story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

مرآة مونديال 2030

ص ص

التقرير الذي كشف عنه الاتحاد الدولي لكرة القدم، والمتضمن لتقييم ال”فيفا” لملف الترشيح المشترك المغربي الإسباني البرتغالي، هو أكثر من مجرد وثيقة مرحلية في مسار يبدو محسوما سلفا في غياب أي ملف منافس؛ بل هو مرآة حقيقية يمكننا أن ننظر إليها لنطلع على وضعنا التنموي الحالي، بما أن الأمر يتعلّق بأكبر ست مدن مغربية وأكثرها حظا من حيث البنيات التحتية والخدمات؛ كما أنه مرآة لما ينبغي أن يكون عليه حال هذه المدن خلال خمس سنوات من الآن.
بالنسبة لمرآة الحاضر، وفي ظل المقارنة الحتمية مع المدن الإسبانية والبرتغالية المرشحة، يمكن القول إنه ومن حيث الملاعب، ورغم أن جل المنشآت الرياضية التي قدّمها المغرب ليست جاهزة، لكن ووفقا للضمانات التي منحها المغرب للاتحاد الدولي لكرة القدم، فإن التنقيط الذي تضمّنه التقرير يعطي لملاعبنا أفضلية نسبية مقارنة بالملاعب الايبيرية، لأن أضعف ملاعبنا من حيث التنقيط، وهي التي توجد في مدينتي مراكش وأكادير، نالت أربع نقاط، بينما حصلت ملاعب أوربية على أقل من ذلك، مثل ملعب مالقة الذي حصل على 3.7 وملعب لشبونة الذي نال 3.9.
أما الإيواء، فيمكن القول إنه من بين نقط الضعف الواضحة في الملف المغربي. فباستثناء مدينة سان سيباستيان التي نالت تنقيط 1.2، فإن جل المدن المغربية حصلت على ترتيب متأخر مقارنة بنظيرتها الأوربية. وفيما حصلت برشلونة على العلامة الكاملة بخمس نقاط، ولم تكن مدينة الدار البيضاء بعيدة عنها ب4.8، فإن مدينة فاس مثلا حصلت على 3.8 نقطة ومدينة طنجة نالت 2.3 نقطة فقط، ما يشير إلي ضعف البنيات السياحية الخاصة بالإيواء.
كما يعتبر النقل من بين أسوأ مؤشرات المدن المغربية، حيث حصلت مدينة الدار البيضاء وحدها على نقطة عالية (4.7)، بينما حصلت باقي المدن المغربية على تنقيط جد منخفض، بما فيها مدينة الرباط التي حصلت على ثلاث نقط فقط في هذا المؤشر.
إن ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم 2030، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، ليس مجرد مسعى لاستضافة أكبر حدث رياضي في العالم، بل هو مشروع بحجم الحلم الوطني، وحلم برفيع إيقاع التنمية وتقليص الفوارق وإشراك الجميع في عملية توزيع العائد الاقتصادي الوطني.
إنه إعلان صريح عن طموح المغرب في إعادة صياغة مكانته الدولية، ورفع سقف تطلعاته التنموية إلى مستوى غير مسبوق. لكن، وكما هو الحال في كل الأحلام الكبيرة، فإن الطريق محفوف بالمخاطر، والنجاح مرهون بقدرتنا على إدراك حجم التحدي وإدارته بعقلانية.
تقرير الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) الذي قيّم المدن المرشحة لاستضافة البطولة يعكس واقعا مزدوجا. من جهة، يبرز نقاط القوة الهائلة التي يتمتع بها المغرب، ومن جهة أخرى، يسلط الضوء على التحديات الجسيمة التي تضعنا أمام أسئلة ملحة حول الأولويات والإمكانات.
في قلب هذا المشروع الطموح، تأتي الملاعب والبنية التحتية الرياضية. إذ من المقرر أن يضم المغرب ستة ملاعب رئيسية، بعضها قيد التجديد وأخرى قيد الإنشاء، مثل الملعب الكبير قرب الدار البيضاء، والذي يُراد له أن يكون أيقونة عالمية.
