بلغزال: الديمقراطية وحقوق لاانسان ضمانات عدم تحوّل الحكم الذاتي إلى انفصال
خصً الخبير في ملف الصحراء، عبد المجيد بلغزال، مجلة “لسان المغرب“، بورقة مطوّلة تتناول إمكانية تطبيق خيار الحكم الذاتي في الصحراء، وتقدّم حزمة موثّقة وغير مسبوقة من الوثائق والمراجع القانونية التي تثبت الحقوق المغربية. ورقة تتوخّى قدرا كبيرا من الموضوعية، وتدافع عن حق الرأي المخالف في الوجود، ننشرها في محاور متعددة، هذا أحدها:
تذهب بعض القراءات الانفعالية، ومن ذلك ما عبر عنه رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في معرض قوله، بأن الجمعية تؤيد موقف الأمم المتحدة الداعي إلى إعمال “مبدأ تقرير المصير” إلى النفي القطعي بكون “الحكم الذاتي” ضمن مداخل التفاوض السياسي بشأن الصحراء. والحال أن هذا القول مجانب للصواب، على اعتبار أن الأمم المتحدة، وإن أكدت على إعمال “تقرير المصير”، فإن شكله وأسلوب تنفيذه، ظل مفتوحا على إمكانيات التفاوض السياسي بين أطراف النزاع، وسنسعى من خلال هذه القراءة إلى بيان كيف تحول مقترح الحكم الذاتي، باعتباره أحد أشكال “تقرير المصير”، بمعناه الداخلي من خلال الفقرات الموالية.
في هذا الباب، سنسعى للتوضيح بأن خيار الحكم الذاتي، سواء عبر مقترح الأمم المتحدة المعنون بالاتفاق الإطاري، والذي تقدم به جيمس بيكر في أعقاب الموافقة المبدئية للمملكة المغربية في التنازل على بعض من صلاحياتها إلى جهة الحكم الذاتي، أو من خلال مخطط بيكر الثاني أو ما يعرف بمخطط سلام من أجل تقرير مصير “شعب الصحراء الغربية”، وصولا إلى المبادرة المغربية من أجل تخويل الصحراء حكما ذاتيا، قد تحول إلى إطار مرجعي وقانوني لأفق استكشاف حل سياسي.
- أفق استكشاف الحل السياسي
بفعل التعقيدات الموضوعية المرتبطة بتنفيذ خطة التسوية، خاصة الجوانب المرتبطة بتحديد الهوية، ستبدأ الأمم المتحدة عبر الممثل الخاص الأمين العام، في استكشاف إمكانات البحث عن حل سياسي متوافق بشأنه، شريطة أن تكون المملكة المغربية باعتبارها “السلطة القائمة بالإدارة”، مستعدة للتنازل، عن بعض من سلطاتها لساكنة الإقليم، كما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 2000 عملا بالقرار 1309(2000).
ابتداء من تاريخ صدور القرار 1301(2000)، في 31 ماي 2000، والقرار 1324(2000)، والقرار 1342 (2001)، و القرار 1349 (2001)، تم التأكيد بشكل متكرر على أن الأمم المتحدة تتوقع من الطرفين أن يقدما إلى المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مقترحات محددة وملموسة، يمكن الاتفاق عليها من أجل حل المشاكل المحددة المتعلقة بتنفيذ خطة التسوية، واستكشاف جميع السبل والوسائل من أجل التوصل في وقت مبكر، إلى حل دائم ومتفق عليه لنزاعهما على الصحراء الغربية.
وفي تقريره الصادر بتاريخ 9 فبراير 2002 عملا بالقرار 1380(2002)، جاء في الفقرة 37: “وفي ختام هذه المشاورات، رأى مبعوثي الشخصي، وأشاطره الرأي، أن عقد اجتماعات أخرى بين الطرفين من أجل البحث عن حل سياسي لن يأتي بنجاح، بل قد يأتي بعكس المرام، ما لم تكن حكومة المغرب بصفتها السلطة الإدارية في الصحراء الغربية، مستعدة لتقديم أو تأييد تفويض لجزء من السلطة الحكومية لجميع السكان، والسكان السابقين في الإقليم بشكل حقيقي وملموس ويتفق مع المعايير الدولية”. - الحكم الذاتي كإطار للحل السياسي
بناء على القرار 1359(2001) المعتمد في 29 يونيو 1 200وبعد موافقة المملكة المغربية المبدئية على مشروع الاتفاق الإطاري، بدأ الحديث عن حل سياسي وفق مشروع الاتفاق الاطاري. وجاء في نص القرار: “وإذ يأخذ في عين الاعتبار أيضا مشروع الاتفاق الإطاري، بشأن مركز الصحراء الغربية الوارد في المرفق الأول لتقرير الأمين العام والذي ينص على تفويض قدر كبير من السلطة ولا يستبعد تقرير المصير”.
