story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

منشار الفيفا !

ص ص

تلك الابتسامات الودودة التي يوزعها رئيس الفيفا جياني إنفانتينو أينما حل وارتحل، ليست لشخص يقود منظمة خيرية تسعى لإسعاد الناس في هذا العالم البئيس، بل هي إحدى الوسائل السحرية التي يتقنها عراب إمبراطورية مالية لبست ثوب كرة القدم لتتحول إلى منشار حقيقي “طالع واكل نازل واكل” كما يقول ثراثنا الشفوي المغربي البليغ.

الأصلع السويسري ذو الأصول الإيطالية منذ أن تسلم المؤسسة الكروية العملاقة التي يفوق نفوذها نفوذ الأمم المتحدة، من مواطنه وسلفه الداهية سيب بلاتير، وهو يسير في نفس فلسفته ومخططاته التي تهدف إلى الإستفراد ب”دجاجة” كرة القدم، والإستثمار في “همزتها” التي لا تعرف الكساد، واستغلال هذا الشغف العالمي بالمباريات والبطولات والمنافسات وما صاحبها من دخول لرؤوس الأموال والشركات الباحثة عن تسويق منتوجها وسط آلة إعلامية تتطور يوما عن يوم.

ما يفعله جياني إنفانتينو في الفيفا حاليا، هو تكرار مساعي بلاتير التي كان يزيد بها من أرباح الإمبراطورية الكروية بالطرق المشبوهة، لكن بتطبيقها بشكل أكثر “شرعية”، وباستخدام قدراته الحربائية التي “يدهن” بها مسؤولي الدول والحكومات الراغبة في استغلال كرة القدم في أجنداتها السياسية، ودفعها إلى صرف ميزانيات ضخمة من مالها العمومي من أجل استضافة منافسات كبيرة تكون الفيفا وشركاتها الراعية لها هي المستفيذ الاول والأخير من عائداتها الفلكية.

منذ مجيء الحاكم الجديد للفيفا وهو يقيم المخططات وبرامج التطوير التي لا هدف رياضي أو إنساني لها كما يدعي مسؤولوها في تصريحاتهم الإعلامية، بل الهدف الأساسي هو جعلها أكثر إثارة وجذبا للمشاهدين، ومنها إلى مضاعفة عائدات الإشهار والنقل التلفزيوني، وذلك بالزيادة في عدد المباريات والمسابقات وتعديل قوانين اللعب القديمة بجعلها تساعد على اللعب السريع وتسجيل الكثير من الأهداف وبأية طريقة، والإستغناء عن الفنيات والمهارات الفردية.

ويبدو أن إنفانتينو وتنظيمه “المنشاري” قد وصل إلى ذروة نتائج سياسته المالية، بعد الإتفاق الذي وقعه مع شركة النفط السعودية “أرامكو” لتوقيع عقد رعاية يجعل منها الراعي الرسمي والأساسي للاتحاد الدولي لكرة القدم الى غاية مونديال السعودية 2034 وتصل قيمته إلى مليار دولار بمعدل 100 مليون دولار سنويا تدخل خزينته على مدى عشر سنوات، لتصبح “أرامكو” ثالث شركة عالمية تتعاون مع الفيفا، بعد شركة الطاقة الروسية العملاقة “غازبروم” التي وقعت عقد رعاية بمناسبة كأس العالم 2018 في روسيا، وشركة طيران “الخطوط الجوية القطرية” بمناسبة كأس العالم 2022.

الأمر صار تقليدا “ابتزازيا” بالنسبة للفيفا مع الشركات الكبرى لمنظمي كأس العالم التي نقلت الهيئة الكروية من مجرد مؤسسة رياضية الى إمبراطورية مالية تنمو بشكل سريع وكبير بفضل مداخيلها واستثماراتها الكبيرة في بطولة كأس العالم وكل المسابقات التي تنظمها رفقة رعاة ومعلنين سمحوا لها بتحقيق عائدات قياسية بلغت 7,5 مليار دولار خلال الفترة من 2019 الى 2022، بزيادة قدرت بأكثر من مليار دولار عن الفترة السابقة، مع توقعات بارتفاعها الى 11 مليار دولار بمناسبة كأس العالم 2026 بسبب ارتفاع عدد المنتخبات المشاركة، ما يجعل الهيئة الكروية قوة مالية عظمى تفوق استثماراتها ومداخيلها بكثير ميزانيات الكثير من الدول، وساهم في تحول كرة القدم الى ثالث أكبر اقتصاد في العالم.

وسط كل هذه الأموال المتدفقة بسخاء على إمبراطورية كرة القدم، صرنا نتساءل يوما عن يوم.. هل نتجه إلى انقراض الإنساني والإبداعي البريء في الرياضة الأكثر شعبية في العالم؟ يبدو ذلك واضحا.. وبأعين “مُضَبّعة” مفتوحة.