين في موضوع النزاع بالصحراء، بتاريخ 20 دجنبر 1975، التوصية الأولى 3458 (XXXA) جاء في فقرتها الثانية:

“أن الجمعية العامة تؤكد تمسكها بمبدأ تقرير المصير، واهتمامها بأن ترى هذا المبدأ مطبقا في حق سكان الصحراء الاسبانية بوسائل تضمن وتسمح لهم بالتعبير عن إرادتهم بحرية طبقا لتوصيات الأمم المتحدة”.

وفي نفس اليوم، صدرت التوصية الثانية 3458(XXXB) ، والتي وافقت على اتفاقية مدريد وأوصت باستشارة السكان ونصت الفقرة الأولى منها، على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة “أخذت بعين الاعتبار معاهدة مدريد المبرمة في 14 نونبر 1975 بين حكومة موريتانيا والمغرب وإسبانيا”.

وطلبت الجمعية العامة في الفقرة الرابعة من الإدارة المؤقتة “اتخاذ كافة الخطوات الضرورية لضمان حق سكان الصحراء المنحدرين من الإقليم في ممارسة تقرير المصير، من خلال استشارات حرة، بمساعدة ممثل عن الأمم المتحدة يعينه الأمين العام” الصفحة 64، الأوجه القانونية الدولية للصحراء المغربية للأستاذ عبد الفضيل كنيديل.

تناقض التوصيتين السالفتين، لم يمنع الرباط من التأكيد على أن استرجاعها لإقليم الصحراء يتفق بشكل كلي مع القانون الدولي، إذ أنه وبعد أن دعا مجلس الأمن، في قراره 380 )1975( الأطراف المعنية والمهتمة بالأمر إلى إجراء مفاوضات في إطار المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، أبرم المغرب بتاريخ 14 نونبر 1975 مع موريتانيا وإسبانيا اتفاق مدريد المسجل لدى الأمم المتحدة بتاريخ 09 دجنبر 1975 تحت رقم 14450 والذي أنهت إسبانيا، بموجبه مسؤولياتها وسلطاتها على ذلك الإقليم، بوصفها السلطة القائمة بالإدارة.

وتنص صيغة اتفاق مدريد على أن الاتفاق أبرم وفق المفاوضات التي دعت إليها الأمم المتحدة عبر الجمعية العامة، وأنشأ الاتفاق إدارة مؤقتة لتدبير الإقليم، وأكد في الوقت ذاته أن رأي سكان الصحراء عن طريق الجماعة الصحراوية سيكون موضع احترام.

بعد ذلك، أحيطت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10 دجنبر 1975، علما باتفاق مدريد، وطلبت تنظيم استشارة استفتائية للسكان من خلال التوصية الواردة بالقرار 3458 )ي 30.د(، وبتاريخ 18 نونبر اجتمع البرلمان الاسباني في جلسة خاصة بالصحراء ووافق بالأغلبية 345 صوت وامتناع 4 أصوات وتصويت 4 نواب ضد الاتفاق الثلاثي.

ونظمت الاستشارة الخاصة بالجماعة الصحراوية، باعتبارها إطارا تمثيليا للساكنة بتاريخ 26 فبراير 1976، في إطار أحكام اتفاق مدريد الذي أقرته أيضا الجماعة الصحراوية، للتذكير فإن الأمم المتحدة لم تبعث من يمثلها في الإشراف على الاستشارة الاستفتائية التي نظمتها الجماعة الصحراوية بتاريخ 26 فبراير 1976، علما أن توصية الجمعية العامة كانت تفترض حضور ممثل عن الأمين العام لهذه الاستشارة.

ورغم كل هذه الخطوات، التي تم نهجها في تفاعل مع القانون الدولي ومقاصد وميثاق الأمم المتحدة، فإن ملف النزاع بشأن الصحراء سيدخل شوطا آخر من التصعيد جراء دخول الجزائر في مواجهة عسكرية فعلية مع المغرب، خاصة أثناء حرب أمكالة الأولى والثانية، )والتي تم خلالها أسر ما يزيد عن 100 ضابط جزائري، تم تسليمهم لاحقا بوساطة مصرية(، علما أن الجزائر و إسبانيا لم يعترفا، بشكل رسمي بجبهة البوليساريو إلا خلال اتفاقية المحبس التي وقعت 22 أكتوبر 1975 ببلدة المحبس، بحضور سالازار، الحاكم العسكري الاسباني، والوالي مصطفى السيد، عن جبهة البوليساريو، والقيادة العسكرية الجزائرية بالجنوب ممثلة في النقيب عبد العالي جمال والنقيب أحمد العياشي.

ب‌. في تقرير المصير

مؤكد أن “مبدأ تقرير المصير” ارتبط بإعلان أو تصريح منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، الذي اعتمدته الجمعية العامة بموجب قرار 1514)د15( وما تلاه من تراكم في ممارسات القانون الدولي عبر عمل الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الإقرار بهذا المنحى الليبرالي لتطور منظومة القانون الدولي، لا ينبغي أن يلغي أو يغيب لدى المهتمين من الصف الديموقراطي والاشتراكي، أن “مبدأ تقرير المصير” كان ولازال يحتفظ بأفهام وتأويلات هامة في التراث اليساري.

لقراءة الملف الكامل الذي خصصته مجلة “لسان المغرب” لهذا الموضوع، يرجى الضغط على الرابط.