تتكون وثيقة مشروع الاتفاق الإطاري الواردة ضمن المرفق الأول من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر بناء على القرار 1359(2001)، والمعتمد في 29 يونيو 2001، من سبعة مواد أساسية، توضح هياكل ممارسة السلطة في الصحراء الغربية، سلطة الحكم الذاتي، سلطات الدولة المغربية، مكونات السلطة التنفيذية بالصحراء، تدابير مواجهة مناط التنازع بين السلطة التنفيذية بالصحراء والسلطة المركزية بالرباط.
يوقع مشروع الاتفاق الإطاري بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، تحت رعاية كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
وافتقدت وثيقة مشروع اتفاق إطاري بشأن مركز الصحراء الغربية، أو مخطط بيكر الأول للهندسة والبناء القانوني، وانعدمت فيها الاعتبارات والديباجة المؤطرة للصلاحيات والاختصاصات.
كما رفضت جبهة البوليساريو مشروع الاتفاق الإطاري ورفعت مذكرة تفصيلية بشأن المقترح، ترد ضمن المرفق الأول المضمن في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الصادر عملا بقرار مجلس الأمن 1380(2001) المؤرخ 27 نونبر 2001.
ورفضت الجزائر مشروع الاتفاق الإطاري بموجب التعليقات الواردة في المرفق الثاني من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر عملا بقرار مجلس الأمن 1380(2001) المؤرخ 27 نونبر 2001.
كما بعث المغرب بتعليقاته على موقفي البوليساريو والجزائر والواردة ضمن المرفق الثالث من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الصادر عملا بقرار مجلس الأمن 1380(2001) المؤرخ27 نونبر 2001، مؤكدا أن جبهة البوليساريو إذ ترفض للمغرب حق تفويض أي سلطة للسكان، فهي بذلك تعارض الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الذين اقترحا، أن يفوض المغرب بوصفه السلطة القائمة بالإدارة، عددا معينا من السلطات المذكورة في مشروع اتفاق الاطاري (تعليقات الحكومة المغربية، المرفق الثالث).
بعد رفض الجزائر والبوليساريو، لمشروع الاتفاق الاطاري، بشأن مركز الصحراء الغربية، تقدم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، بعد جولة من المفاوضات بمشروع وثيقة جديدة سميت بمخطط بيكر الثاني أو خطة “سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”، ضمن المرفق الثاني من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الصادر عملا بقرار مجلس الأمن 1469(2003) بتاريخ 25 مارس 2003.
تتكون الوثيقة، “خطة سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”، من 23 مادة و 4 فصول رئيسية موزعة على الشكل التالي: أولا الغرض أو الأهداف، ثانيا استفتاء تحديد المصير، ثالثا السلطة في الصحراء الغربية، رابعا الأمور الأخرى.
يعتبر مشروع وثيقة خطة “سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”، محاولة للدمج بين الحل السياسي ومخطط التسوية (أنظر المواد 5 و 6) بما فيها نتائج القوائم النهائية للهيأة الناخبة.
بتاريخ 14 يناير 2003، تقدمت المملكة المغربية بملاحظاتها حول المشروع، مؤكدة أنه إذا كان المبعوث الخاص مكلفا من المجلس باقتراح حل سياسي، يضمن حق تقرير المصير، فإن الممارسة الدولية تبين إلى حد كبير، أن الاستشارة الديموقراطية، بشأن المركز القانوني المتفاوض بشأنه بين الطرفين لإقليم من الأقاليم، تتيح للسكان تقرير مصيرهم وتستند هذه الممارسة إلى قرار الجمعية العامة 1514 (د15) المؤرخ في 5 دجنبر1960، وإلى إعلان مبادئ القانون الدولي، المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفق لميثاق الأمم المتحدة، المرفق بقرار الجمعية العامة 2625(د25) المؤرخ 24 دجنبر 1970، والذي ينص على أن خيارات استقلال شعب أو ارتباطه أو اندماجه أو اكتسابه أي مركز سياسي آخر، يحدده بنفسه بحرية، إعمالا من جانبه لحقه في تقرير مصيره.
إن الاتفاق الإطاري بشأن مركز الصحراء الغربية، الذي اقترحه المبعوث الخاص في يونيو 2001 بصيغته النهائية، سيعرض على موافقة السكان عن طريق استشارة استفتائية (المرفق الأول من التقرير S/2001/613 المؤرخ 20 يونيو 2001.
