أديمولا لقمان.. رحلة شائكة من أجل عرش إفريقيا

عندما فاز الهداف النيجيري الراحل رشيدي بقيني بالكرة الذهبية الإفريقية سنة 1992 مناصفة مع الغاني أبيدي بيلي، كانت هي المرة الأولى التي تدخل فيه نيجيريا إلى قائمة الفائزين بالجائزة.. وقتها كان المغرب قد سبق إليها بثلاث لاعبين هم أحمد فرس سنة 1976, ومحمد التيمومي سنة 1985، وبادو الزاكي سنة 1986.
كانت جائزة رشيدي يقيني انطلاقة فعلية لبروز نيجيريا على صعيد المنتخبات، وإنجاب النجوم الخارقين الذين كانوا منذ تلك السنة حاضرين في لائحة الفائزين بالكرة الذهبية.. وهكذا فاز بها بعد الهداف يقيني، مواطنوه إيمانويل أمونيكي سمة 1994 ونوانكو كانو سنتي 1996 و1999 وفيكتور إيكبيبا سنة 1997 وفيكتور أوسيمين سنة 2023 وأديمولا لقمان هذه السنة، لتتمكن نيجيريا من الصعود إلى ثاني سلم ترثيب البلدان الأكثر فوزا بالجائزة ب7 مرات بعد المتصدرة الكاميرون ب11 مرة.
الفائز الأخير بالجائزة نجم أطلنطا بيرغامو أديمولا لقمان، تفوق في نتائج التصويت، بعد موسم كان تاريخيا له رفقه ناديه الإيطالي المتوج بلقب كأس المؤتمرات الأوربي ومساهمته في الظفر به بعد نهائي تألق فيه لقمان بشكل كبير.
فمن هو هذا الوجه النيجيري الجديد؟ ومن أين جاء؟ وكيف كان مساره مع الحياة ومع كرة القدم؟
ولادة في إنجلترا
ولد لقمان لأبوين نيجيريين، وولدت أختاه الأكبر سناً في نيجيريا، بينما كان الوحيد بين أسرته الذي ولد في إنجلترا، بقي والده وإحدى أخواته في نيجيريا، لذا قامت أمه بتربيته برفقة أخته الأخرى بمفردها، إذ كشف أنها كانت تعمل في تنظيف المنازل والعديد من الوظائف الأخرى لكسب قوت يومها.
قدمت كرة القدم فرصة لتغيير الواقع الذي يعيشه لقمان، واستمتع بالمتعة التي منحته إياها. كونه أحد أكثر اللاعبين الشباب إثارة للاهتمام في إنجلترا، رغم معاناته من تجاهل جميع الأندية حتى سن 16 عامًا، إذ لعب في “دوري الأحد” وهي بطولة للهواة لفريق في لامبيث يسمى “ووترلو”، ونجح في تجنب مخاطر الإنحراف التي يواجهها العديد من الأولاد في شوارع لندن.
بهذا الصدد يقول لقمان: “بالطبع هناك ضغوط من الكثير من المناطق. ولكن، حتى كطفل، عليك اتخاذ القرارات التي لا تعرضك أو عائلتك للخطر. كنت قادرًا على التمييز بين الصواب والخطأ، التجول مع الأشخاص المناسبين كان أمرًا أساسيًا بالنسبة لي. لقد أخذت الدراسة على محمل الجد وفي امتحانات الثانوية حصلت على درجات مميزة”.
وأضاف: “لقد أحببت لعب كرة القدم لأنني كنت جيدًا فيها ولكن أيضًا لأنني كنت أستمتع كثيرًا مع أصدقائي. أعطتني كرة القدم شعورًا جديدًا بالطاقة والحماس. كانت بمثابة الحرية. كنا نلعب في أماكن مختلفة حول جنوب شرق لندن وكان الفوز على الفرق في مناطق معينة أمرًا كبيرًا. نشأت بين منطقتي بيكهام وكامبرويل. يعرف الجميع المواهب التي تأتي من جنوب شرق لندن. أثناء نشأتي، كان الكثير من أصدقائي موهوبين مثلي تمامًا. حتى يومنا هذا أتساءل لماذا لم ننجح جميعًا. مع تقدمي في السن، أصبح حبي لكرة القدم أقوى وأقوى”.