هذا الاستثمار لا يتوقف عند حدود الرياضة، بل يمتد إلى رسالة أعمق تتعلق بتحويل المغرب إلى وجهة عالمية كبرى. فالملاعب ليست فقط أماكن تُلعب فيها المباريات، بل منصات لاستعراض هوية البلد ورؤيته المستقبلية.
لكننا هنا لا نتحدث عن أحلام مجانية، بل عن استثمارات ضخمة تحتاج إلى إدارة دقيقة. تكلفة بناء وتجديد هذه الملاعب تثير تساؤلات حول انعكاساتها على القطاعات الأخرى. وتطرح سؤال هل يمكن لهذه المنشآت أن تخدم أهدافا أخرى بعد البطولة العالمية؟ أم أنها ستتحول إلى “فيلة بيضاء”، تستهلك الموارد دون عائد ملموس؟
هنا يكمن التحدي: كيف يمكن تحويل هذه المنشآت إلى أصول تنموية مستدامة تخدم الأجيال القادمة؟
على مستوى النقل واللوجستيك، يقدم المغرب نفسه كلاعب جاهز. القطار فائق السرعة “البُراق” يمثل نموذجا يُبنى عليه، في ظل خطط توسيعه لتشمل مدن مثل مراكش وأكادير. هذا الربط بين المدن الكبرى يهدف إلى تسهيل حركة الجماهير وربط المناطق بعضها ببعض، ما يعزز من فرص التنمية الاقتصادية.
لكن هنا يظهر تحدٍ آخر: هل تكفي هذه المشروعات لتلبية متطلبات البطولة؟ وما هو تأثيرها على المدن غير المدرجة في ملف الترشيح؟
أما قطاع السياحة، فهو الورقة الرابحة التي يضع عليها المغرب الكثير من رهاناته. المدن السياحية مثل مراكش وأكادير معروفة عالميا، والمونديال يمثل فرصة لتوسيع طاقتها الاستيعابية واستقطاب المزيد من الاستثمارات. ويمكن للبطولة أن تكون محركا لتحسين قطاع خدمات الإيواء بأكمله، من الفنادق الفاخرة إلى الخيارات ذات التكلفة المنخفضة. ومع ذلك، فإن التحدي يكمن في تجنب تضخم الأسعار خلال البطولة، وضمان أن تعود الاستثمارات بالنفع على السياح والسكان المحليين على حد سواء.
يضيف التعاون الثلاثي مع إسبانيا والبرتغال بُعدا جيوسياسيا إلى هذا المشروع. فبالنسبة للمغرب، هذا التعاون ليس مجرد شراكة تنظيمية، بل فرصة لتعزيز مكانته كجسر بين إفريقيا وأوروبا.
إنه تأكيد على قدرة المملكة على لعب دور استراتيجي في المشهد الدولي. ومع ذلك، فإن هذه الشراكة تثير تساؤلات حول توزيع الأدوار. هل سيكون المغرب شريكا فاعلا أم مجرد لاعب ثانوي في مشروع تقوده أوروبا؟
وسط كل هذه الفرص، لا يمكن تجاهل التحديات الجسيمة. فاستضافة كأس العالم ليست مجرد احتفال رياضي، بل مسؤولية وطنية تتطلب إدارة متوازنة للموارد.
تكلفة المشروع قد تزيد من الدين العام، مما يضع ضغوطا على قطاعات أساسية مثل التعليم والصحة. والتركيز على المدن الكبرى قد يعمق الفجوة التنموية بين المناطق الحضرية والقروية. وتدفق الجماهير خلال البطولة قد يضغط على البنية التحتية ويؤثر على حياة السكان المحليين.
مونديال 2030 يمكن أن يكون لحظة فارقة في مسار المغرب، لكنه يحمل في طياته مخاطر تستدعي اليقظة. والنجاح لن يُقاس فقط بقدرتنا على استضافة البطولة، بل بقدرتنا على تحويل هذه الفرصة إلى إرث تنموي مستدام يخدم الأجيال القادمة. إنه اختبار لطموح المغرب ورؤيته، ولإرادته في تحويل الأحلام إلى واقع.