إن المبعوث الشخصي، كان قد أعلن قبل أن يبادر إلى اقتراح الاتفاق الاطاري، أنه يعتقد أن “تقدما ملموسا قد تحقق نحو التحديد ما إذا كانت حكومة المغرب، بوصفه الدولة القائمة بالإدارة في الصحراء الغربية، على استعداد لعرض أو تأييد نوع من انتقال السلطة إلى جميع سكان الإقليم وسكانه السابقين وهو أمر أصيل وجوهري ويتماشى مع القواعد الدولية، “الفقرة 19 من التقرير S/2001/398 بتاريخ 24 أبريل 2001”
إن عنوان الوثيقة خطة “سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”، يقتصر على جانب من جوانب الولاية المنصوص عليها في القرار 1429 ويتغاضى عن السعي إلى إيجاد حل سياسي، يعطي لتقرير المصير في الحالة الراهنة كامل مدلوله.
لم تكتفي ملاحظات المملكة المغربية بالتركيز على الإطار العام للوثيقة، بل شككت في نزاهة ومصداقية المعايير المعتمدة للبث في الهيئة الناخبة، والتي حددتها الوثيقة في ثلاث فئات، وجددت المملكة في ختام ملاحظاتها التزام المغرب بالحوار والتفاوض كوسيلة للتسوية السلمية الدائمة للنزاع حول الصحراء، في ظل احترام السلامة الإقليمية لدول منطقة المغرب العربي، وفقا للشرعية الدولية.
بتاريخ 26 فبراير 2003، وجّه رئيس الجمهورية الجزائرية رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يعرب فيها عن تأييد الجزائر الخطة، مع تقديم بعض الملاحظات بشأن: الفترة التمهيدية ومدتها سنة واحدة قبيل انتخاب سلطة الصحراء الغربية، ومسألة المسجونين، ومسألة اللاجئين، ومسألة قوات الطرفين، والفترة الواقعة بين انتخاب سلطة الصحراء الغربية وإجراء الاستفتاء على الوضع النهائي للإقليم، والاستفتاء المتعلق بالوضع النهائي للإقليم، والضمانات المتعلقة بحسن تنفيذ الخطة.
بتاريخ 8 مارس 2003 وجهت جبهة البوليساريو رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تؤكد فيها، أن المبعوث الشخصي حاول أخذ بعض الشواغل التي عبر عنها الطرفان في الاعتبار. ورغم أنها قدمت عددا من الملاحظات والتعليقات على الخطة فإنها وافقت عليها.
بعد رفض المغرب لمشروع “خطة سلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية”، عاد مجلس الأمن بموجب القرار 1570 (2004) الصادر بتاريخ 28 أبريل 2004 إلى تأكيد التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده. وبذلك، لم يعد مطلب تقرير المصير مرتبطا بإعمال مخطط التسوية ولا بمخطط بيكر الثاني، بقدر ما أصبح مفتوحا على الاجتهادات المبتكرة، التي تنتصر للسلم والأمن الدوليين وتتماشى مع الشرعية الدولية. - في المبادرة المغربية لتخويل الصحراء حكما ذاتيا
في 11 أبريل 2007، سلّم المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تتضمن وثيقة مشروع “المبادرة المغربية للتفاوض على وضع الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء” والتي وصفها قرار مجلس 1754 الصادر بتاريخ 30 أبريل 2007 “بالجدية والمصداقية”.
يتألف مشروع “المبادرة المغربية بشأن التفاوض للتخويل الصحراء حكما ذاتيا” من ثلاثة فصول و 35 مادة موزعة على الشكل التالي: أولا التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي، ثانيا العناصر الأساسية للمقترح المغربي، ثالثا مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله…
وجاء في المادة 27 من المشروع: “يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية، ويعد الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير”.
خضع إعداد نص المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، لحوار وطني واسع شاركت فيه الأحزاب السياسية وممثلو الأمة، وهيئات المجتمع المدني والمجلس الملكي للشؤون الصحراوية، كما حرص معدوه على استلهام مقترحات الأمم المتحدة ذات الصلة، والأحكام الدستورية المعمول بها في الدول القريبة من المغرب جغرافيا وثقافيا. - الحكم الذاتي والمرجعية القانونية للتفاوض بشأن الصحراء
شكل تقديم مبادرة الحكم الذاتي في أبريل 2007، منعطفا جديدا في المرجعية القانونية المؤطرة للنزاع، وهكذا أصبحت كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن إلى غاية القرار الأخير 2756 )2024(، تستند إلى القرار 1754 )2007(، وتؤكد على ضرورة التوصل لحل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، على أساس من التوافق، يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، مع التأكيد في جميع القرارات على تأييده للتوصية التي وردت في التقرير المؤرخ بتاريخ 14 أبريل 2008 (S /2008/251)، والتي جاء فيها :
“تحلي الطرفين بالواقعية والرغبة في التسوية أمر ضروري لإحراز تقدم في المفاوضات، ويشجع البلدين المجاورين على تقديم إسهامات هامة وفعالة في هذه العملية، ويشدد على أهمية أن تسهم جميع الأطراف المعنية في عرض تفاصيل مواقفها من أجل التوصل إلى حل”. أنظر على سبيل المثال القرار 2654)2022(،2548)2020(،2440)2018(،2351)2017(،2285)2016(.