طفولة صعبة
يتذكر النيجيري أديمولا لقمان طفولته الصعبة في جنوب شرق لندن، ومحاولات والدته الحصول على وظيفة لتوفير المأكل والملبس له ولأخته قبل أن ينتهي بها المطاف كعاملة نظافة أحياناً لتوفير احتياجاتهم، كما يسترجع بفخر لحظات القلق التي عاشها لعدم حصوله على فرصة الانضمام لأحد الأندية ببلوغه 16 عاماً، وهو الذي لم يكن يتوقع أن يعتلي يوما ما قمة كرة القدم الإفريقية.
ويسترجع لقمان ذكريات طفولته في تصريحات سابقة لصحيفة “إندبندنت” البريطانية: “كانت الحياة صعبة أثناء نشأتي، مرت بعض الليالي لم يكن لدي فيها… كيف يمكنني أن أقول ذلك؟ لم يكن لدي أفضل طعام. كما لم يكن لدي أشياء معينة عندما كنت صغيراً، كان الأمر صراعاً حقيقياً بالنسبة لأمي وكان عليها أن تعتني بنا جميعاً. لقد فعلت أفضل ما في وسعها حتى تتأكد من وجود طعام على الطاولة وأن لدي ملابس لأرتديها. لقد منحتني كل ما طلبته منها، كنت سعيدًا ولكن مع تقدمك في العمر، تدرك مدى صعوبة الأمر بالنسبة لها”.
مسيرة كروية متقلبة
بدأ القلق يتسرب داخل لقمان عندما بلغ سن الـ16 ولم يلتحق بأي ناد، قبل أن يختار اللعب مع فريق لندن كاونتيز في مباراة ودية ضد فريق أكاديمية تشارلتون في 2013، إذ بدأ تلك المباراة على مقاعد البدلاء قبل أن يتعرض أحد اللاعبين للإصابة ليشارك ويقدم أداء أبهر الفريق المنافس رغم خسارة فريقه.
يتذكر لقمان هذه المباراة قائلاً: “شعرت وكأن الباب قد انفتح في ذلك اليوم، لكنني لم أشعر بذلك حتى اللحظة التي قالوا فيها بعد المباراة إن تشارلتون سيعرض عليَّ منحة دراسية. صُدمت والدتي لأنها اعتقدت أنني سأذهب بالتأكيد إلى الكلية. كان العرض من تشارلتون غير متوقع. كانت سنوات سعيدة بالنسبة لي في تشارلتون. لم يكن هناك خياراً سوى التقدم من فريق تحت 18 عامًا إلى فريق تحت 23 عامًا وصولاً للفريق الأول”.
وفي 2018، انتقل لقمان إلى إيفرتون، ورغم بدايته القوية وتسجيله هدفاً في مرمى مانشستر سيتي، تراجع دوره ليصر على الانتقال إلى لايبزيغ الألماني بعد فترة، بدلاً من إعارته إلى ديربي كاونتي في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي.
وعاد النيجيري إلى إنجلترا معاراً لفولهام، إذ عانى من أسوأ لحظة في مسيرته الكرويةزحين حاول تسديد ركلة جزاء أمام وست هام على طريقة “بانينكا”، إذ يقول: “عندما حدث ذلك، لم أستطع حتى وصف الدمار الذي عشته. كنت أحاول التكفير عن هذا الخطأ. لكني حاولت استخدامها وتحويلها إلى شيء إيجابي”.
عاد لقمان إلى ألمانيا لتتم إعارته إلى ليستر سيتي، قبل أن ينتقل بشكل دائم إلى أطلنطا وتبدأ رحلة تألق أسفرت عن 39 مساهمة تهديفية في 57 مباراة ولقب الدوري الأوروبي، ليتفوق على المغربي أشرف حكيمي والغيني سيرهو غيراسي والإيفواري سيمون أدينغرا والجنوب إفريقي ورونوين ويليامز ليصبح سابع لاعب نيجيري يفوز بجائزة الأفضل في إفريقيا.
وقال لقمان: “كانت رغبتي في النجاح لها علاقة بكوني الصبي الوحيد في عائلتي. كنت على استعداد للتطور والقيام بشيء لعائلتي. أردت أن أجعل أمي وأخواتي فخورات، كان هذا بالتأكيد أحد أهدافي، ولا يزال كذلك حتى اليوم”.