والملاحظ أن هذا التحول المفصلي في المرجعية المؤطرة للحل السياسي، والذي انطلق بعد تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي في 10 أبريل 2007 في تجاوب من المملكة مع نداءات المنتظم الدولي، لتجاوز حالة الجمود، الناجمة عن فشل مخطط التسوية، ارتبط أيضا بالدينامية غير المسبوقة التي أطلقها الوسيط الأممي بيتر فان فالسوم من خلال نهجه لأطروحة التركيز والملاءمة بين الشرعية الدولية والواقع السياسي.
إن تحول مبادرة الحكم الذاتي، كمضمون لحل سياسي إلى إطار مرجعي لمختلف القرارات الصادرة عن مجلس الأمن تؤكده تقارير الأمين العام والقرارات ذات الصلة، جاء في باب الملاحظات والتوصيات من تقرير الأمين العام الأخير الصادر بموجب القرار 2703 )2023( الفقرة 89:
“غير أن ذلك يتطلب من جميع المعنيين أن ينخرطوا بحسن نية وبروح من الانفتاح وأن يمتنعوا عن وضع شروط مسبقة وأن يسهبوا في عرض مواقفهم بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم يقبله الطرفان”
وجاء في ديباجة ونص القرار 2654 )2022(:
“وإذ يشجع الطرفين في هذا السياق على إظهار المزيد من الإرادة السياسية للمضي قدما صوب التوصل إلى حل، وذلك بطرق منها توسيع نطاق نقاشهما حول ما يطرحه كلاهما من مقترحات”
قبل أن يؤكد القرار في الفقرة 09:
“ويشدد على أهمية أن تسهم جميع الأطراف المعنية في عرض تفاصيل مواقفها من أجل التوصل إلى حل”.
كما أن الوسيط الأممي دي ميستورا، طالب خلال زيارته إلى الرباط ولقائه بوزير الخارجية، بتقديم تفاصيل مضمون مبادرة تخويل الصحراء حكما ذاتيا، مما يؤكد أن المقترح المغربي مطروح وبقوة ضمن الإمكانات الفعلية للتوصل لحل عادل ومقبول يوفر السلم للفضاء المغاربي والساحل والصحراء. - أشكال وأساليب إعمال تقرير المصير
إن الدعوة إلى “تقرير مصير شعب الصحراء الغربية” ظلت مفتوحة على كل الوسائل والاجتهادات المبتكرة التي تتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، كما يتأكد ذلك سواء من بعض قرارات الجمعية العامة أو ملاحظات واستنتاجات الوسيط الخاص للأمين العام. فقد جاء في القرار 67/129 بشأن مسألة “الصحراء الغربية” المتخذ من طرف الجمعية العامة في 18 دجنبر 2012 (A/67/413) في سياق اعتبارات القرار التنصيص على تعدد خيارات وأساليب تقرير المصير.
” وإذ تسلم بأن جميع الخيارات المتاحة لتقرير مصير الأقاليم، خيارات سليمة ما دامت تتفق مع الرغبات التي تعرب عنها الشعوب المعنية بحرية، وتتوافق مع المبادئ المحددة بوضوح في قراري الجمعية العامة 1514(د15) و1541 (د15) المؤرخين 15 دجنبر 1960″ وغيرهما من قرارات الجمعية.
كما جاء في تقرير الأمين العام المقدم بموجب قرار مجلس الأمن 1301 (2000) المؤرخ 31 ماي 2000 في الفصل الرابع الخاص بالملاحظات والتوصيات، ما يفيد أن تقرير المصير بأفق حل سياسي، يبقى مفتوحا على الاجتهادات المبتكرة، الفقرة 29:
“ويمكن للحل السياسي كما بين المبعوث الخاص للطرفين أن يتخذ أشكالا عدة، غير أن أهم ما في الأمر عدم اللجوء إلى الخيار العسكري، إذ يمكن التوصل إلى اتفاق عن طريق التفاوض يتم بموجبه “إدماج الصحراء الغربية” على نحو كامل في المغرب، أو اتفاق تفاوضي يمنحها الاستقلال الكامل أو اتفاق تفاوضي يأتي بحل وسط أو اتفاق تفاوضي يسمح بتنفيذ خطة التسوية”.
وفي تقرير الأمين العام (S/2006/249) الصادر بموجب القرار 1634 (2005) وعلى إثر الجولة الاستكشافية التي قادها الوسيط الأممي فالسوم في الفترة بين 11 و 17 أكتوبر 2006 إلى المنطقة، أفاد أن المسألة لا تزال تواجه طريقا مسدودا ولا يزال هناك عدم اتفاق تام بشأن كيفية تمكين “سكان الصحراء الغربية” من ممارسة حقهم في تقرير المصير (الفقرة 6 التقرير(S/2006/49) والملاحظ أن الفقرة تؤكد ضمنيا على تعدد أشكال وأساليب إجراء تقرير المصير.
وفي جواب مبطن على سعي الجزائر والبوليساريو، في حصر مفهوم تقرير المصير في إجراء الاستفتاء، وانطلاقا من القاعدة العامة الموجهة لمجلس الأمن والتي تفيد بأنه لا يمكن التوصل لأي حل لمسألة “الصحراء الغربية”، إلا من خلال التوافق في الآراء، استنتج المبعوث الشخصي للأمين العام السيد فالسوم كما وارد في الفقرة 34 من الفصل الخاص من الملاحظات والتوصيات.
تقرير (S/2006/249):
” لدى فإن الخيار المتبقى، هو اللجوء إلى إجراء المفاوضات المباشرة التي ينبغي إجراؤها دون شروط مسبقة وينبغي أن يكون الهدف منها هو إنجاز ما ليس بوسع خطة أخرى إنجازه، أي التوصل إلى حل توفيقي بين الشرعية الدولية والواقع السياسي، يكون من شأنه التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول لدى الطرفين، ينص على تقرير “المصير لشعب الصحراء الغربية””.
إن مقترح بيتر فان فالسوم الوارد في سياق الإحاطة، التي قدمها لمجلس الأمن بتاريخ 18 يناير 2006، والمتضمنة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة (S/2006/249)، يؤكد من خلال الدعوة إلى التوفيق بين الشرعية الدولية والواقع السياسي، على تعدد أشكال وأساليب تقرير المصير وعدم انحصارها في مضمون محدد… بل إن فالسوم قال خلال إحاطته أمام مجلس الأمن بتاريخ 18 يناير 2006:
” أصبحت أكثر إدراكا لوجود قوى من خارج المنطقة تعمل على تصليب المواقف ضد خيار إجراء المفاوضات”.
الفقرة 39 تقرير (S/2006/249).
” وفي أعقاب قرار مجلس الأمن 1675 (2006) الذي مدد ولاية بعثة المينورسو لأكثر من 6 أشهر، اشتغل الوسيط الأممي بيتر فان فالسوم لإيضاح موقفه بشأن العلاقة بين الشرعية الدولية والواقع السياسي فقد جاء في تقرير الأمين العام (S/2006/817)، الفقرة 15:
” لكن مبعوثي الشخصي في اتصالاته مع الطرفين والدولتين الجارتين على مدى الأشهر الستة الماضية، بين أن قوله بأن مجلس الأمن قد استبعد حلا لمسألة “الصحراء الغربية” لا يقوم على رضى الطرفين، لا يعني ضمنا تضائلا في احترام الشرعية الدولية، ذلك أن الشرعية الدولية كما يرى هو، أعم من قرار الجمعية العامة 1514 (د15)، وأنها تشمل على وجه الخصوص، ميثاق الأمم المتحدة. إن الميثاق هو الذي نص على أن قرارات الجمعية العامة لا تجد طريقها إلى التنفيذ المباشر، فيما منح مجلس الأمن السلطة الخالصة للبث في ما إذا كان أي نزاع ينبغي النظر فيه في إطار الفصل السادس (حل النزاعات سلميا) أو في إطار الفصل السابع (الإجراءات فيما يتعلق بحالات تهديد السلم ووقوع العدوان). وإذا ما أعمل مجلس الأمن تلك السلطة واختار الفصل السادس فإنه يتصرف وفقا للشرعية الدولية …”.
وفي سعيه لحلحلة حالة الجمود التي يعرفها ملف الصحراء، وانطلاقا من رؤية منسجمة بين الشرعية الدولية والواقع السياسي، قال الوسيط الأممي بيتر فان فالسوم في إحاطة قدمها لمجلس الأمن بتاريخ 21 أبريل 2008: “استقلال الصحراء الغربية خيار غير واقعي”، القدس العربي عدد 5875 – 24 أبريل 2008. مجددا دعوة الدول الخمس عشرة الأعضاء في المجلس إلى التوصية بمواصلة المفاوضات مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي والشرعية الدولية”.
وجراء هذه الإحاطة التي تميّزت بالجرأة والتحول النوعي، قال مـحمد عبد العزيز، الأمين العام لجبهة البوليساريو: “إن تصريحات المبعوث الشخصي للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للصحراء الغربية”، بيتر فان فالسوم، تقصيه تلقائيا من صفة الوساطة وتشجع على عودة المواجهات”.
وأضاف مـحمد عبد العزيز: “لا تمثل تصريحات فان فالسوم إلا شخصه، وتجرّده من أهليته للوساطة التي تلزمه بالإشراف على المفاوضات، والتي تدعو إلى تطبيق لوائح مجلس الأمن”. وردّت الناطقة الرسمية باسم الأمين العام للأمم المتحدة ميشل مونطاس: “أن ممثله الشخصي بيتر فان فالسوم مؤهّل بصفته وسيطا دوليا في المفاوضات حول الصحراء لتقديم استنتاجاته الخاصة واقتراحاته لمجلس الأمين بغية إخراج هذا الملف من المأزق الحالي”، القدس العربي عدد 5875 – الخميس 24 أبريل 2008.
وعلى الرغم من انتهاء ولاية المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة “بيتر فان فالسوم” في غشت 2008 على وقع جدل كبير حول أشكال وأساليب تحقيق مبدأ تقرير المصير، والعلاقة بين الشرعية الدولية والواقع السياسي، فإن تعيين الوسيط الأممي كروستوف روس لم يغيب استمرار الجدل حول شكل ومضمون تقرير المصير. فقد جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة (S/2014/258) الصادر بموجب القرار 2099 (2013) المؤرخ في 25 أبريل 2013 في الفقرة 19 في معرض تناوله جولة روس للمنطقة في الفترة الممتدة بين 12 و25 أكتوبر 2013.
“وأوضح للطرفين كليهما والدول المجاورة أن المناقشات المقبلة جديرة بأن تتناول الجانبين الحيويين كليهما لتوجيهات المجلس المتكررة أولا –حل سياسي جوهري يقبله الطرفان”، والوسائل التي يمارس بواسطتها “شعب الصحراء الغربية تقرير المصير”.
كما أن الفقرة 21 من نفس التقرير السالف، تؤكد بما لا يدع مجالا الشك، تعدد أشكال ومضامين تقرير المصير، حيث جاء في معرض رد الوسيط الأممي، روس، على جبهة البوليساريو أثناء زيارته لمخيمات لحمادة ما يلي:
“وفي الوقت نفسه شددوا (البوليساريو) على أن أي حل عن طريق التفاوض يجب أن يحترم الحق غير القابل للتصرف “لشعب الصحراء الغربية” في تقرير المصير عن طريق استفتاء يقوم على ثلاثة خيارات. وأجاب مبعوثي الشخصي بأنه لئن حدد مجلس الأمن تقرير المصير بوصفه إحدى المسألتين الرئيسيتين اللتين يتعين التطرق لهما، فإنه لم يحدد الشكل الذي يمكن أن يتخذه تقرير المصير”.
وفي الفقرة 25 من نفس التقرير، وفي سياق المشاورات التي أجراها “روس” مع أعضاء فريق الأصدقاء في الفترة الممتدة بين نونبر 2003 ومارس 2014:
“ألتمس من محاوريه تأييدا متجددا لنهجه الجديد ولتأكيده ضرورة أن يعالج الطرفان على السواء جوهر حل سياسي مقبول لدى الطرفين، والوسائل اللازمة لممارسة حق تقرير المصير”.
إن إشكالية التوفيق بين مطلب حل سياسي عادل ودائم وشكل أو أسلوب تقرير المصير، هي التي أطّرت استنتاجات الوسيط الأممي السابق بيتر فان فالسوم في خلاصاته الداعية إلى التوفيق بين الشرعية الدولية والواقع السياسي، وأعتقد أن هذا المطلب يتطلب مجهودا فكريا وفقهيا كبيرا. - عود على بدء: ضمانات نجاح مبادرة تخويل الصحراء حكما ذاتيا
أ. في موضوع التجزئة
بعد جفاء، دام لسنوات، عادت فرنسا خلال السنة الماضية للتأكيد في أكثر من مناسبة بما فيها خلال زيارة ماكرون إلى المغرب، على أن فرنسا تعتبر “أن حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية”. وإذا كانت الدولة المغربية وعدد من القوى الحية، قد تلقت الموقف الفرنسي بنوع من الارتياح، فإن موقف فرنسا مع ذلك لازال محكوما بنوع من الالتباس والغموض، وعليه ألا يحق لنا كمتتبعين، أن نتساءل لماذا حصرت فرنسا موقفها من الصحراء في الحاضر والمستقبل؟
ألم تكن فرنسا الراعي الرسمي لمخطط التجزئة الذي طال المغرب ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر؟ ألم تلعب فرنسا دورا محوريا في توزيع المغرب بين مناطق نفوذ متعددة؟ هل كان التقسيم الذي خضع له المغرب بين النفوذ الاسباني والفرنسي، نتاج طبيعي لمراكز القوى الغربية وضرورات المجال الحيوي الاسباني بالشمال والجنوب، أم كان ضمن رؤية استراتيجية، سعت إلى وضع أكثر من سيناريو لتجزئة المغرب، باعتباره من جهة بلاد المغارب التي هددت تاريخيا التواجد الغربي بالجزيرة الإيبيرية، فضلا عن كون المغرب بامتداده التاريخي وانفتاحه عن عمقه الإفريقي، كان يشكل حجر عثرة أمام طموحات الدول الاستعمارية؟
كيف نفهم حرص فرنسا على دعم وإسناد إسبانيا لتمكينها من احتلال إقليم الصحراء بعدما كان الاسبان متقوقعين في الساحل الاطلسي؟
لماذا حرصت فرنسا على إدارة تندوف والصحراء الشرقية، انطلاقا من أكادير، ولماذا كانت تطمح لإنشاء كيان صحراوي يجمع بين الصحراء الشرقية وأجزاء من الصحراء الغربية مع منفد على أكادير؟
لماذا ترددت حتى بعد الاستقلال على تقديم الخرائط والإحداثيات الخاصة بترسيم إتفاقية للا مغنية إلى المغرب، في حين لم تتردد في تسليمها إلى السلطات الجزائرية؟
ألم تستعمل فرنسا إشكالات الحدود على مدار سنوات لإدارة الاستنزاف والاستنزاف المضاد لمقدرات الشعبين المغربي والجزائري؟
هل هناك تحول فعلي في الموقف الفرنسي؟ وما هو ثمن هذا التحول؟ وما علاقة هذا التحول بطبيعة انتقال الحكم في المغرب مستقبلا؟ ولماذا تصر باريس بمناسبة دعوتها لتجديد العلاقات الاستراتيجية للبلدين بالذكرى المئوية لمعاهدة “لاسيل سان كلو”؟ كيف يمكن تجديد الاتفاقات الاستراتيجية بين البلدين على قاعدة الندية وبما يضمن استقلالية وسيادة القرار المغربي؟
وإذا كانت فرنسا خلال سنوات الجفاء مع الرباط، تنظر إلى المغرب باعتباره جهة داعمة لحركات الرفض الافريقي للتواجد الفرنسي، فكيف ستنظر اليوم بلدان إفريقيا لموقف المغرب الجديد؟ علما أن جهات وأصوات عدة تسعى للتشكيك في التواجد المغربي بعمقه الإفريقي وتعتبره مجرد راعي جديد لمصالح فرنسا.
ب. في ضمانات نجاح مبادرة الحكم الذاتي
• لاشك أن الممارسة الدولية، قد أكدت في أكثر من مناسبة أهمية تقرير المصير، بمعناه الداخلي، بالنظر لما يوفره من إمكانات للسكان في تدبير شؤونهم ومصالحهم، والسعي بحرية إلى تحقيق نمائهم الاقتصادي والاجتماعي… إلا أن “الحكم الذاتي” باعتباره نهجا خلاقا للتوفيق بين مبدأ تقرير المصير والحق في سلامة الوحدة الترابية للدول، يحتاج إلى ضمانات الديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون، ففي غياب هذه المنظومة المتكاملة، فإن الحكم الذاتي كخيار سياسي للحفاظ على الوحدة، يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى انفصال. فالديموقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون هي الضمانة الأساسية لوحدة الأوطان، على هذه القاعدة نتساءل :
ما هي ضمانات نجاح “مبادرة تخويل الصحراء حكما ذاتيا”؟ إلى أي حد تمكن المغرب، من خلال نهجه “للجهوية المتقدمة” وتجديد النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية من إعادة هيكلة الإقليم وتأهيله على المستوى المؤسساتي والبشري للانتقال نحو تنزيل مبادرة تخويل الصحراء حكما ذاتيا؟
وإذا كان النموذج التنموي الموقع أمام جلالة الملك، قد مكن الإقليم من خلق تحول هيكلي، على مستوى البنيات الأساسية، يؤهله للتحول إلى منصة للربط الأطلسي والوصل مع إفريقيا والساحل والصحراء، إلى أي حد توفق على مستوى تأهيل الرأسمال البشري، خاصة البنيات التمثيلية والهياكل المنتخبة الممثلة للساكنة؟ ألم تشهد السنوات الأخيرة نوعا من الاحتكار والتأميم المسبق للبنيات والهياكل المنتخبة؟ ألا يشتكي بعض الصحراويين من تراجع سلطة الدولة مقابل تضخم نفوذ بعض المجموعات المستفيدة من تأميم التمثيلية المواطنة؟
ألا تتطلب ضمانات نجاح مبادرة الحكم الذاتي جيلا جديدا من الإصلاح السياسي والمؤسساتي الذي يسمح بتعزيز حكم القانون ويؤسس لجهوية بمضمون سياسي، يمكن السكان من إدارة شؤونهم عبر مؤسسات تنفيذية وتشريعية؟
وبالنظر إلى كون تقارير مجلس الأمن وملاحظات المفوضية السامية لحقوق الإنسان، كانت ولازالت إلى جانب إشادتها بعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية، تطالب بتعزيز حقوق الإنسان وحماية الرأي المخالف، بالنظر إلى ما سلف، كيف يمكن حماية تحدي الرأي المخالف، بما يضمن الحق في الاختلاف ويعزز جاذبية ومشروعية الحكم الذاتي سواء لدى المنتظم الدولي، أو لدى الفئة التي لازالت مرتبطة بخيار الانفصال؟
بالنظر إلى الدينامية التي يعرفها مقترح الحكم الذاتي لدى المنتظم الدولي، ماهي طبيعة المقاربة التي ينبغي نهجها اليوم سواء داخل مجلس الأمن أو لدى مراكز الضغط من أجل بلورة استراتيجية جديدة تجعل من خيار الحكم الذاتي خيارا أوحد لحل النزاع؟
ألم يحن الوقت لإخراج الملف من اللجنة الرابعة؟
ألا تتطلب الدينامية الجديدة بدل جهود موازية لمراجعة اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، لتشمل الأقاليم الجنوبية؟
وبالنظر إلى الالتباس المرتبط بمجال “إقليم الصحراء”، كيف يمكن تصور نطاق تنزيل مبادرة الحكم الذاتي؟ فهل سنكتفي بتجميع “الإقليم” موضوع النزاع في إطار جهة واحدة؟ أم نعمل على توسيع نفوذ “إقليم الصحراء” بمعناه العام بما في ذلك جهة كلميم واد نون؟
وفي حالة إذا ما استندنا إلى طبيعة الإقليم، من حيث تعريف القانون الدولي، في ترسيم جهة الحكم الذاتي، كيف سنتعاطى حينئذ مع التحديات الترابية والاجتماعية والثقافية التي يمكن أن تنشأ بجهة كلميم واد نون؟ ألا تتطلب ضمانات حماية جهة الحكم الذاتي في علاقتها بإقليم النزاع جهودا جبارة وغير مسبوقة لإعادة تأهيل جهة كلميم وتحويلها إلى مركز استقطاب مؤثر في جهة الحكم الذاتي بما يضمن التنمية الانسانية ويحول دون امتداد نزعات الانفصال؟ وهل يمكن لجهة واد نون دون إسناد من جهة سوس أن تقوم بدور مركزي للاستقطاب والتحكم في جهة الحكم الذاتي؟
ج. في السلم والأمن الدوليين
يخضع تدبير النزاع الإقليمي في الصحراء إلى مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة المرتبطة بضمانات حماية السلم والأمن الدوليين، ومن أجل ذلك تحرص كل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، من حيث الاعتبارات والديباجة على التأكيد على أهمية التوصل إلى حل سياسي كمدخل للبناء المغاربي وما يرتبط به من فرص لبناء مسارات السلم بالساحل والصحراء، وفي هذا السياق، فإن المملكة المغربية، وهي تقدم مشروع مبادرة لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، كانت ولازالت تراهن على تحرير الفضاء المغاربي من كل الإشكالات التي حالت وتحول دون تحرير مقدرات الفضاء المغاربي وتسخيرها بشكل جماعي في اتجاه تعزيز التنمية والرفاه الإنساني، مع ما قد يترتب عن وحدة الفضاء المغاربي من إمكانات متجددة لإخراج منطقة الساحل من دوامة النزاعات المسلحة وضغوط الجريمة المنظمة والحركات الجهادية المسلحة، وما مشروع التجمع الأطلسي ومشروع الانفتاح على الساحل والصحراء، إلا مبادرات معززة لإمكانات البحث عن حل سياسي واقعي يحرر مقدرات الشعوب المغاربية ويعزز السلم في ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
لقراءة الملف الكامل الذي خصصته مجلة “لسان المغرب” لهذا الموضوع، يرجى الضغط على الرابط